صمويل هنتنغتون نشر بحثا عام ١٩٩٣ بمجلة foreign affairs بعنوان "صدام الحضارات" ردا على فرانسيس فوكوياما وكتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير".
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلى جمهوريات متفرقة وإعلان رأس المال الليبرالي انتصاره بديسمبر عام ١٩٩١؛ كان قد نشر فوكوياما بحثه الذي حوله لاحقا إلى كتاب متضمنا الترويج بأن رأس المال المتقدم والمتجسد بالديمقراطية الليبرالية هو أعظم ما أنتجه العقل البشري مستأنسا بانتصارها على المعسكر الشرقي المتمثل بالاشتراكية المتبناة من الاتحاد السوفييتي وجماهيرها المنشرة بالمعمورة!
رد عليه هنتنغتون بأن التاريخ لم ينته بعد، بل إن الصدامات المرتقبة هي المرعبه وفقا لرأيه! إذ اعتبر أن الصدامات الثقافية الحضارية هي ما ستتسم به المرحلة القادمة، مستبعدا الصدام التقليدي بين الدول والأنظمة، وقد استطرد ببحثه مشيرا إلى أن الدين يمثل جوهر الحضارات الحقيقي، واعتبر أن العالم مكون من ثماني حضارات وقد اختزلها برأس المال الليبرالي والكونفوشيوسية والحضارة الإسلامية، وقد تنبأ بأن صداما حادا سيظهر بين الغرب وما يمثله من قوة الليبرالية الديمقراطية من جهة والشرق الكونفوشيوسي والحضارة الإسلامية من الجهة الأخرى!!.
أسند هنتنغتون استشرافاته بأن السيطرة الكونية المطلقة لرأس المال لن تتمكن من النفاذ والولوج نحو تبوء مركز الريادة إلا عبر خلق واستحداث وتهيئة الظروف لوجود عدو حتى لو كان خياليا، وذلك في سبيل الاستحواذ على ثروات الأمم ومصادرتها وتحقيق الربح الاقتصادي والمكاسب ذات النزعة المادية تحت شعار الحرب ومبرراتها..!
علينا كأمة عربية وإسلامية - بمكونها الديمغرافي والجغرافي الشامل_ الإسلامي، المسيحي وغيرهم - المباشرة في تحليل وقراءة النصوص التي تسعى لمحونا من الوجود بدواعي الحرب الحضارية الثقافية الموجهة نحو الاستمرار في ترسيخ الأفكار المشوهة عن الهوية العربية والإسلامية بأنها لا تنتج سوى العداء، العنف، التطرف والكراهية تجاه الثقافات الأخرى!!
أظن أن تأملات هنتغتون تنسجم مع تطلعات مجموعة لصوص مرتزقة بشرية متوحشة تسعى ليل نهار لخلق العوامل والظروف لاحتلالنا القسري اللانهائي على قاعدة عدم توفر الجدارة والأهلية لدينا.!!
ها هي كوبا والصين والأنظمة الاشتراكية تمد المجتمع الكوني بالإسناد الإنساني الطبي الوقائي والعلاجي مجسدة بسلوكها اسمى القيم الأخلاقية الجمالية الإنسانية الاجتماعية السياسية، معتبرة الإنسان المحور المركزي لديمومة الحياة بمعزل عن أصوله العرقية والدينية، في الوقت الذي ما زالت فيه قوى الوحش الرأسمالي تمارس أرذل الممارسات في استهلاك الإنسان وموارده حتى الرمق الأخير.
وجودنا وحضارتنا و موروثنا الديني في خطر حقيقي، تداعيات الأحداث التجارية تحتم علينا ضرورة المباشرة بالفرز المنطقي للأنظمة المعادية لوجودنا عن تلك التي بإمكاننا الرهان عليها مع مراعاة الاعتماد على الذات أولا وأخيرا، مع الحذر من المتربصين الذين يسعون لاستهداف وجودنا ومحو مقدرات الأمة.