سعيدون نحن في مجتمعاتنا الزهرية اللون، والرمادية والمزركشة بالألوان (الهردبشت)، فالوضع الاقتصادي في بلادنا (اللهمَّ لا حسد)، على أفضل ما يكون، والحالة النفسية في اليوم العالمي للصحة النفسية، تؤشر إلى حالة من الروقان العاطفي والنفسي اجتماعيًّا وسياسيًّا ودينيًّا، فالعلاقات الاجتماعية طبيعية جدًا، والأخ لا يحسد أخاه، والابنُ لا يحاول قتل أبيه، وكل فتاةٍ بأبيها معجبة، وكلُّ كِنَّةٍ مهووسةٌ بحماتها، والضرائرُ يحتفلنَ بأعياد الميلاد تحت سقف واحد، وعلى مائدة ربِّ العائلة (أبو كرش) العاطفي والرومانسي جدًا. وأبناء الخالات يحبون بعضهم، وكذلك أبناء الجيران يحبون بنات جيرانهم، ويربطون لهنَّ في الأزقةِ، ويلوِّحون لهنَّ من على أسطح المنازل، وجدران الأزقة الضيقة والواسعة، وعروق الأشجار المُعَمَّرةِ أصبحت منصاتٍ بلاغية لكتاباتٍ في العشق بخطوطٍ رديئةٍ جدًا، أمَّا اللغة إملاءً ونحوًا فسيعجزُ سيبويه وتلميذه الأعلم الشنتمري عن تقعيدها. أما إذا كُتِبَت باللغة الإنجليزية، فإنَّ شكسبير سَيُشَكْبِرُها غناءً وفونيمًا، وسيخلقُ لها مخرجين مبدعين على مسارح التوقيعات؛ فهذا البطل الحَبّيب يُوقِّعُ بـ(أبو الزُّمُرُّد) وعاشق الأحزان، وبوابة الألم، ودايخ في زمن بايخ، و( حرامي القلوب) و(جلجامش) وما إلى ذلك.
إذَنْ نحنُ سعداء، نحبُّ على طريقتنا، ونغازلُ ونلطِّشْ كلام الغَزْلَنة في زمن الوَلْدَنَة صباح مساء، ونستشيطُ غضبًا إذا ما خانتنا الحبيبة، فنقف على أطلالها، وندخِّن ثلاث أو أربع (سجائر عربي لف) من دخان يعبد الحامي، بجرعاتٍ متتالية؛ تعبيرًا عن غضبنا، إلى أن يُيِسَّرَ الله لنا، أو نتيَسَّرَ إلى زقاقٍ آخر.
نحنُ سعداءُ جدًا بمتابعاتنا نشرات الأخبار حول ارتفاع أسعار الأحذية الصينية، فرِحون بسوقِ الجمعة، ونحنُ نقلِّبُ البضاعة ( الرابش) القادمة من عند أولاد العم، ثم نكون أكثر سعادة في خطبة الجمعة، ونحن نستمع لسيدنا الشيخ أبو لفَّة محترمة، وهو يتحدث عن حقوق المرأة، وضرورة طاعة زوجها، وحقها بالميراث، ثمَّ نضحكُ عندما نعرف أنه يحرم زوجته من زيارة والدتها المريضة، بعد أن أخذت ورثتها كاملة.
والسعادةُ الكبرى تنطبقُ على تصرفاتنا البربرية، على مسلكياتنا الفنتازية، فهل يُعقَلُ مثلًا أن يقتل أبٌ ابنته بحججه التي صنعها له المجتمع؟ هل يُعقلُ أن يُقدِمُ كائنٌ بشريٌّ على افتراس طفلٍ ويفقأ عينيه ويبتر ساقيه؟ كلا وحاشا يا سيدي. هلْ تُصَوِّرونَ الجرائم - إن حصلت- وتنشرونها على مواقعكم لتوثقوا سعادتكم؟ أعوذ بالله يا خال. فنحنُ يا حبيبي شعبٌ صالحٌ، مجتمعٌ أصلحُ من الصالح، فلماذا تريدون تشويهنا؟ لا والله ما كان قصدنا ذلك يا فتى. فنحن لا نتصرَّفُ إلا بطباعنا العربية الأصيلة، ونحنُ قومٌ من بني عذرة، إذا أحبّوا ماتوا، ونحن متنا من شدة الحب، وحبِّ الشَّدَّةِ التي شدَّت أعصابَنا، وأصابت معظمنا بارتفاع الضغط والسكري والكوليسترول وتهيج القولون، والتبول اللاإرادي، والوحشية المنظمة.
مجتمعٌ صالحٌ نحن، وإن قتلنا أحلامَ صالح، وإن شوَّهْنا قلبَ أمِّه وأبيه وأبناء قبيلته، وكل الضمائر والحناجر والمآقي. وإنْ قتلتُم الطفولة؟ ولو قتلنا أمَّها وأبيها. يا سيدي هذا تعبيرٌ عن سعادتنا، وعن حرية التعبير، وعن الصحة النفسية، وعن الشرف والعفة والحمية الشعبية والمدنية والرسمية والأهلية. هذا تعبيرٌ عن إيماننا باللاإيمان، وعن علمانيتنا في فقه الدولة، وعن اشتراكيتنا في فهم السطو والاحتيال، وعن دينيَّتنا في فهم أحكام الحيض والاغتسال، وفِي إدراكنا لفقه العيب والحرام الاجتماعي، وكل شيءٍ عندنا نسبيٌّ بمقدار، فالحرام النسبيُّ الذي كتبه الروائي المهندس عارف الحسيني، كان حرامًا نسبيًّا لدى بعض المتفيهقين، فالحديث عن الدورة الشهرية حرام، ودخول البنت سنّ المراهقة عيبٌ يستوجب إجراءاتٍ احترازية عاجلة، بينما نبتُ الشعر تحت إبط الولد دليلٌ على بلوغه ورجولته( كِبْر الولد)، (شو يا ابو الشباب، صاير صوتك تْخين)؛ ما شاء الله! خَلَصْ أَبْلَغ الولد، بِدْنا نْشوفْلَك بنت الحلال. وسرعان ما تتحول بنت الحلال إلى (بنت حرام مشخولة شَخِل) بعد أن يتزوجها عريس الغفلة، إذا ما امتنعت عن إعطائه بطاقة الصراف الآلي؛ لينهبَ راتبَها الذي يأكلُ عمرها وقلبها وأنوثتها.
نحنُ سعداء جدًا يا خال، ومجتمعنا (بسم الله وما شاء الله) يمتلك من مقومات السعادة والصحة النفسية والصلاح من المقومات التي تصلحُ ما أفسده الدهر. نحنُ سعداءُ جدًّا بحرية التعبير، وبالحقوق المكفولةِ في القانون، وأكبر دليل على سعادتنا وحريتنا أنني الآن أُهذي، وأكتب بحرية، أنا كاتبٌ جريء(يخزي العين)، ولن أحسب حسابًا للرقابة، ولا للنقاد، ولا للقبيلة، ولا لأيِّ قارئٍ سيكتب لي تعليقًا بربريًّا، فلن أعمل له(بلوك)، إذا لم يكن هو المبادر، ولن أردَّ عليه بالشتائم. نحن مجتمعٌ حُرٌّ نقيٌّ من الشوائب. وحالاتُ الإجرامِ يا صالح؟ سيجيبكم عنها صالح بعد أن يرى العالم على طريقته الخاصة، بعد أن فقد عينيه، وسيكتب عنها بحذائه الذي فقده وهو تحت الجريمة، بعد أن فقد ساعديْه.