الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عودة الابن الضال

2020-11-24 06:59:03 AM
عودة الابن الضال
رولا سرحان

عادت السلطة الفلسطينية إلى قواعدها سالمة غانمة أموال المقاصة، مثلما اغتنم الابن الضال من العجل المسمن الذي ذبحهُ أبوه له عند عودته من ضلاله، وهي قصة من الإنجيل، نتذكرها ونحنُ على أبواب الأعياد المسيحية، فكل عام وأنتم ونحن نريدُ أن نصبح بخير. وتحكي القصةُ أن رجلاً كان له ابنان فاقتسم أملاكه بينهما، الابن الأصغر قرر أن يترك البلاد إلى بلادٍ أخرى فلما أنفق كل شيء على الغانيات، أُستخدِم عاملاً عند رجلٍ من أهل تلك البلاد، فأرسله يرعى الخنازير، وكلما جاع كان يأكل من الخروب، وهو أكل الخنازير في القصة، وكان لا يشبع مما يأكل لأن الخنازير كانت تأكلُ كل الخروب ولا تبقي له إلا النذر اليسير، وكان الناس من أهل تلك البلاد لا يطعمونه أيضاً، فقرر الابن أن يعودَ إلى أبيه، كي لا يموتَ جوعاً.

إن الذهابَ والعودة، في القصةِ هنا، يُمكنُ تأويله بأنه ذهابٌ وعودةٌ من الشر إلى الخير، فهذه هي العودةُ المحمودةُ دائما، أن تعود من الغي إلى الرشد، وتعود من الضلالِ إلى النور، وتعود من المنفى إلى الوطن، وتعودُ من الرحلةِ إلى البيت؛ العودةُ دائماً فيها شيء من الطهرانية، وفيها شيء من الرغبةِ في التوقفِ والثبات لغاية الاكتمال، فأنت عندما تعودُ تعودُ لتستقر، تعود من السفر لترتاح، وتعودُ لتتمكن، تعودُ لتواصل، أو لتكمل أو لتبدأ من جديد، العودةُ حب، يعودُ الحبيبُ إلى الحبيبة بعد فراقٍ قائمٍ على الاشتياق، وتعود إلى زراعة أرضك لأنك تحبُّ أرضك، وتعودُ لتفكر لأنك تُحب أن تحيا سعيداً.

أما العودةُ العكسية، فهي ذهاب باتجاهٍ آخر، أي أنك تغيبُ، تغيبُ عن واقعك وحاضركَ وعن شرعيتك، يغيبُ الحبيبُ عن الحبيبة فتنساه، والبائع عن مالهِ ومتجره فيُسرق، والموظفُ عن مكانِ عملهِ فيُفصلُ، يغيبُ المطرُ فيموتُ الزرعُ، ويغيبُ الماءُ فتجفُّ الأرضُ، يغيبُ الأبُ فيضلُّ الأبناء، يُغيبُ الثوري فيأتي السياسي، وتغيبُ مع السياسي كل الأشياء الجميلة المتمثلةِ في العودةِ.

لا عودةَ في عرفِ السياسي، الذي لم يعرف بعد كيف يعودُ وإن متأخراً مثل طائر المنيرفا.

عُد، من قبور النسيانِ، كي تكمِلَ الحكايةُ طريقها

فلا طريقَ في المنفى لتكمله

ولا تجلبِ المنفى إلى الفراشات

فهي تغني في طريقها إلى البيتْ

وتكملُ قصيدةً عذراء

من حبلِ الدمِ، وسكينِ الهويةِ،

وقنبلةِ الغاز؛

هي من حصة البيتْ.