الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ثَورة الجِياع للحُرّية: من المَلايين إلى البَلالين/ بقلم: أبو أسعد محمد كناعنة

2020-10-13 08:04:12 AM
ثَورة الجِياع للحُرّية: من المَلايين إلى البَلالين/ بقلم: أبو أسعد محمد كناعنة
أبو أسعد محمد كناعنة

ي حُزيران من العام 2009، عُقدَ تحتَ رعاية مؤسّسة "روزا لوكسمبورغ" الألمانية فرع فلسطين، (شقيقة فرع "إسرائيل") مؤتمرًا في مدينة رام الله تحتَ عنوان: "نحو إعادة توحيد اليسار الفلسطيني"، شاركت في أعمال المؤتمر كَأمين عام لحركة أبناء البلد في الداخل الفلسطيني في حينهِ،  وقدّمت أكثر من مداخلة في المُداخلات الرئيسية والفرعية، كَمُناقِش، وكانَ النقاش حادًا بينَ مجموعات الشباب تحديدًا مع المُحاضرين والمُناقشين المركزيين أصحاب الفكرة من الفلسطينيين، وما زلت أذكُر معظم الأسماء والشخصيات التي جاءَت لتدفع بالشباب اليساري الثوري من مختلف الانتماءات الحزبية بقبول فكرة "توحيد اليسار" بغض النظر عن البرنامج الاستراتيجي لكل حزب أو فصيل، فمثلًا طغى على النقاش الموقف من "الكفاح المسلح" حيثُ اعتبرهُ البعض من أصحاب الفكرة ليسَ أمرًا أو شرطًا ضروريًا للوحدة، وكذا الموقف من التحرير، فلسطين التاريخية أم دولة في حدود الرابع من حزيران، إتفاق أوسلو، وقضايا أخرى مركزية "خلافية" وما زالت حتى اللحظة محط خلاف بين قوي "اليسار" الفلسطيني، واضح، كانَ وما زالَ، الفرق بينَ تفكير الشباب الفلسطيني من أنصار الفكرة اليسارية وبين النُخب "اليسارية" التي باتَت، برأيي، تنعم بعدَ أوسلو بمركز "اجتماعي مرموق" وبنمط حياة رغيد، بفعلِ تخليها عن فكرة التحرير وتراجعها عن الكفاح المُسلح كفكرة حتى، هذا لمن كانَ أصلًا يُمارس أو يؤمن بهذا الأسلوب الكفاحي والذي أسماه زعيم "الثورة" الفلسطينية والقائد العام لقوات التحرير ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" الفلسطينية ورئيس حركة فتح وراعي اجتماع الأمناء العامين الأخير بين بيروت ورام الله رئيس سلطة أوسلو الأخ محمود عباس أبو مازن، ب"الأسلوب العَبثي".

في الجلسة التي قَدّمَ فيها ثلاثة من قادة القوى اليسارية الفلسطينية رؤيتهم لوحدة اليسار، تحدَّثَ السيد بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب (الشيوعي سابقًا) والرفيق عبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة الشعبية والرفيق قيس عبد الكريم أبو ليلى نائب الأمين العام للجبهة الديموقراطية وكانت مداخلات مهمة وتُعبّر فعلًا عن رؤية كل فصيل، نظريًا على الأقل، والأهم من وراء هذه المداخلات كانت فكرة مواجهة هيمنة حركتي "فتح وحماس" على المشهد الفلسطيني وخاصة التحكم بالسلطة والتفرد بها، قُطبَي اليمين الفلسطيني، كما يحلو لليسار أن يُسميهما، وبحق، أصبحا يَتَسَوّدان على الساحة بدونِ منازع تقريبًا بفعلِ عوامل عَديدَة، ولا مجال للخوض فيها هنا ولكن من أهمها المال الغزير الذي تمتلكهُ الحركتان (وهذا لهُ دور في حرف مسار الحركتين النضالي) والسلاح الذي باتَ في أيدي الحركتين ليس فقط للمقاومة، وإنَّما للإستقواء في ساحة السجال الفلسطيني الداخلي ولو نظرنا لما يحدث في غزة والضفة لعلمنا حقًا أينَ نحنُ من "ديموقراطية غابة البنادق" التي تغنى بها الراحل ياسر عرفات وأينَ أوصلتنا هذه الديموقراطية،، أضف إلى ذلك تراجع الفعل الكفاحي لليسار الفلسطيني، مع الأخذ بعين الإعتبارات كل العوامل الموضوعية في الثلاثة عقود الأخيرة والتي لعبت لغيرِ صالح قوى اليسار على مستوى العالم، خاصّة الإنهيار الذي لحق بالمنظومة الاشتراكية وضرب المشروع القومي وصعود الإسلام السياسي بدعم من أنظمة الخليج، لكن اليسار الفلسطيني كانَ الأسوأ، على مستوى العالم، في تداركهِ للأزمة وفشلهِ في التعاطي معها وإيجاد الحلول لمعضلاتها وبدلَ من ذلك عمل على تدوير هذه الأزمة لِتُنتج فيما بَععد "مناضلي" الأنجزة، من أبناء اليسار، الذينَ باتوا بغيرِ وجهِ حق، أو بكلام حق يراد بهِ باطل، يُهاجمون منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية وخاصة الجذرية بعدَ أن باتوا بالمال الصهيو أمريكي أوروبي أباطرة في منطقة ضعيفة اقتصاديًا اجتماعيًا، منطقة تكاد تكون منهارة بسبَبِ الاحتلال وجرائمهِ واستحواذ الفساد على مؤسّسات السلطة والتي من المفترض أن تعالج قضايا الناس المعيشية ولكن ليسَ بصيغة شراء الذمم والاستحواذ على البشر ومواقفهم، هذه الحالَة بدأت جذورها قبلَ إتفاق أوسلو عبرَ بعثات الأبحاث الأوروبية خاصة النرويجية في المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة المُحتَلّين وأيضًا في مخيمات الشتات الفلسطيني إلى أن وصلت الدراسات تلك في حينهِ بتوصية لأصحاب القرار في أوروبا وأمريكا والكيان الصَهيوني بوجوب إحداث إختراق في الحالة السياسية الاقتصادية في هذه المنطقة قبل حصول الإنفجار وفعلا كانت الجمعية النرويجية عند حُسنِ ظنّ من يقف وراءها وأدّت مهمتها على "أحسنِ وجه"، وأنتَجَت الأرضية الخصبة لإتفاق أوسلو التفريطي المشؤوم.

في مداخلتي في تلك الجلسة أمام هذه النخبة من قيادة "اليسار" الفلسطيني، تَحدَّثت بوضوح عن رؤيتي، وهي رؤية لها وزنها في أوساط شباب اليسار الفلسطيني، خاصّة أبناء المخيمات والشتات، بأنَّهُ:

 كيفَ يُمكن توحيد اليسار دونَ وجود رؤية سياسية وإستراتيجية جامعة لهذا اليسار؟..

هل على من يؤمن بالكفاح المسلح أن يتنازل عن قناعاته هذه؟..

هل على اليسار الجديد الموحّد التنازل عن برنامج التحرير وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي طردوا منها عام 1948 ؟..

كيفَ يُمكن توحيد اليسار وهناكَ "قائِد" يساري يتمتّع ببطاقة ال وفي ذات الوقت هناك قائد يساري وأمين عام يقبع في زنازين الاستعمار وهناك محاولات لاغتياله، (في تلك الفترة بالتحديد أدخَلَتْ ما يسمى مصلحة تقرير السجون الصهيونية أفعى سامة لزنزانة أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية في محاولة لإغتيالِهِ).

وخلال مداخلتي هذه وبعدَ أن أشرت إلى ضعف الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي خاصة المشرق منه يعود إلى إعتراف هذه الأحزاب بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين كَكيان شرعي يُجسّد حق تقرير المصير لليهود وكانَ هذا الانجرار وراء الموقف السوفيتي في حينهِ سبَبًا في إبعاد الجماهير عن هذه الأحزاب وحتى لدرجة العداء لها، قاطعني بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب الذي لم تَرُق لهُ آرائي ومواقفي، وهذا حقهُ وقالَ: أنتم ما زلتم تطلقون الشعارات الرنانة، وما زلتم تتغَنّون بهذه الشعارات التي عفا عليها الزمن، واقترب مني قليلًا وأبعدَ المايك عنهُ وقالَ كلامًا بذيئًا تعبيرًا عن رأيهُ بمواقفي، هذا نموذج "لليساري" الذي يسعى ليبني حزبًا يساريًا مع آلاف الأسرى والشُهداء وعلى دمائهم من الشهيد الرفيق خالد أبو عيشة والذي أستشهدَ في الثاني من تشرين ثاني عام 1964 إلى أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القابع في زنازين الإستعمار الصهيوني ورغم مرضه وكبر سنّه رفضَ أن يعترف بالمحكمة الصهيونية أو أن يترافع عنهُ أي مُحامٍ وكانت مرافعتهُ بروحِ إيمان الشباب الفلسطيني وبقَدَرِ دماء الشُهداء التي روت طريق العودة وأنارت درب التحرير.

هذا النموذج هو ذاتهُ يحاول اليوم لَملَمة القضية الفلسطينية وحشرها في زاوية "المقاومة الشعبية السلمية" المُمَوَّلَة أوروبيًا وأمريكيًا، وفي خانة "الحياة مفاوضات"، ولكن ما الجديد الآن؟ 

إنَّ هذا المسار الذي يرعاه القائد العام "للثورة" الفلسطينية محمود عباس ووافقت عليه الفصائل على مختلف مسمياتها، نجحَ بصيغة تيار أوسلو وجماعة الإعتراف "بحق تقرير المصير لليهود" على أرض فلسطين، في جرّ الفصائل، خاصة الجذرية، إلى مربّعهم، شاؤوا أم أبوا، وكَرَّسوا إستفراد الحركتين، فتح وحماس، بمجريات الأمور وهكذا صدرَ ما سُميَّ بالبيان الأول: "للقيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية السلمية"، هذا البيان الذي لم يُعلّق عليهِ أي من الفصائل ولم يتدخل في تفاصيلهِ أحد غير ممثل فتح وحماس، وإنَّما كان مسودّة إقتراح وتم نشره في الإعلام بحماسَة منقطعة النظير ليغدو كقصة راعي الغنم والذئب، فلم يعُد أحد من أهل القرية يُصدّق بياناتكم إلّا من قبضَ وسَبَّحَ بحمدِ نعمتكُم.

وبعد أن أذاعوا علينا البيان، ذهبوا، سَواسية كَأسنانِ المِشط، إلى حدودِ إحدى المستعمرات وأطلقوا البالونات المُلوّنَة، هذا بقَدرِ ما يسمح لهم المُموّل الأوروبي، وفي الصباح إستفاقَ شعبنا ليرى بشائر بيان القيادة الوطنية الشعبية السلمية الموحدة، فوجدَ أنَّ المُستعمرة الصغيرة إياها أصبحت أخطبوط يبتلعُ بياناتهم وأحلام أطفالهم ويسعى ليتجاوز التاريخ لكنّهُ يصطدم عندَ جدارِ دماء الشُهداء وهناكَ سيتقهقَر وينهزم.