الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دحلان.. اليد الفلسطينية الخفية في هندسة اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل"

2020-11-02 09:01:42 AM
دحلان.. اليد الفلسطينية الخفية في هندسة اتفاقيات التطبيع مع
محمد دحلان

الحدث - جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا يتحدث عن  الدور الذي يلعبه محمد دحلان من منفاه، وهو أشد أعداء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في هندسة اتفاقيات التطبيع العربية مع "إسرائيل" والتي أغضبت الرئيس الفلسطيني والقيادة الفلسطينية.

يقول الكاتب جوناثان إتش فيرززيجر في افتتاحية تقريره إن محمد دحلان بدا وكأنه رجل يلاحقه العار عام 2011. خاصة عندما داهمت الشرطة الفلسطينية منزله في رام الله، حيث دفعته وهو رئيس الأمن الوقائي السابق، والذي ظهر كمنافس لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى الهروب عبر نهر الأردن لاجئا إلى أبو ظبي. ولا يزال دحلان في منفاه في الإمارات العربية المتحدة، وقد وجد أخيراً فرصة للانتقام "اللذيذ". كونه أصبح أحد المقربين من قادة الخليج الفارسي والعقل المدبر الاستراتيجي الإقليمي، حيث ساعد دحلان في صياغة اتفاقات التطبيع العربية مع "إسرائيل" التي أثارت غضب الرئيس عباس.

يضيف الكاتب أنه على مدار السنوات التسع الماضية، أقام دحلان علاقة وثيقة بشكل غير عادي مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم المتمرد للإمارات العربية المتحدة الذي منح دحلان ملاذاً عندما فر من الرئيس عباس.

يوضح الكاتب أن محمد دحلان ولد في أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، ويعمل مبعوثاً دولياً لعملائه الأثرياء؛ إذ يساعد في ترتيب الصفقات التجارية والسياسية من شمال أفريقيا إلى أوروبا الشرقية. وعندما تغيب الشمس يقوم الرجلان بممارسة لعبة قيادة السيارات السريعة وهما يغنيان الأغاني العربية المفضلة لهما على الطريق الصحراوي السريع في أبو ظبي.

يشير الكاتب إلى أن علاقة الرجلين جعلت من محمد دحلان اليد الخفية المؤثرة في صياغة اتفاقات أبراهام وهي اتفاقيات تطبيع تم التوصل إليها بواسطة أمريكية، حيث وقعت عليها كل من الإمارات والبحرين و"إسرائيل" الشهر الماضي.

ينظر الكاتب إلى محمد دحلان كونه مهندسا من وراء الكواليس للموقف الإماراتي، الذي يقدم الدعم المفرط للدولة الفلسطينية والضغط في الوقت نفسه على الرئيس الفلسطيني البالغ من العمر 84 عاماً وإجباره على اتخاذ مواقف محرجة مثل رفضه استقبال طائرتين إماراتيتين محملتين بالمساعدات الطبية لمكافحة جائحة كورونا كون أبو ظبي أرسلتها مباشرة إلى تل أبيب.

يقول الكاتب: أدى رفض الرئيس عباس للمساعدات في آب/أغسطس وتنديده الغاضب بصفقات التطبيع باعتبارها "طعنة في الظهر" إلى نفور الحلفاء القدامى في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، أكبر وأغنى دولة خليجية.

ونقل الكاتب على لسان بشارة بحبح وهو أكاديمي فلسطيني ناقد للرئيس عباس وشارك في كتابة أعمدة رأي مع مبعوث ترامب السابق للشرق الأوسط جيسون جرينبلات، إن بن زايد: "لن يفعل أي شيء تجاه الفلسطينيين دون التشاور مع دحلان". "إنه حاسم" ورفض مسؤول إماراتي مناقشة علاقة دحلان بالأمير.

يتابع الكاتب: بعد مسيرة مهنية في السياسة الفلسطينية – وتودده مرة لواشنطن حتى يصبح الخليفة المحتمل للزعيم الفلسطيني السابق ياسر عرفات، ثم تم تطهيره لاحقاً من الضفة الغربية باعتباره رجلاً فاسداً - تعلّم دحلان أن يلعب اللعبة الطويلة للوصول إلى القمة.

ولد دحلان في مخيم خانيونس للاجئين، وهو رقعة مكتظة بالسكان في قطاع غزة الصغير، وكان أحد القادة الشباب للانتفاضة الفلسطينية ضد "إسرائيل" عام 1987، وتعلم اللغة العبرية داخل السجون "الإسرائيلية". وفي نهاية المطاف، حصل دحلان على ثقة عرفات كمساعد رئيس عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. ولدى عودتهم في عام 1993 بعد اتفاق أوسلو للسلام، قاد دحلان حزب فتح العلماني الحاكم في غزة وقاد العمليات الأمنية هناك، وتحول إلى المنفذ القاسي لأوامر عرفات ضد معارضة حركة حماس.

يلفت الكاتب إلى أنه وأثناء صعود دحلان في صفوف السلطة الفلسطينية بعد وفاة عرفات في عام 2004، اصطدم باستمرار مع الرئيس عباس، الذي اعتبره منافساً طموحاً يحتاج أن يبقى تحت السيطرة الشديدة. حيث حمل الرئيس الفلسطيني دحلان اللوم عام 2007 لفشلة في إخماد التمرد العنيف الذي قادته حماس وأدَّى إلى سيطرتها على قطاع غزة. وكان دحلان والرئيس عباس يتراشقان التهم بالفساد على مدى سنوات، ما أجج الكراهية بينهما. وفي النهاية، لم تكن شعبية دحلان في الشارع كافية لحمايته من نظام الشرطة والعدالة الجنائية الذي يسيطر عليه الرئيس عباس، ما ترك خيارات ضئيلة أمام دحلان الذي لم يجد سوى المنفى للهرب. وفي عام 2014، أدانت محكمة فلسطينية دحلان غيابياً بتهمة "التشهير بـالرئيس عباس" وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين. وبعد ذلك بعام، حُكم عليه بثلاث سنوات إضافية بتهمة الاختلاس.

 يضيف الكاتب إن دحلان البالغ من العمر 59 عاماً هو أفضل شخص يستطيع النهوض مرةً أخرى بعد الصعوبات، وغالباً ما يكون محبطاً ولكنه لا يخرج أبدًا من اللعبة. وما أن وصفته "إسرائيل" بالإرهابي، حتى أصبح لاعبًا مركزيًّا في مفاوضات أوسلو. ويبدو أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كلها تقع في حب الرجل، بدءًا من الرئيس السابق للبيت الأبيض بيل كلينتون ثم الرئيس جورج دبليو بوش والآن ترامب.

وفي غزة، يستطيع دحلان اللعب على كل الحبال، بعد أن نشأ في نفس الشوارع التي نشأ فيها زعيم حماس يحيى السنوار. وفي حين كان دحلان يحتقره الإسلاميون عندما حكم الأرض وأذل قادتهم غير المتعاونين من خلال إهانتهم عبر حلق لحاهم وحواجبهم، إلا أنه يعمل الآن معهم كجزء من المعارضة السياسية الفلسطينية ضد الرئيس عباس.

دحلان، الذي يتواصل بشكل ضئيل عبر موقع تويتر، لم يُشاهد منذ عام 2011 داخل حدود الضفة الغربية وغزة، لكن زوجته جليلة قامت ببناء الدعم له من خلال زيارات خيرية دورية إلى غزة، بما في ذلك تنظيم حفلات زفاف جماعية للفقراء الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الزواج. وعلى الرغم من أنه لا يزال حصاناً أسود، إلا أنه يظل من بين حفنة من المرشحين الذين يظهرون باستمرار في استطلاعات الرأي السياسية لخلافة الرئيس عباس، وهو مدخن شره ويعاني من مشاكل قلبية.

يقول الكاتب: التقيت دحلان في الليلة التي سبقت مداهمة الشرطة لمنزله في رام الله في 28 يوليو/تموز 2011، وتعرفت على سحره الماكر. وفي حين أن دحلان لم يجرِ مقابلات مع صحفيين غربيين، إلا أنني دعيت كمراسل لوكالة بلومبرج نيوز للقائه، إلى جانب مراسل فلسطيني. انتظرنا ما يقرب من ساعة قبل أن يحيينا أمير الحرب المتقاعد في غرفة معيشته. وقال دحلان وهو يبتسم، بينما كانت تبدو علامات الإرهاق على وجهه، حيث كان سيلغي المقابلة الرسمية المقررة لأن الوقت لم يكن مناسباً، لكنه سيكون سعيداً بالدردشة بشكل غير رسمي. ثم جلس بجواري على الأريكة وأبدى إعجابه بجهازي الآيفون وتناوله مني وتصفح التطبيقات إلى أن وصل إلى المُسجِّل وأطفأه. وكان دحلان قاسيًا في ذم الرئيس عباس وقال إنه يأمل أن يطيح به يومًا عن طريق الانتخابات. واعتذر عن الإرباك ثم ودَّعنا ووعد بفرصة مستقبلية للحديث.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت على تقرير إذاعي يفيد بأن دحلان اختفى بينما كانت العشرات من القوات الخاصة الفلسطينية يقتحمون منزله. واعتقلوا 10 من حراسه الشخصيين وصادروا كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة من الطابق السفلي لمنزله. وكان دحلان، بصفته عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني، يحمل الحصانة من الاعتقال، ولكن في اليوم التالي أفادت التقارير أنه غادر الضفة الغربية وعبر الحدود إلى الأردن.

يضيف الكاتب: استغرق الأمر أربع سنوات أخرى حتى أتمكن من مقابلته من جديد، وهذه المرة كانت المقابلة لوكالة بلومبرج نيوز في منزله الكبير في أبو ظبي. بدا دحلان أنيقاً مرتدياً قميصاً أسود من ماركة "BOSS" وسروالًا أزرق من الجينز، وقدَّم لنا أطباقًا مليئة بالتمر والشوكولاتة أثناء حديثنا في غرفة معيشته ذات الأرضية الرخامية. وأصبحت الفيلا المطلة على ناطحات السحاب الشاهقة في أبو ظبي تعرف باعتبارها صالوناً دولياً حيث يجتمع السياسيون الفلسطينيون و "الإسرائيليون" فيه. وبحلول ذلك الوقت، أصبح دحلان منخرطاً بشكل متزايد في المصالح التجارية، واصفاً نفسه بأنه "فاتح الأبواب" للعملاء بسبب النطاق الواسع من العلاقات الدولية التي طورها أثناء تجوله حول العالم مع عرفات. وإلى جانب ابن زايد، كان دحلان على علاقة وثيقة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تشاور معه حول كيفية مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة، وكان يتمتع بعلاقات وثيقة مع قادة صربيا والجبل الأسود. بعد أن أنقذ الإماراتيون الأثرياء الخطوط الجوية الصربية في عام 2013 واستثمروا في تطوير عقاري بقيمة 3 مليارات دولار على الواجهة البحرية لبلغراد، وحصل دحلان وعائلته على الجنسية الصربية.

يقول الكاتب: هذه المرة، تحدث دحلان بشكل رسمي ولكن كانت كلماته عبارة عن الغاز، مستخدماً هذا النوع من الغموض الخطابي الذي اشتهر به معلمه عرفات. وبدلاً من إعلان أنه سيتنافس على رئاسة السلطة الفلسطينية، اكتفى دحلان بأن يقول إنه سيسعى لإعادة انتخابه في البرلمان وأنه سيجلب ما أسماه "قيمة إضافية" إلى فريق القيادة بعد مغادرة الرئيس عباس للسلطة. وقبل كل شيء، أعرب عن امتنانه للحياة التي تمكن من إعادة بنائها في أبو ظبي وولعه بقيادة السيارة تحت ضوء القمر مع ولي العهد.

يلفت الكاتب، إلى أنه عندما تتعامل مع دحلان، الذي رفض إجراء مقابلة سابقاً، من الصعب أن تأخذ الأمور على ظاهرها. إنه من مؤيدي المؤامرة الذين اتهموه بتسميم عرفات. كما تم اتهامه بمساعدة الموساد "الإسرائيلي" على قتل أحد نشطاء حماس في دبي، وهناك شائعات منشورة (أنكرها دحلان) بأنه كان بالفعل على متن إحدى الطائرات التي كان فيها مساعدات طبية إماراتية ورفضها الرئيس عباس. وفي حين يبدو أن له تأثير في تقديم المشورة إلى الإمارات العربية المتحدة حول كيفية التعامل مع القيادة الفلسطينية، إلا أن نجمه السياسي يبدو حالياً باهتاً. فيما أصدر تياره داخل فتح، "تيار الإصلاح الديمقراطي"، بياناً يرفض فيه اتفاق ابرهام. وأشار إلى أن أي تطبيع مع "إسرائيل" يجب أن يتم في إطار مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي قدمتها السعودية لأول مرة وتتطلب من "إسرائيل" تسليم جميع الأراضي المحتلة قبل حل النزاع. وقد يكون لهذا علاقة بحقيقة أن العديد من شركاء دحلان في جميع أنحاء الضفة الغربية قد اعتقلتهم قوات الرئيس عباس الشهر الماضي في أعقاب الصفقة الإماراتية، وحاجة فصيله إلى وضع نفسه ضمن إجماع فلسطيني معاد لـ "إسرائيل". وقد أحرقت صورته وصورة ابن زايد في الاحتجاجات التي عمت شوارع الضفة ضد صفقة التطبيع الإماراتية مع "إسرائيل".

يختتم الكاتب تقريره بالقول: في الوقت الحالي، يعيش دحلان في الظل، حيث يقيم عشه في أبو ظبي داخل علاقات تجارية، ويسعى جاهداً لأن يكون خليفة للرئيس عباس، كما أنه يُقْدّم المشورة لأصدقائه الإماراتيين بشأن التعامل مع الفلسطينيين. ويعتمد الكثير على ما إذا كان ترامب سيفوز بولاية أخرى أو سيأتي المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض بنهج أكثر تعددية. والسؤال المطروح على دحلان - وبالنسبة للمنطقة - هو ما إذا كان بإمكانه تجاوز ألعاب الانتقام مع منافسيه القدامى ولعب دور خلاق وإبداعي في جلب الفلسطينيين إلى شرق أوسط سريع التحول.