الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انتهت التوقعات بجو بايدن رئيسا.. وبعد؟/ بقلم: سامي سرحان

2020-11-09 09:43:56 AM
انتهت التوقعات بجو بايدن رئيسا.. وبعد؟/ بقلم: سامي سرحان
ترامب وبايدن

انتهت التوقعات وبات جو بايدن الديمقراطي الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية رغم ما ينتظره من نزاعات قانونية يثيرها الرئيس الخاسر قبل الانتقال السلمي للسلطة من ترامب إلى بايدن.

وإذا كانت التوقعات حول من سيصبح سيد البيت الأبيض قد حُسمت؛ فإن توقعات من نوع جديد قد بدأت على مستوى العالم، ذلك أن الولايات المتحدة دولة كونية ومصالحها تمتد من أقصى الشرق الآسيوي إلى أقصى الغرب الأمريكي، ومن أقصى شمال الكرة الأرضية إلى أقصى جنوبها.

كل دولة من الدول الـ 193 بدأت تتكهن كيف سيكون حالها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وإذا كانت بعض الدول لا تعلق الآمال ولا تربط علاقاتها على من سيكون ساكن البيت الأبيض وإنما على المصالح المتبادلة التي تربط الدول بعضها ببعض، غير أن رئيسا على شاكلة دونالد ترامب للولايات المتحدة كان مزعجا وقحا وأحمق إلى حد بعيد وأثار كثيرا من المشاكل على المستوى الدولي إلى درجة أن التكهنات ذهبت إلى حد نشوب حرب عسكرية بين الصين والولايات المتحدة إلى جانب الحرب الاقتصادية الدائرة بين البلدين والتخلي عن معاهدات دولية مع روسيا فتحت الطريق أمام سباق تسلح جديد وحرب باردة جديدة والعبث باستقرار أوروبا وحلف شمال الأطلسي وبحر الصين والشرق الأوسط.

كما أثار مشاكل داخلية في الولايات المتحدة لا يمكن الشروع في معالجتها دون رحيل هذا الرئيس المزعج عن البيت الأبيض، ولعل الاستياء من معالجته لوباء كورونا وانعكاس الوباء سلبا على الاقتصاد الأمريكي الذي كان يراهن عليه ترامب في حملته لإعادة انتخابه لولاية ثانية، وكذلك مشكلة التفريق بين الأمريكيين واستعداء البيض على السود واللاتينين؛ ساهمت جميعها في هزيمته، لعل الشعب الأمريكي يستعيد سلامه الداخلي بتخليصه من حاكم متطرف مستبد متغطرس متقلب أضر بوحدة الشعب الأمريكي على المستوى الداخلي أكثر مما أضر به على المستوى الخارجي، وقد استشعر جو بايدن هموم الشعب الأمريكي فركز في حملته الانتخابية التي قادته للفوز على ترامب بنحو 74 مليون صوت انتخابي على التقاط التي كانت سببا في هزيمة ترامب وأهمها وحدة الولايات المتحدة المنقسمة اليوم بين ولايات زرقاء وأخرى حمراء وتهدئة التوتر العرقي  في الشارع الأمريكي والشروع الفوري في معالجة وباء كورونا اعتمادا على الخبراء والعلماء في المجال الطبي كمقدمة على الخبراء والعلماء في المجال الطبي كقدمة لمعالجة الوضع الاقتصادي.

 لقد ورث بايدن عن ترامب وهو يغادر البيت الأبيض، مئة ألف إصابة بكورونا ونحو ألف وفاة كل يوم ولا يمكن انطلاق الاقتصاد الأمريكي في ظل هكذا أوضاع صحية خاصة وأن أمريكا اليوم تعاني من 20% كنصيب لها من الدين العالمي وبطالة بنحو 7%.

وعليه فإن بايدن بحاجة إلى اكثر من فترة رئاسية واحدة لإصلاح ما أفسده دونالد ترامب ويتطلب الأمر قطع الطريق على عبث ترامب وبعض معاونيه الخاسرين أثناء ولاية بايدن الأولى وأوهامهم بإعادة ترامب إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات، ولكن ما يشاع اليوم حول عودة ترامب لا يعدو كونه مواساة لمهزوم ورقص الذبيح ما يلبث أن يهمد ويطوى ويتبدد لصالح قوى شابة جديدة في الحزب الجمهوري لن تقف عند إرث عنصري تفريقي مقسم للمجتمع الأمريكي ومزعزع للعلاقات الدولية.

حاول ترامب أن يقحم السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الانتخابات الأمريكية وركز على استعداء الأمريكيين خاصة العمال والمزارعين، على الصين، لكسب أصواتهم، والمهاجرين الكوبيين على كوبا كما ركز على إيران والعرب غير أنه لم يجلب انتباه الناخب الأمريكي اللهم إلا المهاجرين الكوبيين الذين كافأوه بالفوز بولاية مهمة، حتى أن اليهود الأمريكيين ومعظم منظماتهم لم يؤيد 75% منهم ترامب وصوتوا لبايدن رغم كل ما قدمه من دعم وتأييد لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة من صفقة القرن إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإغلاق سفارة فلسطين في واشنطن وقطع المساعدات عن الأونروا والسلطة الوطنية الفلسطينية والمستشفيات في القدس الشرقية المحتلة والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل وتوقيع اتفاقيات تعاون علمي وبحثي مع المعاهد والجامعات المقامة في المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة والاعتراف بمواليد القدس الشرقية كمواليد في دولة إسرائيل وإرغام دول عربية على إعلان علاقات طبيعية مع إسرائيل ووعده بأن تلحق دول أربع أو خمس بمسيرة التطبيع الخياني.

لقد سعى ترامب إلى التخلص من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بغرض الأجندة الإسرائيلية على الفلسطينيين وعلى العرب معا، ولم يحرص على أن يظهر نفسه أو أمريكا كوسيط يتمتع بالحد الأدنى من الحيادية وإنما كحليف يقف إلى جانب أقصى اليمين المتطرف في إسرائيل.

ومهما كان عليه الأمر، فإن جو بايدن لن يكون على شاكلة دونالد ترامب الذي أخذ بوجهة النظر اليمينية الإسرائيلية التوراتية للصراع وضرب عرض الحائط بالقانون الدولي والشرعية الدولية ومواقف الإدارات  الأمريكية السابقة التي استقرت على حل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي عهد بايدن لا يعني أن إسرائيل ستخسر حليفا أمريكيا يقف إلى جانبها ويقدم لها المساعدات العسكرية والدبلوماسية ويحرص على تفوقها العسكري في المنطقة؛ ولكن إدارة بايدن وفق كثير من المحللين ستعيد السياسة الأمريكية إلى طريقها السابق والخطوط الأساسية للسياسة الأمريكية التقليدية في إدارة الصراع كالسعي إلى إعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات وإعادة فتح مكتب التمثيل الفلسطيني وفتح قنصلية أمريكية في القدس وإعادة بعض الأموال التي أوقفها ترامب خاصة وأن برامج الحزب الديمقراطي شهدت تطورا لصالح القضية الفلسطينية في الفترة السابقة تفرض على بايدن أخذ المصالح الفلسطينية بعين الاعتبار، وهنا لا بد من طرح سؤال هل تقبل القيادة الفلسطينية بالعودة إلى المفاوضات تحت رعاية أمريكية حتى لو كانت ديمقراطية وما مدى تأثير ذلك على جهود المصالحة الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطيني وهل سيظل مطلب المؤتمر الدولي الذي طرحه الرئيس أبو مازن وحظي بتأييد دولي وعارض سياسة الرئيس ترامب المنحازة لإسرائيل!

وفي عهد الرئيس بايدن، لا نغفل الصعوبات والتحديات التي تنتظر الشعب الفلسطيني وقيادته على مختلف المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي خلفتها إدارة ترامب.

ونسجل بكل فخر الصمود الأسطوري للقيادة والشعب الفلسطيني في مواجهة سياسة ترامب والحد من آثارها السلبية على القضية الفلسطينية خاصة إفشال صفقة القرن ومحاولة ضم أجزاء واسعة من الضفة القريبة للسيادة الإسرائيلية والتصدي للتطبيع الإماراتي والبحريني والسوداني.

إن الخلاص من إدارة ترامب قد يعقبه التخلص من شريكه نتنياهو الذي يفقد اليوم حليفا لم يكن متوقعا في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وسيواجه عما قريب القضاء في تهم فساد واحتيال ورشوة وقد يفتح ذلك أفقا للسلام أغلقها نتنياهو لأكثر من عشر سنوات ولكن التخريب الذي أحدثه نتنياهو وإدارة ترامب على مستوى القضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزه بسهولة أو بتغيير الإدارة الأمريكية أو القيادة الفلسطينية، وهو بحاجة إلى مزيد من الصمود والصبر والوحدة الفلسطينية والحكمة في إدارة الصراع الذي تفرضه المرحلة القادمة.