تقديم:
من الواضح أن هناك قرارا إسرائيليا بالمضي قدما في التهيئة القانونية للتوسع الاستيطاني وضم أراضي الضفة الغربية، وأخص بالذكر هنا الأراضي في المناطق المسماة "ج" حسب تصنيف- اتفاقية أوسلو لأراضي الضفة الغربية - وقد برز ذلك جليا من خلال التوصية التي رفعت أخيرا إلى الكنيست للبدء بأعمال التسوية في هذه المناطق.
فمنذ احتلال مناطق الضفة الغربية عام 1967، اتبعت إسرائيل أساليب مختلفة ملتوية في تحد واضح للقانون الدولي، وقد كتب الكثير عن هذه الأساليب، ولمسها المواطن الفلسطيني في صداماته المختلفة وصموده على أرضه: منها التهجير القسري، التهجير الطوعي، جدار الفصل العنصري، منع رخص البناء، وهدم برك وآبار المياه وغيرها الكثير من مثل هذه الأساليب الملتوية، كلها بهدف الحد من صمود المواطن الفلسطيني و حرمان المزارع الفلسطيني من الوصول إلى أرضه لخدمتها أو زراعتها أو استخدامها بأي شكل من الأشكال ليثبت استمرارية وجوده على أرضه، وذلك من أجل مصادرة الأراضي والتهيئة القانونية للوضع الاستيطاني.
ولكن أخطر ما سيكون هو ما يخطط له الاحتلال حاليا من خلال القيام بأعمال التسوية في المناطق المسماة "ج"، والأراضي المقامة عليها المستوطنات. حيث إنه وبعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967، قامت إسرائيل بإصدار الأمر العسكري (رقم 291 ) بتاريخ 19 كانون الأول 1968 "أمر بشأن تسوية الأراضي وتنظيم المياه ( الضفة الغربية)": حيث قام بتعيين مسؤول من قبله لتولي إدارة ذلك الملف وذلك بموجب المادة "1" من الأمر وأبقى على مدلول أمر التسوية، ومحكمة التسوية، وجدول التسجيل، ومدير الأراضي، حسب مدلولها كما هي في قانون تسوية الأراضي والمياه رقم (40) لسنة (1952)، حيث خول للمسؤول الإسرائيلي الذي قام بتعيينه كافة الصلاحيات التي كانت مخولة لمدير دائرة الأراضي والمساحة بموجب قانون تسوية الأراضي الأردني المذكور أعلاه، وذلك اعتباراً من تاريخ اليوم الذي حدد في الأمر العسكري، وهو يوم 1 كانون الثاني 1969 حيث بدأ سريان مفعول ذلك الأمر. وقد جاء هذا الأمر "الأمر العسكري رقم 291" بأحكام هامة، لا بل غاية في الخطورة، فقد نصت "المادة 3 الفقرة أ" من الأمر العسكري رقم (291) على تعطيل مفعول أمر التسوية الأردني وأي إجراء اتخذ بموجبه، حيث تم وقف جميع أعمال التسوية في الضفة الغربية.
إن المواطن الفلسطيني الآن أمام حالة فريدة من نوعها، فمن ناحية تقع هذه الأراضي في مناطق محتلة حسب القانون الدولي، ومن ناحية أخرى، إن اتفاقية أوسلو تقر بصلاحية إسرائيل المدنية والعسكرية على هذه الأراضي، بحيث إذا أعلنت ما تسمى الإدارة المدنية أمرا وإعلان تسوية على هذه الأراضي أو على جزء منها، سيقع المواطن الفلسطيني في حيرة من أمره: فهل يتجاوب المواطن مع إعلانات التسوية من قبل الجانب الإسرائيلي ويقوم بتقديم أوراقه ومستنداته الثبوتية، مع العلم أن الجهة محتلة غير موثوقة وتستهدف حقوقه؟ أو يمتنع عن التجاوب؟ وفي هذه الحالة خشية حقيقية من ضياع حقوق الملكية للمواطن وتثبيت التزوير بالملكيات. فماذا يجب أن نقول للمواطن في هذه الحالة؟
للإجابة على هذا السؤال هناك أكثر من اجتهاد واتجاه:
فهناك من يقول يجب المقاطعة وما يترتب على أعمال التسوية غير شرعي وسيزول مع زوال الاحتلال، ولكن هذا الرأي له مخاوف ومحاذير لا تجيب ولا تقنع المواطن الفلسطيني المتمسك والمتشبث بأرضه.
واجتهاد ثانٍ وهو التجاوب مع أعمال التسوية، وأن يتم دعم المواطنين فنيا ولوجستيا من أجل تثبيت حقوقهم خلال أعمال التسوية، وهذا رأي لديه وجاهة، لكن يحمل أيضا مخاطر عدم وجود ضمانات بنزاهة الإجراءات التي ستنفذ من قبل الاحتلال.
والرأي الثالث الذي نرى ضرورة بلورته كموقف تتبناه السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والهيئات المحلية والمجتمع المدني، وهو المطالبة بأن تكون إجراءات التسوية ضمن رقابة دولية محايدة تضمن نزاهة الإجراءات وتعمل على الحفاظ على حقوق المواطنين، وهذا له تبرير في المجتمع الدولي والقانون الدولي، حيث إن الجهة التي تقوم بأعمال التسوية هي جهة محتلة وتستهدف الأرض والإنسان .
إن التعامل مع هذا الموضوع يجب أن يكون في أعلى سلم الأولويات للقيادة الفلسطينية، حيث يجب دراسة هذا الموضوع والتعامل معه بجدية ومهنية عالية، وأن يكون هناك تواجد لفرق قانونية وخبراء مختصين من الطرف الفلسطيني لمتابعة كل جزئية إجرائية في هذا الموضوع، وتقديم الدعم الفني والقانوني والسياسي للمواطنين الفلسطينيين. كما يجب إشراك المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية الدولية للوقوف مع المواطنين ومراقبة كل الإجراءات والتظلمات والشكاوى، خاصة وأن محاكم الاحتلال التي ستتولى هذا الموضوع متحيزة وغير نزيهة. وفي حال رفضت إسرائيل التعاون مع المؤسسات الحقوقية في هذا الموضوع "وهو متوقع" فهذا سيوفر مبررا حقيقيا أمام الجانب الفلسطيني والمواطنين الفلسطينيين برفض إجراءات التسوية وعدم الاعتراف بنتائجها.
وأخيرا إن موضوع إعلان التسوية من قبل الجانب الإسرائيلي على الأراضي المسماة "ج "، بحاجة ماسة إلى تكاثف كافة جهود الخبراء من أجل وضع استراتيجية فلسطينية للتعامل في هذا الموضوع.
.