خاص الحدث
توفيت ميسرة الكعكة (36 عاما) من مخيم الفوار في يوم 14 أكتوبر/تشرين أول الماضي نتيجة لإصابتها بفيروس كورونا بحسب بيان المستشفى الأهلي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، لكن الإهمال الطبي بحسب زوجها ونائب رئيس الخدمات الشعبية في المخيم، أحمد أبو عواد، كان السبب الرئيسي في وفاتها، بعد تعرضها للتسمم نتيجة وفاة الجنين بداخلها، حيث أنها احتاجت لإبرة مضادة للتسمم، لكنها لم تحصل عليها بسبب رفض المستشفى حقنها بها قبل دفع ثمنها.
ويقول أبو عواد لـ"الحدث" بصفته متابعا لملف المتوفاة، إن لجنة الطوارئ في مخيم الفوار، المختصة بمتابعة بيانات كورونا من أجل تطبيق قواعد السلامة على المصابين والمخالطين، تفاجأت بأن نتيجة الفحص للمتوفاة قد تغيرت بعد وفاتها بثلاث ساعات، إذ أن النتيجة التي نشرت في الساعة الثالثة عصرا بيوم وفاتها تغيرت الساعة السادسة بشكل غير مفهوم ومبرر، وهو ما دفعه لمطالبة محافظ مدينة الخليل بتشكيل لجنة تحقيق في ما جرى.
بدوره نفى مدير المستشفى الأهلي، يوسف التكروري، رواية زوج المتوفاة، واستعرض في بيان صحفي صدر عنه الأسباب التي أدت لوفاتها، ومن بينها التهاب رئوي حاد تسبب بوقف عمل الرئة بنسبة 70% نتيجة إصابتها بفيروس كورونا، مرحبا بتشكيل لجنة تحقيق.
وقال وائل أبو سنينية، رئيس اللجنة الفرعية لنقابة الأطباء في الخليل، لـ"الحدث" إن المستشفى الأهلي أطلعهم على التفاصيل وزودهم بصورة طبقية تشبه إلى حد كبير الصور الطبقية لمصابي كورونا، لكن لا علم لديه إن كانت نتيجة فحص كورونا قد تغيرت أم لا، لأن وزارة الصحة هي المسؤولة عن هذا الأمر.
"دخلت إلى الغرفة، التي كانت تتواجد فيها ابنتي، لحظة إبلاغي بوفاتها، وشاهدت الدماء تخرج من أنفها وفمها، وهذا ما دفعني لمطالبة النيابة العامة بتشريحها من خلال الطب الشرعي، لقناعتي بأنها توفيت بخطأ طبي، لكنني تفاجأت في اليوم التالي باتصال الجهات الرسمية على مسؤولين في إقليم حركة فتح لكي يقوموا بإبلاغي أن سبب وفاتي ابنتي هو إصابتها بفيروس كورونا، رغم أنه لم يجر لها أي فحوصات خاصة بكورونا"، حالة أخرى شبيهة يروي تفاصيلها لـ"صحيفة الحدث" نافز سحويل، والد الشابة المتوفاة نوال (22 عاما)، من قرية عبوين شمال رام الله.
ويطالب سحويل بفتح تحقيق محايد وبالإفصاح عن الصورة الطبقية لابنته التي طلبها منذ شهرين، لكن دون رد، لأن ذلك قد يثبت أن سبب وفاتها الإهمال الطبي في مستشفى رام الله، وليس فيروس كورونا، الذي لم تصب به أصلا، بحسب إفادته لـ"الحدث".
ويؤكد سحويل أنه تسلم ابنته من مستشفى رام الله بشكل طبيعي، وليس ضمن إجراءات وقائية، كما جرت عليه العادة في الحالات، التي كان يعلن عنها أنها توفيت بفيروس كورونا، وأن الطاقم الطبي، الذي عالج ابنته ظل على رأس عمله، وقد شاهدهم بالمستشفى، وهو ما يثير التساؤلات بالنسبة له حول حقيقة الرواية الرسمية عن سبب وفاة ابنته نوال.
ورد مدير مجمع فلسطين الطبي، أحمد بيتاوي، في بيان صحفي، أن سحويل كانت تعاني من ضيق التنفس، وارتفاع في درجة الحرارة، وتبين إصابتها بفيروس كورونا وبحسب بيان وزارة الصحة، فإن المتوفاة تعاني من مرض الروماتيزم منذ 15 عاما، وتوفيت نتيجة إصابتها بكورونا.
"أجهل الكثير من التفاصيل حول ظروف وسبب وفاة والدي"، ليس لدي معلومات أكثر، يقول ثائر، الذي توفي والده محمد الدهيدي 57 عاما من بلدة عرابة شمال الضفة الغربية بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين أول، بفيروس كورونا، بحسب إعلان وزارة الصحة.
ويكشف ثائر أن والده دفن بطريقة طبيعية وبدون إجراءات وقائية، كما في الحالات التي يعلن عن وفاتها بفيروس كورونا، وأن العائلة استلمته ضمن الإجراءات الاعتيادية، التي تتبع في حالات الوفاة الطبيعية، إذ تم تغسيله في منزله وتوديعه والصلاة عليه وفتح بيت عزاء في وقت لاحق.
تضاعفت الشكوك لدى عائلة السبعيني زكريا شاور حول حقيقة سبب وفاته، بعدما أعلنت وزارة الصحة عن إصابة نجليه، تامر وجهاد، بفيروس كورونا، رغم أنهما لم يكونا قد أجريا فحوصات في حينها، وفق روايتهما لـ"صحيفة الحدث"، موضحين أنهما تفاجئا بالإعلان عن إصابتهما، وأجريا لاحقا فحص كورونا وتبين عدم إصابتهما أو أيا من أفراد العائلة.
شاور 70 عاما، من مدينة الخليل، هو الآخر أعلن عن وفاته بفيروس كورونا، لكن إجراءات دفنه لم تشمل أي إجراء وقائي، ولم يطلب من العائلة أي شروط تتعلق بطريقة الدفن، كما يوضح ابنه تامر لـ"الحدث". مشيرا إلى أنهم منعوا خلال فترة علاجه التي استمرت ليومين من الدخول إليه، لكنهم تسلموه بعد وفاته، وشارك المئات في دفنه.
ويتفق المسؤول عن إعداد البروتوكول الصحي الفلسطيني لمواجهة جائحة كورونا، عضو لجنة الأوبئة في وزرا الصحة ربيع عدوان، ومدير الطب الوقائي في قطاع غزة، مجدي ظهير، في أن المتوفى بكورونا قد ينقل العدوى من خلال اللمس أو عند غسل الجثة وهو ما يستدعي دفنه من خلال إجراءات وقائية خاصة.
ويستبعد عدوان وجود حالات توفيت بكورونا ودفنت بطريقة طبيعية، إلا إذا قام الأهالي بـ"سرقة الجثة" من المستشفى أو بالإجبار، لأن وزارة الصحة لا تسمح بتسليم الجثث من خلال الإجراءات الاعتيادية، وهو ما نفته الحالات، التي قابلتها "الحدث"، مشيرة إلى وجود قوة أمنية في كل مستشفى ولا يمكن لأي جهة أو شخص إخراج جثة بالقوة، مطالبين بالكشف عن كاميرات المراقبة لإثبات صحة روايتهم.
ورغم تشابه الروايات السابقة، يؤكد مدير الطب الوقائي في وزارة الصحة، سامر الأسعد، لصحيفة الحدث، أن المتوفى بفيروس كورونا يمكن أن ينقل العدوى للآخرين، وبالتالي تتخذ وزارة الصحة إجراءات خاصة في هذا الخصوص، من حيث التجهيز والدفن وهناك طواقم متخصصة لهذا الغرض.
وقال الأسعد معقبا على إمكانية وجود حالات دفنت بإجراءات طبيعية رغم أنها مصابة بفيروس كورونا، إن الحالات التي يعلن عنها أنها مصابة بكورونا بشكل مؤكد، يتم دفنها ضمن الإجراءات الخاصة، إلا إذا مات أحد المصابين في البيت ولم يخضع للفحص أو حالة لم تُجري فحصا وتوفيت لاحقا.
"فتوى وشكوك"
ويثير أهالي المتوفين في الحالات السابقة تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء تحويل ملفات أقاربهم تحت بند "وفيات كورونا"، متسائلين: إذا كانت الصحة العالمية ووزارة الصحة وخبراء الأوبئة يؤكدون أن المتوفى بكورونا ينقل العدوى، لماذا سمحوا لنا بدفن موتانا بشكل اعتيادي؟.
وأعرب قسم منهم عن شكوكهم بأن السبب هو الحصول على الدعم المالي من المؤسسات الدولية، وتضاعفت الشكوك في هذا الإطار بعد إصدار فتوى من قبل رئيس الهيئة الإسلامية العليا، عكرمة صبري، بتحريم القبول بالإعلان عن سبب الوفاة بكورونا بما يخالف الواقع من أجل الحصول على أموال من منظمة الصحة العالمية.
عدد الوفيات والإصابات معيار للدعم المالي والتقني
منظمة الصحة العالمية ليست شركة تأمين أو تعويضات ولا تدفع أموالا عن كل حالة وفاة أو إصابة بفيروس كورونا، وتابعنا ما انتشر من إشاعات بالخصوص، ودورها في الدول التي تتواجد فيها لا يتجاوز التوجيه التقني والإشراف على تطبيق البروتوكولات والإحصائيات، يقول مدير مكتب المنظمة في الأراضي المحتلة عبد الناصر صبح في إفادته لـ"صحيفة الحدث".
لكن المنظمة الدولية تقوم بدور تحريك الموارد وحشد الدعم من خلال توجيه المانحين، وفق معيارين: الأول، هشاشة النظام الصحي في بعض الدول. الثاني، عدد الإصابات بالنسبة لعدد السكان والوفيات ومعدل الانتشار، إذ يتم تحليل هذه البيانات وتوقع ما ستؤول إليه الأوضاع وبناء على ذلك نحرك موارد وأموال من خلال المانحين للدول، يوضح صبح.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، محمود صبرة، أن الدعم المالي من قبل المنظمات الدولية للفلسطينيين كان قد تقلص قبل الجائحة بشكل كبير، لاعتبارات سياسية، أهمها؛ محاولة الولايات المتحدة الأمريكية تمرير صفقة القرن والموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الرافض لذلك، وحصار قطاع غزة بذريعة أن الحاكم الفعلي هناك هو حركة حماس، لكن في ظل الجائحة زاد الدعم المالي الموجه للسلطة الفلسطينية، لأن الجائحة ليست خاصة بالفلسطينيين، إذ تم تفعيل بنود الخاصة بالإغاثة وليس الإنفاق التنموي المستدام.
وعندما يتم تفعيل بند الإغاثة تقوم المنظمات الدولية بتحويل الأموال المخصصة للمشاريع التنموية وأموال أخرى يتم جمعها لغرض معالجة الجائحة أو الكارثة، إلى الدول المتضررة بشكل كبير، يوضح أستاذ الاقتصاد صبرة، ويضيف أن المنظمات التي تنفق لمعالجة آثار جائحة كورونا قد لا يكون تخصصها مواجهة الكوارث الصحية، وبالوضع الطبيعي يتركز دعمها تنموية لمعالجة الفقر والبطالة وحقوق المرأة والشرائح المهمشة، لكن في ظل الجائحة توجه هذه المنظمات إنفاقها في مجال الجائحة، ومن الطبيعي أن يكون للصحة العالمية توصيات للمانحين لدعم بعض الدول وفق معادلات خاصة بها، وهو ما يشدد عليه المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، الذي أكد أن توصيات الصحة العالمية تؤخذ بعين الاعتبار في الإنفاق.
ويكشف تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة (أوتشا) أن الاستجابة العامة لمواجهة فيروس كورونا تلقت دعمًا سخيًا من المانحين، وقد طلبت الحكومة الفلسطينية مبلغ 42.4 مليون دولار لدعم الاستجابة الفورية للأزمة الناجمة عن فيروس كورونا حتى نهاية شهر يونيو/حزيران، وقد جرى تمديد هذه الفترة لنهاية العام ورفع المبلغ المطلوب إلى 72 مليون دولار.