الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في ظل كورونا.. القطاع الصحي الفلسطيني ينهار بسبب سياسات الحكومة

2020-10-27 08:34:55 PM
 في ظل كورونا.. القطاع الصحي الفلسطيني ينهار بسبب سياسات الحكومة
جائحة كورونا في فلسطين

 

الحدث - محمد بدر

تواجه المستشفيات الخاصة في فلسطين خطر الانهيار في المستقبل القريب، بسبب المديونية العالية المستحقة على وزارة الصحة، والتي وصلت حتى نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي إلى 1.2 مليار شيقل، وهو ما أثر على عمل هذه المستشفيات والخدمات الطبية المقدمة من قبلها، وعلى قدرتها في الاستثمار في القطاع الصحي وأيضا التزاماتها تجاه موظفيها وشركات الأدوية والبنوك،  بحسب ما أكد لصحيفة الحدث، رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة، نظام نجيب.

ويقول نجيب إن أزمة الديون ليست وليدة أزمة أو جائحة كورونا، إذ أن بعض المستشفيات لم تحصل على الديون المستحقة لها على وزارة الصحة منذ عام 2008، لكن الأمر تضاعف خلال الجائحة، في ضوء عدم استلام السلطة الفلسطينية لعائدات الضرائب من الاحتلال الإسرائيلي.

وكشف رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة أن هناك مستشفيات لم تدفع رواتب موظفيها منذ ستة شهور، وأن بعضها لم يتمكن من دفع رواتب الأطباء الذين يتم طلبهم للقيام بعمليات خاصة، وهي عاجزة كذلك عن تسديد ديونها لشركات الأدوية والمستلزمات الطبية إضافة لعبء القروض البنكية التي أرهقت كاهل هذه المؤسسات.

وأضاف نجيب: نحن لا نجبر شركات الأدوية كذلك على أن تزودنا بالأدوية في ظل عدم قدرتنا على سداد الديون المتراكمة علينا، كما ولن يستطيع اتحاد الموردين أن يزود المستشفيات بالمستلزمات الطبية في ظل عدم قدرتها على تسديد الديون المتراكمة، حيث إن اتحاد الموردين نفسه يعاني بالأساس من ضائقة مالية بسبب ديونه المتراكمة على الحكومة.

وكشف أن "المستشفيات لجأت للاقتراض من البنوك من أجل دفع الرواتب وشراء الأدوية، وقد وصلت للحد الذي لا يمكّنها من الاستدانة أكثر، كما وتجني البنوك أيضا 8% كفائدة على السندات التي تقدمها الحكومة للمستشفيات بدل الخدمات الطبية وهو ما يفاقم خسارة المستشفيات في هذا الإطار، فمثلا دفعت إحدى المستشفيات 240 ألف شيقل من أجل صرف السندات، وحاليا البنوك ترفض استقبال السندات لأنها بلا رصيد".

وتابع نجيب قائلا: كان هناك 105 مليون شيقل يجب أن توزع من قبل الحكومة على المستشفيات، وبدل أن توزع دفعة واحدة، قاموا بتوزيعها على خمسة شهور، وفي شهر تشرين أول/ أكتوبر الجاري تم تحويل آخر دفعة، وأيضا عانينا من التأخير في الدفع، وهذا بدوره فاقم حجم الديون على الحكومة لأن التحويلات الطبية زادت في الأشهر الأخيرة.

مشكلة أخرى طرحها نجيب في سياق أزمة المستشفيات الخاصة مع الحكومة وهي أسعار الخدمات الطبية، التي يمكن وصفها بـ"المجحفة" وفق تعبيره. وكان الأجدر بالحكومة أن تدفع للمستشفيات الفلسطينية ما كانت تدفعه للمستشفيات الإسرائيلية مقابل الخدمات الطبية، لأن هذا من شأنه أن يساهم في الاستثمار في القطاع الصحي، يضيف رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة.

وقال نجيب إن الاتفاقيات الخاصة بشراء الخدمة "مجحفة"، وعلاوة على ذلك تمارس الحكومة الخصم القسري على أسعار الخدمة الطبية من المبالغ الكلية التي تترتب عليها، وهذا خلق مشكلة كبيرة في العمل مع وزارة الصحة في موضوع التحويلات، ولن تستطيع المستشفيات الاستمرار في استقبال التحويلات الطبية لأنها ستنهار.

وأشار نجيب إلى أن أحد الأمثلة على ذلك، هو اتخاذ بعض المستشفيات قرارا بالاستثمار في أسرة العناية المكثفة خاصة في ظل جائحة كورونا والحاجة الماسة لهذا النوع من المعدات الطبية، لكن من ناحية عملية يخسر سرير العناية المكثفة ثلاثة آلاف شيقل في اليوم الواحد عند احتساب التكلفة من سعر الخدمة، وبالتالي أوقفت المستشفيات هذا النوع من الاستثمار وهو ما يؤثر حتما على الخدمات الطبية المقدمة.

وفي مسألة توطين الخدمة الطبية، أوضح نجيب أن السلطة كانت تدفع للإسرائيليين من أموال المقاصة ما مقداره 35 مليون شيقل شهريا بدل التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية، ومن هنا جاءت الفكرة للاستثمار في القطاع الصحي من قبل المستشفيات الخاصة، بحيث تصبح الأخيرة قادرة على تقديم الخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات الإسرائيلية مقابل تحويل مبلغ الـ35 مليون شيقل إلى المستشفيات الفلسطينية بالإضافة إلى جدولة الديون السابقة.

وأشار نجيب إلى أن "توطين الخدمة ينتج عنه بكل تأكيد زيادة في التحويلات، وهذا يحتاج إلى استثمار في القطاع الصحي، سواء استثمار في الأسرة أو المعدات الطبية والكادر الطبي وكذلك الأدوية، وهذا يضاعف من التكاليف، وهو ما لم نحصل عليه من الحكومة الفلسطينية، ونتج عنه تراجع كبير في قدرة المستشفيات على الإيفاء بالتزاماتها، وأصبحت على وشك الانهيار".

ويعتقد نجيب أن هناك من يحاول إفشال عملية توطين الخدمة الطبية رغم أنها ضرورة استراتيجية وطنية كان الفلسطيني يحلم بها. وأن الاتفاقيات الخاصة بتوطين الخدمة الطبية يجب إعادة النظر بها لأنها تسببت بخسارة للمستشفيات، وفي النهاية هذا النوع من الاتفاقيات يقف عائقا أمام تطوير الطب في فلسطين، وتمت صياغته في ظروف سياسية معينة ساهمت في ممارسة نوع من الابتزاز على المستشفيات، التي تسعى لتوطين الخدمة.

وأكد نجيب أنه توجه في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي بكتاب لرئيس الوزراء محمد اشتية تضمن عدة نقاط من بينها؛ علاج المستشفيات الخاصة لمصابي كورونا، إذ أن البند الثاني من المادة 13 في قانون الصحة العامة يؤكد على أن الحكومة تتكفل بعلاج مرضى الأوبئة على حسابها في كافة المستشفيات، وهذا ما لا يحدث مع المستشفيات الخاصة، حيث إنها مجبرة على علاج مصابي كورونا دون مقابل وبدون تغطية من الحكومة تحت شعار أن هذا "واجب وطني"، وهو الأمر الذي اعتبره نجيب نوعا من الابتزاز، مشيرا إلى أن الكتاب تضمن أيضا اعتراضا على الأسعار المجحفة للخدمة الطبية، وأيضا التلكؤ في تدقيق الفواتير.

وأوضح أنه راسل وزير المالية ودائرة التحويلات الطبية ورئاسة الوزراء خلال الشهور الثلاثة الماضية، ولم يكن هناك أي رد من طرفهم، ولهذا "نحن مقبلون على خطوات صعبة، فقد نفذ صبرنا". وشدد على أن المستشفيات الخاصة لم تحظى بأي نوع من أنواع الدعم خلال جائحة كورونا.

وكشف رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة، نجيب، أن المستشفيات تضغط باتجاه وقف التحويلات الطبية بشكل كامل كإجراء احتجاجي على الأزمة التي وصلت إليها بسبب تعاطي الحكومة المالي معها، لأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في تقديم الخدمة الطبية للمرضى بسبب نقص الأدوية والمستلزمات، والانهيار أصبح وشيكا خلال شهر أو شهر ونصف كأقصى حد. موضحا أن هناك اجتماعا لاتحاد المستشفيات لمناقشة إمكانية عدم استقبال التحويلات الطبية لعدم مقدرة شركات الادوية والمستلزمات الطبية على تزويد المستشفيات بما يلزم لتراكم الديون  مما يدمر عملية توطين الخدمة.

ويقول مدير عام مستشفى نابلس التخصصي، كمال الوزني، إن ديون المستشفى على وزارة الصحة بلغت 47 مليون شيقل تقريبا، منها 30 مليون شيقل دين مدقق ومستحق. بالإضافة إلى 9 مليون شيقل ديون على الخدمات الطبية العسكرية، و3.5 مليون على شركات التأمين، وهو ما مجموعه 60 مليون شيقل.

وأضاف الوزني أن "المستشفيات الخاصة غير قادرة على شراء أدوية ومستلزمات طبية بسبب الديون المتراكمة عليها، فمثلا: على المستشفى التخصصي ديون لشركات الأدوية حوالي 24.5 مليون شيقل، الأطباء 13 مليون شيقل، وشيكات مؤجلة 1.5 مليون شيقل، وهو ما مجموعه حوالي 47 مليون شيقل، وهو ما جعل وضع مستشفى نابلس التخصصي مهددا بالانهيار".

وأكد مهند هباش، المدير التنفيذي لاتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية، أن مديونية شركات التوريد على السلطة بلغت 530 مليون شيقل، وأن أسباب الأزمة الحالية مصدرها عدم وجود رؤية لإيرادات السلطة، وهو ما يترتب عليه عدم التخطيط لإدارة الأزمات بتوفير أو رصد المبالغ التي سيتم دفعها للشركات خلال السنة (خطة مالية بمعدل الدفعة الإجمالية لآخر خمس سنوات توزع على أشهر السنة) بالإضافة إلى إكمال ما تبقى من البنوك العاملة، بالإضافة إلى عدم إعطاء الأولوية في الموازنة والدفعات للأدوية.

وأضاف هباش: "أدت جائحة الكورونا إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة، فهي مرض جديد يضاف إلى الأمراض السابقة التي تم اعتبارها في النفقات، إضافة إلى تعطيل الحياة الاقتصادية وتقليص الإنتاج في العمل بسبب الحجر والإغلاق للمؤسسات الحكومية والخاصة".

وقال إن الأزمة الوبائية ضاعفت من الأزمة المالية التي تعاني منها الشركات بسبب تأخر السلطة في تسديد المستحقات لأكثر من سنتين، مما تسبب في ارتفاع مديونية الشركات للبنوك، وحدّ من توفر السيولة وتجاوز سقوف التسهيلات، الأمر الذي رفع من عمولات وفوائد البنوك التي طالت الأرباح وجزءا من رأس المال، وهذا أثر بدوره على قدرة الشركات بالوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الشركات العالمية وتجاه الزبائن ومستحقات العاملين لديها.

وحذر هباش من أن ارتفاع المديونية وضغط الشركات العالمية بالتسديد قد يؤدي إلى انهيار شركات التوريد أو تآكل قدراتها وإمكانياتها تدريجيا ثم إفلاسها وخسارتها للوكالات التي تمثلها منذ سنوات طويلة، وبالتالي إلحاق السوق الدوائي الفلسطيني بالسوق والوكيل الإسرائيلي وزيادة التبعية له.

وأوضح هباش أنه "تم طرح العديد من الحلول من خلال اجتماعات مباشرة مع المسؤولين ومن خلال رسائل وكتب رسمية وما زلنا ننتظر الردود عليها، مع أنها نالت الرضا والقبول شفويا في الاجتماعات، ومن المتوقع أن تحجم بعض الشركات عن التعامل مع المشتريات الحكومية وأن تضغط للحصول على مديونياتها وبذلك يقل عدد المشاركين في تزويد الحكومة بالمستلزمات، وهذا يسبب ارتفاع الأسعار بشكل غير مضبوط وارتفاع التكلفة على الحكومة".

وحاولت صحيفة الحدث الحصول على تصريح من رئيس اتحاد الصناعات الدوائية، عوض أبو عليا، حول أزمة المديونية على الحكومة، وذلك من خلال الإيميل والاتصال والرسائل، لكن دون استجابة من طرفه. كما وحاولت الصحيفة التواصل مع دائرة العلاقات العامة في وزارة الصحة، من خلال الرسائل والاتصال، لتنسيق مقابلات مع الجهات المختصة في الوزارة، للرد على المعلومات الواردة في التقرير، لكن دون رد.