محاولات إسرائيلية لخلق شخصية «العربي الإسرائيلي» من خلال المناهج التعليمية
الناصرة- محمد وتد
دأبت المؤسسة الإسرائيلية ومنذ النكبة على فرض سيطرتها على فلسطينيي 48 بمختلف مناحي الحياة، ورأت في جهاز التعليم وسيلة لإقصاء الداخل الفلسطيني عن امتداده الفلسطيني وعن الأمة العربية، وذلك منعا لتشكيل وعي ثقافي ووطني واحد ومشترك. وعمدت وزارة المعارف الإسرائيلية على إدخال مضامين تدريسية إلى منهاج التعليم تحمل في طياتها رسائل تهدف لتشويه صورة الطالب وخلق شخصية «العربي الإسرائيلي»، ليبقى التاريخ الفلسطيني بعيدا عن المنهاج مستبدلين به تاريخ الشعب اليهودي والرواية الصهيونية التي تهدف إلى تهميش الهوية الوطنية والقومية الفلسطينية وتغيب الحضارة العربية والإسلامية والمسيحية عن ذهن وفكر الطالب الفلسطيني.
وسط هذه التناقضات والصراع على هوية المكان وما رافقها من تنام للمشاعر الوطنية وتعزيز الانتماء للشعب الفلسطيني والامتداد إلى الوطن العربي، تتعالى الأصوات في الداخل الفلسطيني مطالبة بالاستقلال الذاتي في مجال التعليم، الأمر الذي تتحفظ عليه المؤسسة الإسرائيلية وتعارضه بشدة وتسعى للإبقاء على حالة التبعية والسيطرة على جهاز التربية والتعليم والثقافة في أوساط الداخل الفلسطيني، حيث ترى تقارير إسرائيلية بأن الاستقلال الذاتي لجهاز التعليم العربي وبلورت وعي وطني قومي لفلسطينيي 48 قد يشكل خطرا على “يهودية الدولة”.
مركز إعلام: ضرورة طرح التحديات ومناقشة المواقف من قضية “الإدارة الذاتية لجهاز التعليم العربي”
وبادر مركز إعلام في الناصرة من خلال ورشات المناظرة للطلاب الثانويين والجامعيين إلى تعزيز النقاش حول قضايا التدريس ومنهاج التعليم الذي تفرضه إسرائيل على فلسطينيي 48 مع طرح التحديات ومناقشة المواقف من قضية «إدارة ذاتية لجهاز التعليم العربي».
وتدعو هيئات سياسية واجتماعية ومراكز أبحاث إلى «إدارة ذاتية لجهاز التعليم العربي» في الوقت الذي تحكم فيه إسرائيل سيطرتها على جهاز التعليم وتفرض رؤيتها وأجندتها من خلال مناهج التدريس وحتى من خلال التعيينات للمديرين وللمعلمين ما ينعكس سلبا على مستقبل التعليم والأجيال الناشئة بكل ما يتعلق بصياغة الهوية الوطنية والقومية ويعرضها للتشويه الممنهج من خلال مناهج التدريس.
وفي ظل التطلع لاستقلال ذاتي في جهاز التعليم وإنهاء حالة التبعية والتدخلات من المؤسسة الإسرائيلية، تتفشى البطالة في صفوف الأكاديميين، حيث قدمت مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في الداخل الفلسطيني إلتماساً للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد وزارة المعارف حول سياسة تعيين المعلمين في الوزارة، حيث أوضحت في التماسها بأن «مفتاح حل لغز التعيين لدى المعارف يكمن في الواسطة والعلاقات الشخصية والقرابة».
وجاء في الالتماس الذي قدمه المحامي محمد اغبارية بأن: «هناك الآلاف من الخريجين والخريجات من فلسطينيي 48 والذين التحقوا بدائرة البطالة بسبب سياسات التدخل في جهاز التعليم العربي، والتعيينات من قبل المؤسسة الإسرائيلية التي تعتمد على معايير غير مهنية وتدخلات لجهاز المخابرات الذي يسعى لإبقاء سيطرته وتدخله في جهاز التعليم العربي.» وعليه طالب المحكمة بضرورة إلزام الوزارة بتحديد إجراءات ومسارات التوظيف والتعيينات للمعلمين والمعلمات في المدارس العربية.
“حيادري، رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم: المعارف الإسرائيلية تحكم قبضتها على منهاج التدريس والتوظيف والتعيينات وتعزل القيادات التربوية والأكاديمية من فلسطينيي 48 من دائرة صنع القرار وتؤثر على المناحي التربوية والثقافية في المدارس”
وأوضح رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم الأستاذ محمد حيادري بأن المؤسسة الإسرائيلية تبدي معارضة شديدة لمطلب استقلال جهاز التعليم العربي لفلسطينيي 48 وتعمل جاهدة لإفشال أي تصور مستقبلي من شأنه أن يسهم بنوع من الاستقلالية أو حتى الإدارة الذاتية للمدارس مع مواصلة مخططها بصهينة منهاج التعليم العربي وتغييب الطالب الفلسطيني عن هويته وسلخه عن شعبه وتاريخه.
وبين حيادري أن نهج وزارة المعارف الإسرائيلية يعتمد سياسة الإقصاء والتهميش لجهاز التعليم العربي والتحكم والسيطرة على منهاج التدريس والتوظيف والتعيينات لتبقى المدارس رهينة تعيش حالة من التبعية، وذلك سعيا لصهر الطالب العربي ضمن مشروع الأسرلة مع الاهتمام بعزل القيادات التربوية والأكاديمية من فلسطينيي 48 من دائرة صنع القرار والتأثير على المناحي التربوية والثقافية في المدارس.
وشدد حيادري على أن الدراسات والأبحاث التي أعدتها طواقم مهنية بطلب من لجنة قضايا التعليم، توصي بضرورة إقامة مديرية خاصة لجهاز التعليم العربي تتمتع باستقلالية ذاتية وتكون شريكة في وضع مناهج التعليم ما من شأنه أن يحافظ على الخصوصية التربوية والثقافية والتاريخية للطالب الفلسطيني.
وخلص إلى القول: “حان الوقت لنكون شركاء في صنع القرار ووضع الأهداف التربوية لتعليم أولادنا، ليتسنى لنا مواجهة مخططات تشويه الهوية التي تنفذ ضدنا، والتي ساهمت في حالة الضياع والتناقضات التي تعيشها الأجيال الناشئة، خاصة وأن الجيل الجديد في جهاز التعليم العربي بات يرفض الإملاءات والتبعية ويدعو لإحداث تغييرات تتلاءم وتطلعات المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل”.
“سلطاني، رئيس الاتحاد القطري للجان أولياء الأمور: شطب الرواية الفلسطينية وتغييب التاريخ العربي مع تذويت القيم الصهيونية لدى الطالب”
من جانبه، يرى المحامي فؤاد سلطاني، رئيس الاتحاد القطري للجان أولياء أمور طلاب فلسطينيي 48، أن استقلال جهاز التعليم العربي وإنهاء حالة التبعية التي تفرضها إسرائيل على المدارس هو الرد على مشروع وزارة المعارف فرض الرواية الإسرائيلية وإدخال الرموز الصهيونية واليهودية إلى مناهج التعليم، حتى في مرحلة رياض الأطفال، ما يشكل خطرا على الهوية الشخصية للطالب وشطب الذاكرة الجماعية وخلق جيل مشوه يعيش حالة اغتراب، فالقضية لا تقتصر على أن يتعلم طلاب الداخل الفلسطيني عن القيادات الإسرائيلية وتاريخ الصهيونية والشعب اليهودي، بل يتعدى الأمر ذلك إلى شطب الرواية الفلسطينية، وعدم ذكرها مع تذويت القيم الصهيونية لدى الطالب وجعلها أكثر التصاقاً به.
وشدد المحامي سلطاني على دور لجان أمور الطلاب في المسيرة التربوية والتعليمية، خاصة وأن لها الحق بطرح ووضع %25 من مواد التدريس شريطة أن تقر وزارة المعارف ذلك، لكن يؤكد سلطاني أن المؤسسة الإسرائيلية تسلب لجان أولياء أمور الطلاب العرب حقها وترفض إقحامها في العملية التربوية والتعليمة وتسعى لإقصائها عن التأثير في المدارس ليقتصر نشاطاها على دعم البنى التحتية وسد النواقص واحتياجات الطلاب والمدارس بسبب سياسية التمييز والإجحاف في الميزانيات.
وبين سلطاني أهمية مشروع الاستقلال الذاتي التربوي والثقافي لفلسطينيي 48، كون مناهج التعليم بمختلف المراحل المدرسية في مواضيع اللغة العربية والأدب والتاريخ والجغرافيا والمدنيات والموطن مفرغة من المضمون والجوهر، ما من شأنه نسف الذاكرة الثقافية الوطنية الجماعية، وقد وضعت هذه المنهاج والكتب خصيصا لفلسطينيي 48 لبلورة هوية وشخصية «الطالب العربي الإسرائيلي»، مع تكريس الرواية الصهيونية بتاريخها وثقافتها وأدبها وتغييب تام للرواية الفلسطينية والثقافة العربية.
أبو صافي، مستشار وزير المعارف الإسرائيلي لقضايا التعليم في المجتمع العربي: “الصراع مع وزارة المعارف ليس على ميزانيات- حتى وان كان هناك إجحاف-، فالصراع الحقيقي هو على هوية جهاز التعليم”
بدوره، رحب المفتش نصر أبو صافي، مستشار وزير المعارف الإسرائيلي لقضايا التعليم في المجتمع العربي، بفكرة الإدارة الذاتية الثقافية لجهاز التعليم، لكنه أوضح بأن الموضوع شائك، فنحن نتحدث عن مسيرة منذ 65 عاماً ولا يمكن إحداث تغييرات حقيقية عبر رسالة أو توصيات تحول إلى الوزير، لافتا إلى ضرورة التعامل مع الموضوع بواقعية وترك الأحلام والتطلعات جانبا، حيث أن على المجتمع العربي أن يُسائل ذاته «هل مشروع الاستقلال الذاتي قابل للتنفيذ أم لا ؟».
ويرى أبو صافي بأنه لا يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع دون حساب للذات ومناقشة الأسباب التي أوصلت جهاز التعليم العربي إلى ما هو عليه الآن، مؤكدا بأن الصراع مع وزارة المعارف ليس على ميزانيات حتى وإن كان هناك إجحاف، فالصراع الحقيقي على هوية جهاز التعليم ومضامين المنهاج ودورنا نحن كعرب في التأثير على المضامين، ويبقى الأهم ماذا فعلنا بشكل عملي -عدا عن الطلبات- للوصول إلى نوع من الإدارة الذاتية، خاصة وأن بإمكان لجان أولياء أمور الطلاب أن تبدي رأيها وتتدخل في مضامين المنهاج ومسيرة العملية التربوية والتعليمية.
ويعتقد أبو صافي بأنه لا يمكن إلقاء اللوم فقط على وزارة المعارف وتقصيرها تجاه المدارس العربية، وذلك بسبب الصراع التاريخي المتواصل إلى يومنا هذا، لا ننكر وجود تقصير عربي، فهناك الكثير من المجالات التي يمكن إحداث تغييرات عليها بعيدا عن تدخلات وزارة المعارف، مبينا ضرورة التحرر من حالة الخوف التي ما زالت تلازم العاملين العرب في جهاز التعليم فهناك شريحة واسعة منهم ما زالت تعيش عقلية الحكم العسكري