الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تتساقط الأنظمة في مستنقع التطبيع/بقلم: سامي سرحان

2020-10-27 10:51:38 AM
تتساقط الأنظمة في مستنقع التطبيع/بقلم: سامي سرحان
البرهان ونتنياهو

تتساقط الأنظمة العربية واحدا تلو الآخر كتساقط أوراق الخريف، وكما يحط الذباب على القمامة ويهوي في مستنقع آمن من التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد لحق حكام السودان الجدد الذين ركبوا موجة الثورة الشعبية لشعب السودان الأبي بحاكم الإمارات وملك البحرين ويبشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب راعي التطبيع مع الكيان الصهيوني، بأن تلحق خمس دول عربية أو أكثر قريبا مركب التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا مجال هنا للإشارة إلى تلك الدول أو التكهن بها، فلم تعد أيه دولة عربية محصنة من سلوك طريق التطبيع في ظل هشاشة هذه الدول وفشلها في إدارة شؤون دولها وفي ظل الضغوط الهائلة التي تتعرض لها من الإدارة الأمريكية الحالية التي تمر بفترة انتخابات قلقة وغير مضمونة النتائج لصالح رئيس البيت الأبيض الحالي الذي يسعى بكل وسيلة لإعادة انتخابه لفترة ثانية فأقحم عملية التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني ضمن حملته الانتخابية رغم أن السياسة الخارجية لا تعني الناخب الأمريكي الذي يهتم بشؤون المواطن الأمريكي الداخلية كالصحة والبطالة ودخله الشهري وأمنه الشخصي.

ويبدو أن إدارة ترامب وخاصة وزير خارجية وصهره تجاوزوا أهمية التطبيع في الحملة الانتخابية إلى استغلال فرصة وجودهم على رأس الدبلوماسية الأمريكية لفرض التطبيع على معظم الدول العربية والتأسيس لحلف أمني إسرائيلي غربي في مواجهة ما تسميه الإدارة الأمريكية الأخطار التي تواجه المنطقة سواء من تركيا أو إيران دون أن تدرك الأنظمة العربية أن مثل هذا التحالف الهجين لن يوفر أمنا ولا يدفع عدوانا خاصة إذا أدركنا أن إسرائيل لم تعد قادرة على شن حرب خارج حدودها والانتصار في هذه الحرب وأن أي حرب قادمة ستدور في هذه الحرب، جزء منها فوق أرض فلسطين المحتلة وهو ما تسعى إسرائيل إلى تلافيه من خلال الاتفاقيات الأمنية مع الإمارات والبحرين والدول العربية المطبعة الأخرى بحيث تمثل ساحة المعركة إلى أراضي تلك الدول.

لم يعد التنديد والاستنكار للتطبيع كافيا لردع المطبعين وقد أفاض المحللون السياسيون والقانونيون والإعلاميون واللغويون والشعراء والأدباء والمواطنون العاديون في وصف ما أقدم عليه حكام الإمارات والبحرين ولاحقا السودان من جريمة بحق القضايا العربية ومنح إسرائيل هدايا مجانية على حساب شعوب المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية ولم يكن بنيامين نتنياهو مجاملا للأنظمة العربية المطبعة عندما قال صراحة إن التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان ولاحقا مع دول عربية أخرى هو أمر مفرح للقلب والأمن والجيب وبات طريقنا مفتوحا في أجواء السعودية والإمارات والبحرين إلى شرق آسيا وأجواء السودان إلى الدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية وهذا التطبيع أقيم من موقع القوة وسلام مقابل سلام ولا انسحاب من أراضٍ.

فاين هي مصالح السودان والبحرين والإمارات في هكذا سلام مع إسرائيل وهل كانت الجيوش السودانية والإماراتية والبحرينية على مشارف تل أبيب وفي حرب فعلية مع إسرائيل لتدخل في سلام مع إسرائيل وتخذل شعب فلسطين وتضحياته من أجل حقوقه المشروعة، والأكثر ألما في عملية التطبيع ما نسمعه من المتحدثين باسم المطبعين على شاشات الفضائيات من قلب للحقائق وتنكر للتاريخ والعقيدة، إذ كيف يمكن للعربي مسلم أو مؤمن أن يقول إن العداء لإسرائيل كان خطأ منذ استقلال السودان أو أن يقول إماراتي إنه يتمنى اليوم الذي يرى فيه تحرير القدس والأقصى من الفلسطينيين، هكذا يقلب المطبعون الخونة حقيقة الصراع مع الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين والقدس والأقصى فيصبح الفلسطينيون محتلين للقدس والأقصى وأن اليهود باتوا ضحايا الاحتلال الفلسطيني وهكذا تقول بعض أبواق البرهان: مالنا ومال القضية الفلسطينية والقضايا العربية ولنلتفت إلى مصالح السودان وعلاقاتها المتوازية مع جميع دول العالم وهنا القصد إسرائيل الدولة العنصرية المحتلة.

لقد دخل السودان الرسمي نفق التطبيع مع الكيان الصهيوني مستغلا الطرف العصيب الذي يمر به السودان وإدماج اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب وإغراقه بمليارات الدولارات وكم مرة أكد عبدالله حمدوك رئيس الحكومة السودانية أن التفاوض مع الأمريكان يتركز على رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وأن الحكومة لا تملك تفويضا في بحث التطبيع مع إسرائيل في المرحلة الانتقالية ورهن ذلك بانتخاب مجلس نواب جديد له صلاحية اتخاذ القرار في هذا الشأن ويبدو أن شعب السودان قد اطمأن لتصرفات حمدوك ليفاجأ بالاعلان الأمريكي الإسرائيلي مع حكام السودان عن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وبدأ يتساءل إن كانت ثورته الشعبية التي أسقطت حكم البشير جاءت للتطبيع مع إسرائيل وخيانة تطلعات شعب السودان في الحرية والخلاص من الفساد والتبعية والسير في طريق التنمية اعتمادا على سواعد أبناء السودان.

وليس على فتح أبواب السودان أمام الصهاينة برا وبحرا وجوا والعبث بأمن السودان من كل جوانبه وخاصة الغذائية والمائية والسيطرة على مقدمات السودان تحت ذريعة التعاون الزراعي والأمني والتكنولوجي الذي تروج له حكومة نتنياهو في دول التطبيع وملء جيوب الصهاينة بإفراغ جيوب السودانيين والإماراتيين والبحرينيين وتهديد أمن دول وشعوب المنطقة.

إن نتنياهو الذي ينسب إلى نفسه الاختراق التطبيعي للعالم العربي يتحدث عن فوائد هذا الاختراق إلى قلبه وجيبه وأمنه أي لإسرائيل وهو إذ يتعامل مع الدول المطبعة يبحث عن مصالح إسرائيل في الإمارات وفي البحرين وفي السودان ولا يهمه إذا ما تناقضت هذه المصالح مثلا في السودان مع مصالح مصر والسودان أو مصالح الإمارات مع مصالح السعودية وهذا أمر سيقود بالتأكيد إلى تفكيك الروابط الواهنة القائمة حاليا بين الدول العربية والتي تحد بعض تعبيراتها في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي ويستعاض عن ذلك بعلاقات ثنائية أو ثلاثية أو أكثر في مركزها إسرائيل المنقذ والملهم لأنظمة التطبيع.

لقد بات ثمن التطبيع تمكين حكام الأنظمة المطبعة من البقاء على كراسيهم والتخلي عن عروبتهم ووجههم النضالي المتمثل بتحرير فلسطين وحرية الشعوب العربية وتمتعهم بثروات بلادهم والعودة بالعرب الى بداوتهم وقبليتهم وأحقادهم وقد أعمى الثراء الفاحش بعضهم كحكام السودان الجدد فتخلوا عن مصالح شعوبهم وأمنهم وأقصاهم. ولكن كما قيل من زمن بعيد للبيت رب يحميه نقول اليوم للأقصى رب يحميه ورجال مرابطون فيه ومن حوله لا يضرهم من خذلهم وسيغلقون بنضالهم وصبرهم وعزيمتهم الثغرة التي أحدثها المطبعون في جدران الأقصى وأسوار القدس ليقلل منها المحتل الصهيوني ويتسللوا معه وتحت حمايته لصلاة رياء ونفاق في المسجد الأقصى ولم يدخلوا الأقصى إلا خائفين.

سيمضي الفلسطينيون في رباطهم ودفاعهم عن المسجد الاقصى شرف المسلمين والعرب في العالم وعن حقوقهم غير القابلة للتصرف وليعود المطبعون إلى قصورهم بعار خيانتهم لأنفسهم ودينهم ولن يرحمهم التاريخ ولن ترحمهم شعوبهم وتجارب التاريخ تقول إن أسهل شيء على أمريكا أن تتخلى عن حلفائها عندما تستنفذ أغراضها، خاصة إذا كان هؤلاء الحلفاء على شاكلة محمد بن زايد وخليفة بن عيسى والبرهان وحمدوك، ألم تتخلى أفريقيا عن شاه إيران شرطي الخليج ولم توفر له ملجأ يموت فيه ولم يجد غير مصر السادات تحتضنه وكذلك ألم تتخلى عن حسني مبارك الذي حافظ لثلاثين عاما عن اتفاق كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني وعن حلفائها في أفغانستان وقبل كل ذلك في فيتنام الجنوبية وتهرب بالطائرات وتلقي منها بعملائها على الأرض ليواجهوا  مصيرهم.

لا حماية لحكام العرب إلا بالتصالح مع شعوبهم أولا والتصالح مع قضايا أمتهم ثانيا وشيء من الخجل من أنفسهم ثالثا وإدراك أنهم في مواقعهم لخدمة شعوبهم وليس لسرقة ثرواتهم وقوت يومهم. وليس توقيع اتفاقيات أمنية ودبلوماسية مع نتنياهو برعاية ترمب غير هروب من واقع مؤلم نحو الخيانة الصريحة..