الحدث- محمد مصطفى
بدا جلياً تزايد إقبال المواطنين في قطاع غزة للاحتكام لدى القضاء العشائري والعرفي خلال السنوات القليلة الماضية، لحل خلافاتهم الأسرية والمالية، والمشاجرات التي قد ينتج عنها حوادث قتل أو إصابات.
يوميا تستقبل المجالس العشائرية وبعضها مرخص، عشرات القضايا الخلافية، وتفصل في خصامات، وتجد حلولاً توافقية للكثير من المشاكل، الأمر الذي يساعد في استقرار واستتباب السم المجتمعي.
قضاء محبب
وتقول القانونية سعاد المنشي، المحامية بالعيادة القانونية رقم "9"، بمدينة رفح، إن ثمة عوامل عديدة، تجعل من القانون العرفي والعشائري مفضل لدى المواطنين، عن المحاكم، والقانون الرسمي.
وبينت المنشي في حوار خاص مع "الحدث"، أن أهم الأسباب هي تركيبة المجتمع الفلسطيني عامة، وقطاع غزة على وجه الخصوص، فهي تركيبة عشائرية قبلية، عززتها السلطة فور وصولها، بإنشاء رابطة شؤون العشائر، وتعيين وجهاء ورجال إصلاح، يتقاضون رواتب من ميزانية السلطة.
وأكدت المنشي أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في القطاع، ساهم في زيادة الإقبال على القضاء العشائري، وجعل المجتمع الغزي يتمسك بعادات قبلية قديمة، كانت تراجعت خلال الفترات الماضية.
مزايا عديدة
وأوضحت أن القضاء العشائري يتميز بعدة ميزات عن الرسمي، أبرزها سرعة الفصل في القضايا الخلافية، خلافاً للمحاكم التي تؤجل فيها القضية مرات عديدة، وقد يستغرق الفصل في بعض القضايا سنوات، بينما العشائري يفصل فيها في غضون أيام معدودة.
ونوهت إلى أن المتخاصمين لا يضطرون لدفع رسوم قضايا وأتعاب محاماة، وغيرها من المصاريف، التي يجبر قاصدوا المحاكم لدفعها.
وأوضحت أن صعوبة الظروف الاقتصادية في الوقت الحالي، كانت دافع إضافي للمخاصمين، ليتوجهوا إلى القضاء العرفي.
ولفتت إلى وجود ميزة في القضاء العشائري لا تتوفر مطلقاً في الرسمي، وهي أن الأول يبحث عن حلول توافقية ترضي طرفي النزاع، كما أن الأطراف إن أرادت تصديقه من المحكمة، يمكن ذلك، فيصبح حكمة محكمة نافذ.
وأكدت المنشي أن الكثير من المشاريع تنبهت لدور القضاء العشائري، من بينها مشروع سيادة القانون والعدالة، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (U.N.D.P)، وقام بتدريب وتأهيل عشرات المخاتير والوجهاء ورجال الإصلاح، لتتناسق أحكامهم وحلولهم مع القانون الرسمي، ويصبحوا أقدر على إصدار أحكام منصفة.
أهمية رجل الإصلاح
من جانبهم وصف بعض القضاة العشائريين مهمة رجل الإصلاح العشائري بأنها تشبه إلى حد كبير مهمة رجل الإطفاء، فكلاهما يسارعان لمنع انتشار نيران اندلعت في مكان ما.
وبينوا أن جال الإصلاح الغيورين على مصلحة وطنهم وشعبهم، مستعينين بمكانتهم الاجتماعية البارزة، واحترام الناس لهم، سرعان ما يهبوا لتطويق أية مشكلة ويمنعون تفاقمها وامتدادها.
قضاء قديم
من ناحيته أوضح الشيخ والداعية محمد لافي، أحد أبرز رجالات التحكيم الشرعي في قطاع غزة، أن القضاء العشائري في فلسطين قديم، ولم يكن وليد السنوات الماضية كما يظن البعض، فقد ظهر هذا النوع من القضاء في نهاية عهد الدولة العثمانية، بدعم من الوالي التركي في ذلك الوقت، الذي خصص بدوره بيوت ومقار للإصلاح، كما أن الانتداب البريطاني واصل دعم هذا النوع من القضاء، لما له من دور في وئد الصراعات المجتمعية ومنع تفاقمها.
وأوضح لافي لـ"الحدث"، أن اللجوء لهذا النوع من القضاء تزايد بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تزايد اللجان، والضغط والإزدحام الشديد الذي واجهته المحاكم الفلسطينية، موضحاً أن القضاء العشائري في الوقت الراهن، يلعب دور هام في استتباب الأمن والسلم في المجتمع، خاصة أنه يقوم على مبدأ التصالح.
وحول ما يستند إليه هذا القضاء في إصدار أحكامه، بين لافي أن القضاء العشائري والتحكيم الشرعي، يستند في العديد من أحكامه على الشريعة الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بقضايا الميراث، والخلافات الناجمة عنها، وكذلك الدم والدية.
ونوه إلى أن هذا النوع من القضاء له رجالاته، ولا يصلح أي كان أن يصبح قاضي عرفي، فيجب على العاملين فيه أن يتحلوا بصفات عدة، أهمها النزاهة والمعرفة الجيدة، وقوة الشخصية، والسمعة الطيبة، إضافة للحسب والنسب، ويفضل أن يكونوا ورثوا العملية عن آبائهم وأجدادهم.