غزة - محاسن أُصرف
لا زالت المرأة الفلسطينية تواجه تحديات كثيرة تستنزف حياتها، تتراوح بين جُرم الاحتلال الإسرائيلي، وعُرف المجتمع الظالم لكينونتها البشرية، أما الاحتلال فتعاقب على مَسّ حقوقها بشكل مباشر عبر استهدافها بالقتل أو الأسر أو تشريدها بهدم المنازل، كما استخدمها في أحيان أخرى كورقة ضغط على زوجها أو ابنها أو شقيقها مقاومًا كان أم أسيرًا أم مطاردًا ، فيما حرمها المجتمع من بعض حقوقها في التعليم والميراث والحياة الآمنة.
ذاكرة الموت
ولم تُغادر مشاهد الموت والدمار ذاكرة نساء غزة فمنهن من فقدت فلذة كبدها ومنهن من عانت الإصابة وأخريات عانين حياة التشرد في مراكز الإيواء، والدة الشهيدة نادين عبد السلام 15 عامًا من مدينة خان يونس، مازالت تذكر كيف اختطفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي طفلتها أمام ناظريها جراء قصف استهدف منزل عائلتها، تقول :"لم تحمل نادين صاروخًا، كانت نائمة حين جاء التهديد بقصف المنزل وما إن هرعت مسرعة نحو البوابة حتى استشهدت على عتبتها".
ولعل مأساة الطفلة صباح سليمان 12 عامًا من جباليا أشد قسوة وإيلامًا، فهي من فقدت والدتها واثنين من أشقائها، وبات عليها أن تقوم بدور الأم لمن تبقى من أشقائها، تقول :"أحاول أن أعوضهم حنان أمي وأوفر بعض احتياجاتهم وأساعدهم على قضاء حوائجهم في ارتداء الملابس وترتيب أسرتهم".
وبحسب البيانات الإحصائية للمرصد الأورومتوسطي إلى أن عدد الضحايا الإناث خلال العدوان الأخير على غزة بلغ (489) ضحية، أي ما نسبته (22.7%) من إجمالي الضحايا في قطاع غزة، لافتًا إلى أن الفئة العمرية ما بين (18 – 59 عام) مثلت العدد الأكبر من الضحايا إذ بلغن (302) ضحية، وأشار إلى أن عدد الجريحات فاق الـ (3537) جريحة، أي ما نسبته (31.5%) من إجمالي الجرحى في قطاع غزة.
تجدد معاناة النزوح
وبعد الحرب الأخيرة على غزة والتي استمرت 51 يومًا، عانت المرأة الفلسطينية من تجدد معاناة النزوح التي تعرضت لها منذ عام 1948 مرورًا بالحروب الثلاثة خلال العشر سنوات الأخيرة، وقالت الحاجة أم أحمد السكني 57 عامًا من بلدة جباليا أنها فقدت منزلها المكون من أربع طوابق خلال الحرب، وعايشت من جديد حياة التشرد والنزوح بدايًة في مراكز الإيواء بالمدارس ومن ثمَّ في الكرفانات التي تفتقر لمقومات الحياة الإنسانية الكريمة – بحسب قولها- وطالبت السيدة العالم العربي الذي تعهد بإعادة الإعمار أن يُعجل في خطواته التنفيذية مؤكدة أنها وآلاف المشردين من النساء تُعانين ظروف إنسانية ومعيشية صعبة لا تتوافق مع احتياجاتهن الخاصة.
وبلغ عدد النساء اللاتي تُقمن في مراكز الإيواء بعد الحرب حوالي (11.314) امرأة افترشن مراكز الإيواء سواء في المدارس الحكومية أو التابعة لوكالة الغوث أو الكرفانات المتنقلة وعانين وما زلن ظروف إنسانية صعبة أثرت سلبًا على حياتهن اليومية في ظل افتقار مراكز الإيواء لخصوصية وضع المرأة وحاجتها لمسكن مستقل.
لم تستسلم لعرف المجتمع
وتتصاعد معاناة المرأة الفلسطينية في غزة جراء الأعراف المجتمعية التي تفرض عليها أحيانًا الخضوع لرغبة الآخر في حرمانها من حقوقها، فهذه عطاف النجار عانت هجران زوجها منذ 9سنوات، ووجدت نفسها وحيدة في مواجهة الفقر، ما دفعها للعمل لتوفر قوت أبنائها السبعة، تقول:"منذ ذلك الوقت لم يتعرف عليّ زوجي ولم يمنحنا حقوقنا".
وبدأت النجار مؤخرًا مع وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة، مشروعها الصغير بإنتاج الفطر وتسويقه، تتمنى أن تُحقق دخلًا ثابتًا يوفر لها أساسيات الحياة البسيطة،
وحرمت الظروف المادية القاسية التي تُعانيها عطاف ابنتها فتون النجار من الالتحاق بالدراسة الجامعية، تقول الفتاة فتون:"تمنيت أن ألتحق بالدراسة الجامعية لأتمكن من الحصول على فرصة عمل أساعد فيها والدتي ولكن.." وتُضيف الفتاة أنها وجدت الفرصة أخيرًا في المشروع الذي قدمته وزارة الزراعة مؤكدة أنها اتبعت كافة السبل لإنجاحه من توفير البيئة المناسبة لإنضاج الفطر وتحسين إنتاجه.
تناقص فرص العمل
وعبرت العديد من الخريجات عن افتقارهن لفرص عمل تتناسب وإمكانياتهن العلمية والمهنية، وأشارت إيناس عز الدين خريجة إعلام أنها لم تتمكن على مدار خمس سنوات بعد تخرجها من إيجاد فرصة عمل في تخصصها ما دفعها للقبول بأي فرصة تواجهها، تؤكد أنها تعمل في مجال الإحصاء كـ باحثة ميدانية، وتُشير أن العمل موسميًا وفقًا للمشاريع التي يتم تمويلها.
فيما لفتت أم براء مسمح 33 عامًا أنها لم تجد فرصة عمل ثابتة وتعاقبت على فرص العمل المؤقت ضمن برامج التشغيل التي تنفذها الجهات الرسمية سواء الحكومية أو التابعة لوكالة الغوث، وتوضح السيدة وهي أم لأربعة أطفال أن متطلبات الحياة القاسية وانحدار الأوضاع الاقتصادية عمرومًا في القطاع يدفعها لأن تطرق أبواب المؤسسات للحصول على فرصة عمل تُمكنها من مشاركة زوجها في إعالة الأسرة.
وذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره السنوي بمناسبة يوم المرأة العالمي، أن معدلات البطالة لدى النساء في ارتفاع مستمر مشيرًا إلى أنها تجاوزت الـ(38.4%) خلال العام 2014 بزيادة نحو 5% عما كانت عليه في عام 2013، ونوه التقرير إلى أن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة خلال العام الماضي بلغت (19.4%) من مجمل الإناث في سن العمل، وبيَّن أن متوسط الأجر اليومي للإناث لم يتجاوز خلال العام الماضي الـ(81 شيكلًا) أي ما يُعادل (20.7 دولار) ، مقارنة مع (105.8 شيكل) أي ما يُعادل (27 دولار) للذكور في ذات العام.
وأشار التقرير إلى أن نسبة التشغيل الأكبر للنساء العاملات كانت في قطاعي الزراعة والخدمات إذ بلغت في قطاع الزراعة حوالي (20.9%) بينما وصلت إلى (57.0%) في قطاع الخدمات.
ضرورة دعم المرأة
ومن جهتها أشارت وزيرة شئون المرأة في غزة هيفاء الأغا إلى أن وزارتها تتفاعل مع كافة الهيئات الوطنية والأهلية من أجل الارتقاء بالمرأة الفلسطينية، واتخذت سبلًا لوقف العنف الإسرائيلي ضد المرأة عبر عدة حملات مناهضة، داعية المجتمع الدولي للوقوف أمام مسئولياته تجاه الممارسات اللا إنسانية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بحقها في كل حربٍ يخوضها ضد القطاع.
وفي مجال الدعم الاقتصادي أوضحت الأغا إلى أن وزارتها تعمل بجد على دعم المرأة الفلسطينية اقتصاديًا خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتوالية على القطاع والتي أثرت بشكل كبير على المرأة وأشارت إلى تمكين نحو 100 سيدة من الحصول على قرض حسن بقيمة تصل إلى3000 دولار لبدء مشاريعهن الصغيرة وتمكينهن من إعالة أنفسهن وأسرهن.
ودعت الأغا كافة المؤسسات النسوية إلى العمل الدائم على دعم وجود النساء في كافة المواقع وخاصة مواقع صنع القرار، خاصة وأن المرأة أثبتت جدارتها على مر سنوات النضال الفلسطيني، وقالت :"ما زالت المرأة بحاجة إلى المزيد من المشاريع لتتمكن من المشاركة في كافة مواقع صنع القرار" وتابعت أن ما حققته المرأة الفلسطينية لم يصل للحد المطلوب من حقوقها المهدورة.
ونبهت الأغا إلى ضرورة تكثيف عمل المؤسسات النسوية العاملة في قطاع غزة، على إبراز دور المرأة من خلال إعالتها للأسرة في حال غياب رب الأسرة بسبب وفاته أو إصابته أو اعتقاله، ومعاناتها نتيجة الحصار والهجمات العسكرية المتكررة على غزة، وشددت على أهمية التنسيق المشترك بين المؤسسات الخاصة بالمرأة والمؤسسات الحقوقية من أجل تفعيل دور المرأة وتوعيتها وحماية حقوقها التي تنص عليها القوانين الدولية.