الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

استيطان على استيطان في بلدة بيت صفافا وعاصمة فلسطين ستغدو معزولة عن جنوبها

2020-11-28 03:55:36 PM
استيطان على استيطان في بلدة بيت صفافا وعاصمة فلسطين ستغدو معزولة عن جنوبها
حي (جفعات همتوس) الاستيطاني

الحدث - سوار عبد ربه

"حين تمشي في شوارع بيت صفافا، ستشاهد من حولك سيارات إسرائيلية كثيرة يفوق عددها سيارات الفلسطينيين" بهذه الكلمات عبر رئيس اللجنة الهندسية في بيت صفافا عبد الكريم لافي عن حال بلدة بيت صفافا كي يقرب للقارئ المشهد اليومي الذي يكشف عن حال البلدة في المرحلة الحالية، فالقرية اليوم باتت ممرا للمستوطنين من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب بحسب لافي.

وللبلدة باع طويل مع الاستيطان لعل آخره ما كشفته وسائل إعلام إسرائيلية عن مخطط نشرته حكومة الاحتلال لطرح مناقصة بناء 1257 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنة المقامة على أراضي بيت صفافا شرقي القدس، والتي أطلق عليها الاحتلال اسم (جفعات همتوس) نسبة لطيار إسرائيلي سقط فيها عام 1967.

وتقدر مساحة المستوطنة بنحو 170 دونما، وهي عبارة عن أرض صخرية فيها القليل من المباني المتهدمة، والمقطورات المهجورة بمعظمها.

ووفقا للمهندس لافي، فإن مستوطنة (جفعات همتوس) تشكل آخر منفس لأهالي بيت صفافا من الأراضي المفتوحة في مدينة القدس المحتلة.

وبحسب لافي، فإن تبعات القرار تتمثل في تشكيل سلسلة مستوطنات جنوب القدس من شأنها الفصل بين مدينة بيت لحم والعاصمة الفلسطينية، حيث إنها ستمتد من مستوطنة (هار حوما) بالقرب من إم طوبا الفلسطينية مرورا بـ(جفعات همتوس) في بيت صفافا إلى مستوطنة (جيلو) في الجنوب الغربي لبيت صفافا، وبناء عليه؛ ستقطع أوصال البلدة، كما ستربط البؤر الاستيطانية مع بعضها البعض ما يؤدي إلى انقطاع تواصل القسم الفلسطيني.

وأشار لافي إلى أن أراضي مستوطنة (جفعات همتوس) قسمت إلى أربعة أقسام، وهي: قسم لإقامة المستوطنة وسمي (جفعات همتسوس "أ") وفيه أراضي ميريا وجزء من أراض خاصة للصفافيين. وقسم "ب" وهو منطقة الطنطور وجميع أراضيه ملكية خاصة لأهالي بيت صفافا لكن 90% منها مستوفى البناء فيها. وقسم "ج" أراض صفافية استولت عليها "إسرائيل" عام 1967 بالمصادرات، ولم يتبق من الملكية الخاصة سوى 20-30% نستطيع التحرك فيها. أما القسم الرابع "د"؛ فهو  بمحاذاة  شارع الخليل الذي يربط بين القدس وبيت لحم وهناك ستقام مجموعة فنادق إسرائيلية من شأنها أن تقتل السياحة في مدينتي القدس وبيت لحم.

وأضاف لافي لـ"الحدث": هذا المخطط  صادقت عليه اللجنة اللوائية التابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية عام 2011، لكن "إسرائيل" لم تستطع أن تنفذ منه أي شيء لسببين؛ الأول: قيام أهالي بيت صفافا بالاعتراض على المشروع خاصة أن لنا في قلب هذا المخطط أراض خاصة، إضافة إلى وقوف الأوروبيين ضده.

وبموجب اتفاقية رودوس عام 1949؛ قسمت البلدة إلى قسمين بين "إسرائيل" والأردن، ومنذ ذلك الحين بدأ الاحتلال بسرقة أراضي القرية إضافة إلى اقتطاع مساحة من الجانب الأردني في حينه، وبعد عام 1967 خضعت القرية بشقيها للاحتلال.

وشبه رئيس اللجنة الهندسية بلدة بيت صفافا بالجزيرة الفلسطينية المحاصرة بأربع مستوطنات. مشيرا إلى أن المخطط الجديد سيزيد من معاناة البلدة وأهلها.

وبيت صفافا هي بلدة فلسطينية تقع على مسافة 4 كم جنوب غرب القدس وشمال بيت لحم، وتقدر مساحة أراضيها ب 3314 دونما.

مطالبات واحتجاجات

بدوره، أكد مختار بلدة بيت صفافا محمد عليان لـ"الحدث"، أن مخاتير ووجهاء البلدة طالبوا في مراحل مختلفة بالأراضي الصفافية في المستوطنة من أجل إقامة مشروع "الأزواج" الشابة لمساعدة الشباب المقبلين على الزواج في إيجاد مسكن في البلدة، لكن بسبب مماطلة الحكومة الإسرائيلية لم يتمكنوا من تحصيل أي شيء.

وقال عليان: أخبرنا الحكومة الإسرائيلية قبل عشر سنوات أننا بحاجة للقيام بمشروع "الأزواج الشابة"، وبما أن مشروع البناء وارد في المستوطنة فلسكان البلدة الأولوية والأحقية في البناء على أراضيهم، بدلا من إعطاء المساكن لأشخاص ليس لهم علاقة في هذه الأرض ولا وجود لهم فيها.

وتابع: قبل الانتخابات الإسرائيلية، خرج نتنياهو وكشف عن نية حكومته بناء وحدات سكنية على هذه البقعة، ستتوزع بين المستوطنين والعرب، وستكون حصة العرب فيها 1000 وحدة، كترويج له في الانتخابات. لكن عليان يرى أن هذا الكلام بعيد عن الواقع والصحة، ولم يكن هناك مخطط فعلي على أرض الواقع.

وأردف: "يوجد في الحكومة الإسرائيلية الجديدة أشخاص متصهينون يعملون على تشريد أهالي بيت صفافا وبالتحديد فئة الشباب".

وبين عليان، أن أهالي البلدة يرفضون القرار جملة وتفصيلا، ويرفضون السيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية التي هي حق لهم بالدرجة الأولى.

وقال عليان: "سنقاوم حتى لا ينشئوا مخططاتهم، وفيما لو أقيم المشروع فلن نتوانى عن المطالبة في جزء منه لمصلحة أهالي وسكان بيت صفافا، وبالرغم من كل أفعالهم نحن موجودون وصامدون ونحاول الدفاع  بكل ما أوتينا من قوة عن وجودنا".

وفي جميع المراحل الاستيطانية؛ حاول أهالي البلدة التصدي لها من خلال الاحتجاجات الرافضة والمظاهرات والشجب والاستنكار وخيم الاعتصام وعبر وسائل الإعلام، كذلك عبر رفع الدعاوى القضائية في المحاكم الإسرائيلية الجائرة ولكن دون جدوى، حيث توجد في القرية اليوم نحو عشرة شوارع استيطانية.

وختم عليان حديثه بالقول: "هذا القرار جديد وسننتظر ما في جعبة رئيس بلدية القدس وبناء عليه سنتحرك". مشيرا إلى أن الشجب والاستنكار والتحرك الجماهيري من خلال المظاهرات السلمية أو غير السلمية أمور واردة "وإذا لزم الأمر سنتوجه إلى القضاء للدفاع عن وجودنا وعن الوجود الفلسطيني الذي يحاولون نفيه ومحوه".

في المقابل، يرى المهندس عبد الكريم لافي، أن أهالي بيت صفافا في المرحلة الحالية سلاحهم خفيف جدا، وليس بوسعهم سوى رفع الدعاوى القضائية في المحاكم، أما الاحتجاجات الجماهيرية فمن غير المتوقع أن تحدث. مؤكدا على أنه إذا تمكن الصفافيون من السيطرة على أراضيهم الخاصة في تلك المنطقة يمكن منع إقامة المستوطنة.

قلق فلسطيني ودولي

ولاقى هذا المخطط،  فور إعلانه، رفضا كبيرا من دول عربية وأوروبية على اعتبار أن نتنياهو سيتجاوز خطوطا حمراء في هذا المشروع.

فمن جانبه، أدان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، طرح المناقصة، قائلا: "هذا القرار الاستيطاني الجديد، هو استمرار لمحاولات حكومة الاحتلال قتل حل الدولتين المدعوم دوليا والتنكر لكل قرارات الشرعية الدولية التي أكدت مرارا بأن الاستيطان جميعه غير شرعي".

وندد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، بالمخططات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة، التي من شأنها عزل تجمعات سكانية فلسطينية عن محيطها.

وقال اشتية: "سنتخذ كل الإجراءات الممكنة للوقوف في وجه هذه القرارات والتشريعات والمشاريع التي تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية".

وفي السياق ذاته نظم رؤساء بعثات دول الاتحاد الأوروبي زيارة لـ(جفعات همتوس)، على إثر الإعلان عن المخطط الاستيطاني.

وقال الاتحاد الأوروبي في الدعوة التي عممها على وسائل الإعلام، إن "البناء من شأنه أن يعرقل إمكانية التواصل الجغرافي بين القدس الشرقية وبيت لحم" التي تقع على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى الجنوب.

كما أعرب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، عن قلقه البالغ إزاء إقامة مستوطنة جديدة، بالقدس المحتلة. معتبرا أن بناء هذه المستوطنة سيعزز حلقة من المستوطنات بين القدس وبيت لحم في الضفة، ومن شأنها أن تضر بشكل كبير بآفاق دولة فلسطينية متصلة في المستقبل، لتحقيق حل الدولتين، المتفاوض عليه على أساس حدود 1967.

وكان قد صدر عام 2016  قرار عن مجلس الأمن بغالبية 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، باعتبار الاستيطان غير شرعي في مدينة القدس، ويطالب دولة الاحتلال بالتوقف عن الاستيطان.

لكن المحلل السياسي راسم عبيدات، اعتبر أن هذه القرارات لا يجب احترامها، فالمجتمع الدولي لا يحترم الضعيف والاحترام يكون لمن يمتلك القوة، وبالتالي حق غير مدعوم بالقوة لا يمكن أن يترجم إلى فعل حقيقي على أرض الواقع.

وكان خبير شؤون القدس في صحيفة "هآرتس العبرية" نير حسون، أفاد بأنه خلال العقد والنصف الماضي وضع المجتمع الدولي أمام "إسرائيل" خطين أحمرين في مسألة المستوطنات، أولهما مستوطنة "جفعات همتوس"، وثانيهما منطقة E1.

وبحسب المحلل السياسي، فإن "إسرائيل" دولة فوق القانون بحماية أمريكية أوروبية غربية، ولذلك لا تلتزم بالقرارات الشرعية، ولا القوانين والاتفاقات الدولية، "ومن يقول إن (جفعات همتوس) خط أحمر فالكثير من الخطوط الحمراء داست عليها إسرائيل".

وتابع: "لدينا 86 قرارا من مجلس الأمن الدولي وأكثر من 840 قرارا من الجمعية العامة لم ينفذ منها أي قرار باتجاه حقوق شعبنا أو قضيتنا الفلسطينية، ولذلك الرهان على المجتمع الدولي كالرهان على البطة العرجاء".

وأردف: "المجتمع الدولي ليس بديلا عن الإرادة الشعبية وعن الموقف الرسمي، أما الحديث عن موقف الاتحاد الأوروبي بزيارات وبيانات شجب واستنكار وغير ذلك، فالشعب الفلسطيني مل هذه الأسطوانة، والمجتمع الدولي لم يستطع زحزحة حجر واحد من المستوطنات طيلة 72 عاما".

واتفق كل من المهندس والمختار والمحلل السياسي، على أن "إسرائيل" أخذت نفسا في وجود دونالد ترامب في الإدارة الأمريكية خاصة مع إعلانه القدس عاصمة لـ"إسرائل".

وأكدوا على أن "إسرائيل"، ستستغل الفترة المتبقية لترامب في الحكم من أجل تثبيت كل هذه الوقائع، مدعومين بعدوان مباشر من الإدارة الأمريكية على الشعب الفلسطيني.

ويرى المحلل السياسي عبيدات، أن هذا القرار لا ينفصل عن المشروع الذي تم إقراره الخميس الماضي لإقامة 108 وحدات استيطانية في منطقة ما يسمى (رامات شلومو) لتقطيع أوصال قرية شعفاط المقدسية. مضيفا أن هذا كله يترابط مع جملة من المشاريع الاستيطانية الأخيرة المتمثلة في: التطهير العرقي لـ28 عائلة في الشيخ جراح، وهدم الورش الصناعية والتجارية في منطقة وادي الجوز بالإضافة إلى مشروع ما يسمى بمركز  القدس شرق، والاستيطان المكثف في كل أنحاء القدس.

وجاء في تقرير الاستيطان الأسبوعي الذي يعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسابق الزمن في فرض وقائع إضافية على الأرض الفلسطينية عبر إقرار مزيد من مخططات الضم والتوسع العنصري، لا سيما في مدينة القدس المحتلة، في مسعى لتقويض حل الدولتين.