الحدث- محمد مصطفى
بدا المشهد أكثر من صادماً في الساحات الخارجية لمعبر رفح البري، الواقع جنوب قطاع غزة، في أول ساعات فتحه المؤقت.
فالساحات التي ظلت لأسابيع خالية، غصت بعشرات الآلاف من المسافرين وذويهم، بينما تناثرت الحقائب الممتلئة بالأمتعة في كل ركن وزاوية، وتجع مئات الراغبين في السفر أمام النوافذ والبوابات، وسالت دموع النساء المتوسلات لرجال الأمن، كي يسمحوا لهن بالدخول من بوابات المعبر.
معاناة قاسية
وظهر أحد رجال الأمن متأثراً، وهو يسمع توسلات سيدة تقطعت بها السبل، بعد أن علقت هي وعدد من أبنائها في قطاع غزة، بينما زوجها وباقي الأبناء يقيمون في دولة عربية.
غير أن الشرطي المتوقف على بوابة المعبر، اعتذر من السيدة، وأبلغها بأن الأمر خارج عن إرادته، وأن ثمة كشوف أعلنت لمن سيسمح لهم بالسفر من خلال المعبر خلال أيام فتحه.
المواطنة فتحية محمد (41 عام)، اضطرت للعودة إلى حيث يجلس أبنائها وشقيقها، الذي رافقها في رحلتها الشاقة إلى محيط المعبر، وبدت حزينة ومهمومة، وعاجزة عن فعل أي شيء.
المواطنة قالت لـ"الحدث"، إنها وصلت القطاع مؤخراً، من أجل تسجيل مولود رزقت به مؤخراً، وزيارة والدتها المريضة، التي لم ترها منذ خمس سنوات، ولم تكن تتخيل أن إقامتها ستطول إلى هذا الحد.
وأكدت أنها أقامت لثلاث أيام متتالية خارج المعبر حين فتح في المرة الماضية، قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، وبذلت كل جهود ممكنة، ولم تتمكن من المغادرة، وها هي اليوم تعود لتكرر نفس المحاولات، ويبدو أنها لن تتمكن من السفر هذه المرة أيضا، ما سيضيف معاناة فوق معاناتها، ويهدد مستقبل أبنائها الدراسي، وقد تفقد إقامتها إذا طال الأمر.
وأعلنت مصر فتح المعبر ليومين فقط، بعد إغلاق استمر 47 يوماً، لتمكين العالقين والمرضى من مغادرة القطاع، وتسهيل عودة مئات العالقين من مصر لغزة.
مستقبل مهدد
أما الشاب محمود سلايمة، فأكد أنه لم يترك أحد ممن يتوقع أن يساعده في مغادرة القطاع إلا وتحدث إليه، سواء عبر الهاتف أو وجهاً لوجه، وتوسل للجميع كي يمنحوه فرصة السفر، للحاق بجامعته التي حصل على قبول منها، ليتمكن من بدء دراسة الطب التي طالما حلم بها.
وأكد لـ"الحدث"، أن مجموعه في الثانوية العامة لم يؤهله لدراسة الطب في جامعة محلية في القطاع، وقد اجتهد وثابر ليحقق حلمه، فأجرى اتصالات مع شبان وأصدقاء فلسطينيين يدرسون في دولة آسيوية، وأرسل لهم أوراقه وشهاداته، حتى حصل على القبول، وظن أنه نجح في تحقيق حلمه، إلى أن اصطدم بعقبة المعبر، التي باتت تهدد مستقبله بأسره.
وأشار إلى أنه سيناضل ويواصل اتصالاته ومساعيه خلال ما تبقى من عمل المعبر، عله يتمكن من السفر، والوصول إلى جامعته قبل فوات الأوان.
أما المواطن إسماعيل عيسى، فلم يدع هو الآخر طريقة إلا وجربها، وبدا أكثر من غيره حرصاً على السفر، فهو بحاجة ماسة للوصول إلى مصر، من اجل استكمال إجراءات حصوله على الجنسية المصرية، التي شارفت على النهاية.
وأشار عيسى في حواره مع مراسل "الحدث"، إلى أن الوضع على المعبر كارثي، ومعظم من يعرفهم ومن الممكن مساعدته أغلقوا هواتفهم النقالة، والبوابات موصدة في وجه الجميع، باستثناء من وردت أسمائهم في الكشوف، والآلاف ممن يجلسون في الخارج، لا يجدون حلاً سو التوسل والابتهال إلى الله كي ينهي معاناتهم.
وكانت مصادر عدة تحدثت عن مساعٍ حثيثة تبذلها الجهات الفلسطينية الرسمية، خاصة الرئاسة الفلسطينية، والسفير في العاصمة المصرية القاهرة جمال الشوبكي، من أجل تمديد عمل معبر رفح أيامًا إضافية.