الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هوس متابعة الانتخابات الأمريكية/ بقلم: ناجح شاهين

2020-10-31 12:48:02 PM
هوس متابعة الانتخابات الأمريكية/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

كتب الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم ساخراً من اهتمام الإعلام العربي الهائل أواخر الستينيات بانتهاء عهد الديمقراطي جونسون ومجيء الجمهوري نيكسون:

"جونسون روح

نيكسون جاء

قولوا هأوأ

أو قولوا هاء

على صحافتنا الغير غراء"

جاء بعد جونسون ونيكسون رؤساء كثيرون: فورد، وكارتر، وريغن، وبوش الأول، وكلينتون، وبوش الثاني، وأوباما، وأخيراً ترامب.

كان كل رئيس أمريكي جديد يتفوق على سابقه في عدائه للعرب وقضاياهم وحبه لإسرائيل ومساندته لمشاريعها وسياساتها التوسعية. أما عالمياً فقد نفذ الرؤساء جميعاً استراتيجية واحدة فحواها الحفاظ على هيمنة أمريكا وردع أية إمكانية لتجاوزها اقتصاديا أو سياسيا أو عسكرياً. إذن لم يحدث أن جاءت الانتخابات الأمريكية جوهرياً بأي جديد. كما أن اللعبة السياسية الأمريكية القائمة على تداول السلطة بين حزبين متشابهين على نحو يعسر فيه التمييز بينهما لا تسمح بأية فرصة للتغيير الناجم عن تغير الرؤساء.

لكن عادة متابعة الانتخابات الأمريكية لم تتوقف عربياً أو كونياً، بل إن الأمر توسع وتعمق لتصبح تلك الانتخابات محور اهتمام البشرية كلها. ويبدو أننا في هذه اللحظة في مواجهة الموقف ذاته الذي وقفه أحمد فؤاد نجم قبل أكثر من خمسين سنة. فاليوم علينا أن نقرر هل نحن مع ترامب أم بايدن. لكن الاختيار الراهن أسهل من الماضي: فالواقع أن دونالد ترامب قد فعل كل ما بوسعه ليزيل الحرج عن المواطن العربي في وطنه الأم والناخب العربي في أمريكا عندما ينحاز كل منهما سراً وعلانية لجو بايدن.

 شن ترامب حرباً مجنونة على كل ما هو عربي وإسلامي متوجاً عنصريته بقرارات مريعة لم يسبقه إليها أحد من عشاق إسرائيل من قبيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتخلي عن وهم حل الدولتين علنا، وإطلاق يد إسرائيل لتستوطن كما تشاء، وصولا إلى ضم الضفة كلها. إذن فيما يخص ما كنا نتعارف عليه بقضية العرب المركزية "فلسطين"، يعد موقف ترامب الأسوأ في التاريخ الأمريكي كله. لكن علينا أن نكون يقظين عندما نطلق مثل هذه الأحكام، لأن كل رئيس أمريكي جديد أسوأ من سلفه بحكم عوامل صيروة السياسة والتاريخ في العالم كله والمنطقة العربية خصوصاً.

ويبدو أن اتجاه الصيرورة المشار إليها منذ قليل يتقدم نحو المزيد من الإمبريالية العنيفة ومزيد من نهب الشعوب وابتزازها المالي الصريح في ظل تراجع قدرة الاقتصاد الأمريكي على المنافسة "العادلة" في مواجهة الصين وغيرها. لذلك لا بد من اللجوء إلى الابتزاز المستند إلى القوة. ولذلك أيضا، فإن المرشح الديمقراطي لا يستطيع إلا أن يصف الرئيس ترامب بالمتهاون في الدفاع عن مصالح أمريكا واقتصادها. بالطبع "يتحدث" المرشح الديمقراطي عادة عن المساواة وإنهاء العنصرية والحب والسلام أكثر مما يفعل المرشح الجمهوري، لكنه عندما يصبح رئيساً يواصل ألعاب السياسة الأمريكية ذاتها مع خطاب أكثر نعومة في مستوى اللغة والإعلام. يذكرنا هذا بالفروق بين حزب العمل "رحمه الله" وحزب الليكود حيث كان الأول يتحدث عن السلام وينفذ الحروب، بينما يتحدث الثاني عن الحروب ويتوصل إلى تسويات "مؤلمة" من قبيل انسحابه من سيناء بعد معاهدة كامب ديفد بين مناحم بيغن وأنور السادات.

لكن المقارنة بين ترامب وبايدن أو بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري لا تشبه أي شيء في الدنيا. ولعل ذكر إسرائيل في هذا المقام أن يتسبب في الكثير من الضرر للتحليل الذي نود تقديمه. فالواقع أن إسرائيل دأبت على أن تكون بلدا تعددياً بالفعل. ويكفي أن نذكر في هذا السياق الفروق بين أحزاب مثل ميرتس خصوصاً أيام شولاميت ألوني وبين حيروت أو كهانا حي. كذلك تولد في إسرائيل الأحزب وتشيخ وتموت بسرعة وتتغير أسماء الأحزاب في كل عقد تقريباً. في أمريكا تبدو الحياة السياسية مستقرة ورتيبة، كما تستعصي الفروق بين الحزبين اللذين لا ثالث لهما على كبار المحللين والخبراء. ولعل موقف نعوم تشومسكي الطريف بالفعل يعبر عن الموقف خير تعبير:" الفرق الوحيد بين الديمقراطيين والجمهوريين هو أن الحزب الديمقراطي يقبل الشاذين جنسيا، أما الجمهوري فلا يقبلهم." ربما أن الرجل يبالغ قليلا، ونرجح من جانبنا أنه بالإمكان البحث عن قبضة من الفروق من عينة الفرق الذي يذكره تشومسكي، لكن لا أكثر من ذلك.

من جانبنا نميل إلى تحليل النظام الأمريكي على طريقة مفكري مدرسة فرانكفورت. وهو تحليل يؤكد أن المواطن قد تم تضبيطه وإخضاعه لآليات النظام الرأسمالي . وليس خافياً أن النظام هو نظام النخبة المتنفذة. ولم يعد هناك من يجهل أن الرئيس الأمريكي والحزب الذي يحكم هما أداتان  في خدمة مصالح الرأسمال العملاق. أما الانتخابات فهي مجرد طريقة لتسوية تنسجم مع مواقع قوى الرأسمال وثقله في لحظة معينة. وهنا لا مجال لإنكار دخول الحظ في العملية الانتخابية، لكن يجب أن لا يتوهم المرء أن تغير الإدارة من حزب إلى حزب يغير أي شيء في المستوى الجوهري. ربما أن رئيساً ديمقراطياً كان سيؤجل نقل السفارة الإسرائيلية أو كان سيجد طريقة "ألبق" لسرقة النفط السوري أو نهب المال الخليجي أو مواجهة "هواوي" المرعبة، لكنه لن يقف مطلقاً مكتوف اليدين فيما يتصل بتحقيق مصالح شركات النفط والسلاح والهاي تك الأمريكية.

فيما يخص اللحظة الراهنة فإن وجود ترامب على رأس الإدارة الأمريكية ليس كله شراً محضاً، وعلينا أن لا نتطير أكثر مما يجب. فالواقع أن بايدن الموصوف بالضعف سيضطر إلى إظهار الكثير من الحزم ضد العرب والصينيين وإيران وروسيا. شيء يذكر باضطرار شمعون بيرس إلى أن يكون قائداً شرساً عندما خلف رابين رئيسا للوزراء لمدة قصيرة، فأراد إقناع الجمهور أنه لا يقل قوة وبطشاً عن نتانياهو فنفذ مجزرة قانا جنوب لبنان عام 1996.  لن يتراجع بايدن قيد أنملة عما فعله ترامب لإسرائيل، وربما يكون مطلوبا منه أن يقدم المزيد على مذبح الصداقة الأمريكية/الصهيونية.  وقد تنال سوريا الكثير من عنايته العدوانية بما يتفوق على ترامب الذي لا يهتم إلا بإنجاز الصفقات المالية. وعلى الرغم من ذلك كله نود أن نؤكد أن الولايات المتحدة ليست رهناً بإشارة هذا الرئيس أو ذاك، وإنما تخضع لاستراتيجية يرسمها خبراء يعملون في السياسة والاقتصاد والحروب ولا علاقة لها بترهات رؤساء قد يبلغ بهم الجهل أن لا يعرفوا الدول المجاورة للولايات المتحدة كما هي حالة الرؤساء الجمهوريين من قبيل ريغان وبوش الثاني وترامب الذي طم الوادي على القرى بضحالته اللغوية والتعبيرية والثقافية التي لا مثيل لها.

في رأينا المستند إلى تاريخ أمريكا منذ 1945 حتى الآن على أقل تعديل، لا يجوز أن نتوقع من الانتخابات الأمريكية خيراً عميماً ولا شراً مستطيراً. لأن الأساسيات والجوهريات تظل هي هي مهما تغير الرؤساء ومهما كانت الفروق بينهم كبيرة. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو أن السياسة الأمريكية لم تتغير أبدا في ظل الرئيس الأسود الوحيد صاحب اللسان الساحر وخريج هارفاد المتفوق، بل إن كل شيء تقريباً بقي في عهد أوباما كما كان أيام سلفه الجاهل الأحمق جورج بوش الابن.

لذلك يظل المشروع المقاوم المرجو دائماً هو توسيع الاصطفاف عالمياً في وجه مشروع الأمركة وتنسيق الجهود الإقليمية والقارية في الحد الأدنى مما قد يؤدي إلى انكفاء الوحش الأمريكي المنفلت من كل الضوابط على نفسه. وأما إطلاق الأمنيات بسقوط ترامب أو نجاح بايدن فلا يفيد في شيء. وذلك ينطبق خصوصا على الفلسطينيين الذين ينفقون الكثير من الوقت والجهد في الصلاة والدعاء بأن يوفق الله بايدن إلى دخول البيت الأبيض.

نختم هنا بالتذكير بأن الأمريكان البسطاء انتخبوا جورج بوش صاحب الشعبية الواسعة بالضبط لأنه امتهن شعوب الأرض والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة. وهذا ما يفعله على نحو أكثر بجاحة وفجاجة دونالد ترامب. وإذا سقط ترامب فإن سقوطه سيكون بفضل منتج الطبيعة صاحب الصيت الأكبر هذه الأيام، ونعني بالطبع فيروس كورونا. أما الشارع الأمريكي "سياسيا" فإنه شارع فاشي ساذج لا بد من إيجاد طريقة ملائمة لكي يعي أن سياسة القوة والغطرسة لا تعود عليه بالربح أو على الأقل بالربح المطلق. ولعل السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو تصعيد المقاومة.