الحدث ـ سوار عبد ربه
"ما يمارس من عنف ضد المرأة في العالم لا يساوي جزءا يسيرا مما يمارسه الاحتلال بحق المرأة الفلسطينية"، بهذه الكلمات عبرت الروائية الفلسطينية وداد البرغوثي عن رسالتها في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يحتفل فيه العالم اليوم الأربعاء الموافق 25 من الشهر الجاري.
تعرضت البرغوثي طيلة حياتها لشتى أنواع العنف الذي يمارسه الاحتلال بحق الفلسطينيين، فهي أسيرة محررة وأم لأسيرين أحدهما ما زال يقبع في الأسر، وزوجة أسير سابق، وابنة أسير.
ولم يكتف الاحتلال باعتقال أفراد الأسرة وتشتيت شملها، بل اشترط على البرغوثي بعد الإفراج عنها الإبعاد القسري عن منزلها في قرية كوبر، ناهيك عن الغرامات المالية الباهظة التي فرضها الاحتلال على العائلة.
ليس هذا فحسب بل امتدت ممارسات الاحتلال التعسفية لتشمل هدم منزل العائلة في كوبر، كنوع من التضييق على ابنها في السجن.
هذه الجرائم التي ارتكبت بحق البرغوثي وعائلتها حولتها وداد لرواية أدبية بعنوان "البيوت" وثقت من خلالها المحطات المختلفة التي عانت فيها العائلة من بطش الاحتلال، وتنقلاتها الكثيرة بين منازل الأقرباء والغرباء الذين أصبحوا فيما بعد أشد المقربين.
وبحسب البرغوثي فإن لعنوان الرواية دلالات عدة لما تعنيه البيوت بالنسبة لها، حيث تنقلت البرغوثي في حياتها بين 6 بيوت بفعل الاحتلال وقرار الإبعاد، كما أن هذه التسمية هي بمثابة شكر ووفاء للناس الذين فتحوا لها منازلهم سواء من العائلة أو خارجها -دون سابق معرفه- ومع ذلك أبدوا استعدادهم لاحتضان العائلات التي يشردها الاحتلال، وقدموا مساعدات كثيرة بما في ذلك المأوى، لذا واعترافا بفضلهم كانت هذه الرواية.
وأوضحت البرغوثي أن لهذه التجربة أثر كبير على حياتها بشقيها الإيجابي والسلبي، مشيرة إلى أن البيوت التي كانت بمثابة حاضنة بشكل طوعي من أصحابها تعني لها الكثير لأنها البيوت التي حاولت أن تجمع شتات العائلة بعدما فرقها الاحتلال.
في المقابل، قالت البرغوثي: "إن بعض أصحاب البيوت والعقارات التي توجنا لهم بعد تسلمنا قرار الإبعاد رفضوا حتى تأجيرنا عندهم، عندما علموا السبب، واضعين أمامها شروطا تعجيزية كأن تدفع سلفا أجار عام كامل".
وعملت البرغوثي من خلال الرواية على إدراج الأشخاص ذوي الدور الإيجابي في تجربتها، مقابل تعرية الأشخاص الذين تقاعسوا عن المساعدة وتقديم يد العون.
وخصصت البرغوثي في روايتها مساحة خاصة لنجلها الأصغر قسام الذي ما زال يقبع في سجون الاحتلال.
وبقلب الأم المفجوع على ولدها قالت البرغوثي: "إن نجلها قسام تعرض لكافة أشكال التعذيب التي عرفها الشعب الفلسطيني خلال 72 عاما، مؤكدة على أنه لا يزال بصحة جيدة، ويتعافى من جروحه، ومعنوياته تناطح السماء".
واعتقل قسام في أيلول عام 2019، بتهمة الانتماء للخلية التي نفذت عملية "بوبين"، تفجير عبوة ناسفة أدت لمقتل مستوطنة في قرية دير بزيع غرب رام الله.
ورغم كل ما تعرضت له عائلة البرغوثي من تشريد وهدم للمنزل واعتقال كامل للأسرة إلا أنها ترى نفسها وعائلتها، أسرة عادية من الأسر الفلسطينية، وتجربتها ليست فريدة في ظل الاحتلال.
وأوضحت البرغوثي أن هناك "أسرا أخرى تعرضت لهدم بيوت، ليس بيتا واحدا، ولديها شهداء وأسرى ونحن إلى حد ما عائلة عادية من عائلات الشعب الفلسطيني".
ووفقا للبرغوثي فإن في مقولة "الضربة التي لا تميتك تقويك" تلخيص شامل لتجربتها، حيث قالت: أحسست مع هذه التجارب أنني ازدت قوة على الصعيدين المعنوي والجسدي، لأنها خلقت حالة من التحدي، وهذه الحالة أشعرتني أنني أضيف إلى عمري سنوات".
وأردفت: "قبل هذه التجربة كنت أشهر أنني بلغت من العمر مرحلة تجبرني على الاستقالة والتقاعد والراحة وهذا الإحساس بالكبر والعجز، تلاشى دفعة واحدة، فأحسست أنني استمديت من هذه التجربة قوة، وطاقة، وخبرة".
وأشارت البرغوثي إلى أن رواية البيوت هي أسرع رواية كتبتها فقد استغرقت كتابتها شهر واحد فقط، بسبب غزارة التجربة وفوران المشاعر، التي لم ترد لها أن تخمد حيث التقطت لحظة الوهج في هذه الرواية، وكانت في سباق مع الزمن لأنها أعطت لنفسها وعدا بأن تتمم كتابتها.
وتعتبر رواية البيوت الرواية السادسة للبرغوثي، وفي رصيدها أكثر من 20 عملا ومخطوطة في مجالات متعددة وهي: البحث، الشعر، الرواية، القصص القصيرة، الزجل الشعبي، المسرح ، الترجمة.
وبدأت البرغوثي في كتابة جزء ثان من رواية البيوت لكنها لا تزال في مرحلة بلورة الأفكار وصياغتها، مؤكدة على أن أعمالا كثيرة مقبلة ستقوم بكتابتها.