إنه لأمر محزن وموجع للقلب أن نرى الحكام العرب يتهافتون كالذباب على مزبلة التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين وأراض عربية أخرى في سوريا ولبنان وينتقص من السيادة المصرية على شبه جزيرة سيناء.
ولشدة حزننا ووجعنا، نصدق ونكتفي بنفي وزير الخارجية السعودية اجتماع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في مدينة نيوم قيد الإنشاء شمال المملكة بحضور عراب التطبيع وزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو.
نصدق وزير الخارجية السعودي، لأننا نريد أن نصدقه لفداحة الخبر وخسارة الأمة العربية والإسلامية إذا ما تمت هذه الخطوة التي تؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية حصولها وسماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر خبر اللقاء، ويمتنع نتنياهو عن تأكيد أو نفي لقاءه مع محمد بن سلمان في حين انتقد وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس تسريب الخبر وليس نفي حدوث اللقاء.
وبعيدا عن حدوث اللقاء أو عدمه، يطرح السؤال البديهي: ما هي مصلحة السعودية في عملية التطبيع مع إسرائيل؟
ثمة من يقول إن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يريد تثبيت نفسه وليا لعهد المملكة وبعد عمر طويل لوالده الملك سلمان ملكا للمملكة العربية السعودية، ويطمح أن يمتد حكمه خمسين سنة إذا مد الله في عمره، ويرى أن الولايات المتحدة يمكنها أن تضمن له هذا الطموح.
ولكن ما هو الثمن الذي ستتقاضاه الولايات المتحدة لقاء تثبيت ولي العهد ووصوله إلى الملك. ثمة من يقول إن نصيبا من ثروة المملكة العربية السعودية يجب أن تكون من نصيب الولايات المتحدة سواء عن طريق شراء الأسلحة أو الاستثمار في الأسواق الأمريكية أو حتى بالبلطجة.
ويقول آخرون إن الولايات المتحدة تريد أن تخفف من عبء المساعدات التي تقدمها لإسرائيل وتحول الأمر إلى المملكة العربية السعودية ليكون لإسرائيل في أسواق المملكة نصيب خاص في مجال الصناعات الأمنية الإسرائيلية.
لكن إسرائيل لها حسابات خاصة في الولايات المتحدة وفي المنطقة، ولها حسابات خاصة لبنيامين نتنياهو، فإسرائيل تطمح بقيادة حلف عسكري وأمني في المنطقة يتكون في الأساس مما تسميه الدول السنية وبالتحديد الخليجية ومصر والسودان ومن ينضم إليه من الدول العربية الأخرى موجه إلى إيران في الأساس وما يسمى بمحور المقاومة برعاية الولايات المتحدة وبأموال إماراتية سعودية قطرية وما تيسر من أموال أخرى في ذهن قادة الكيان الصهيوني، إن مثل هذا الحلف من شأنه أن ينقل الصراع العربي من صراع مع إسرائيل إلى صراع مع إيران ساحته الخليج العربي بعيدا عن الكيان الصهيوني الذي يحرص أن يخوض معاركه خارج حدوده لأن جبهته الداخلية هشة وغير مهيأة لاحتمال نتائج حرب تدميرية تستخدم فيها الصواريخ الدقيقة قصيرة وبعيدة المدى واحتمال اجتياح شمال فلسطين وتحريره وهو ما يشكل تهديدا جديا لإسرائيل.
كثيرون أكدوا أن رهان السعودية وقبلها الإمارات والبحرين على حلف عسكري وأمني مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة هو خطأ استراتيجي يوجب على هذه البلاد أن تراجع حساباتها وتتأكد من إخلاص مستشاريها الذين ينطبق عليهم قول الشاعر "إذا كان الغراب دليل قوم".
إن السعودية تتزعم العالم العربي والإسلامي، ولا نقول السنة فقط ذلك أنها مهبط الوحي ومهد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ومكان أول بيت وضع للناس في مكة المكرمة المسجد الحرام والكعبة المشرفة ومسجد رسول الله في المدينة المنورة حيث يرقد. أضيف إلى كل ذلك ما لها من مكانة اقتصادية، فكيف لها أن تخرج من هذه المكانة وقيادة ملياري مسلم إلى مكانة التبعية لكيان هزيل مصطنع لا قدرة له على حماية نفسه فكيف يحمي غيره.
لم تكسب السعودية مكانتها من تحالفها مع الولايات المتحدة، ولن تعزز هذه المكانة بتحالفها الجديد مع الكيان الصهيوني؛ وإنما اكتسبت مكانتها من رعايتها للأماكن المقدسة الإسلامية ولرعايتها للمسلمين ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولموقفها الواضح والصريح في دعم القضية الفلسطينية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز ومرورا بملوك السعودية وصولا إلى ولي العهد السعودي.
إن مكانة السعودية في العالمين العربي والإسلامي تهدر اليوم بلا مقابل إرضاءً لرئيس الولايات المتحدة الأرعن دونالد ترامب الذاهب إلى الحكم بإرادة شعبه وإرضاء لرئيس وزراء إسرائيل الفاسد والملاحق قانونيا والمهدد بالسجن في أي وقت.
ويظل السؤال قائما عند كل عربي ومسلم، لماذا تخضع السعودية وقبلها الإمارات والبحرين والسودان للابتزاز الأمريكي لصالح المشروع الصهيوني؟.
إن الرهان على نتنياهو والتحالف مع إسرائيل رهان خاسر وليس للسعودية وغيرها من الدول المطبعة غير العودة إلى محيطها وتسوية خلافاتها مع دول الجوار، سواء إيران أو قطر أو اليمن أو تركيا، فإسرائيل نفسها تخشى أن تذهب اتفاقيات التطبيع من قول باراك أوباما الرئيس السابق للولايات المتحدة "إن أي صراع مع إيران هو شبه مستحيل وإذا أرادت إسرائيل المضي في الصراع فلتمضي وحدها".
فكيف تسقط دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية في هكذا صراع إن بدأ لا يعرف أحد متى ينتهي، ولكن نعرف كما يعرف كثيرون أن هكذا صراع لا يخدم غير أهداف ومخططات إسرائيل واللوبيات المؤيدة لها في الولايات المتحدة وسيجر الدمار على ما أنجزته هذه الدول من عمران وبنية تحتية وهيبة ومكانة عربية وإسلامية وعالمية.
لا يجب إغفال ما قاله الرئيس السابق أوباما وأخذه من باب النصيحة، وقديما قيل النصيحة بجمل واليوم نقول عدم قبول النصيحة يكلف مليارات الدولارات وخراب الممالك والجمهوريات والإمارات.
لكل هذا، نريد أن نصدق نفي وزير الخارجية السعودي اجتماع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني رغم كل التأكيدات والتقارير المتواترة في الإعلام الأمريكي والصهيوني حول الاجتماع.
ونريد أن نصدق أن المملكة العربية السعودية هي آخر من يطبع مع دولة الاحتلال الصهيوني، ولن تقوم بهكذا فعل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف وفك أسر المسجد الأقصى المبارك صنو الحرمين الشريفين وأن الأمير محمد بن سلمان يسير على خطى أسلافه من الملوك السعوديين.