** كان من المتوقع من اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الأخير أن يعلن بشكل صريح عن الدعوة لإجراء انتخابات عامة فلسطينية (رئاسية، تشريعية، ومجلس وطني)، ولكن وردت إشارة عامة حول اتفاقات المصالحة الفلسطينية، بما فيها وآخرها اتفاق الشاطئ في شهر نيسان من العام الماضي.
** نعود للتذكير أن مطلب إجراء انتخابات عامة فلسطينية هو موقف وطني عام، باعتبار أن المعيار الحقيقي للديمقراطية هو اعتماد مبدأ الانتخابات، وهو الأسلوب المقبول وطنياً وديمقراطياً لتداول السلطة، ولكن المعادلة الفلسطينية خرجت عن هذا الطريق لأسباب موضوعية لها علاقة بالصراع مع الاحتلال من جهة، وبظروف الشتات الفلسطيني من الجهة الأخرى، وفي السنوات الأخيرة وتحديداً بعد استيلاء حماس على السلطة في غزة أضيف عامل جديد ذاتي، ولكنه شديد التأثير على الواقع السياسي الفلسطيني، وكان له أكبر الآثار السلبية زيادة على الواقع السياسي الفلسطيني.
** صحيح أن الطريق إلى التغلب على واقع الانقسام الفلسطيني الداخلي يعتمد بشكل كبير على التوافق الوطني، ولكن عدم التوافق الكامل لا يعني أن نرهن كل خطوة داخلية بالإجماع، ولقد حصل ما يؤكد أن الإجماع الوطني الفلسطيني لم يكن في يوم من الأيام شرطاً لاستكمال مسيرة العمل السياسي، ولا نريد التوقف أمام انقسام الرأي والموقف تجاه برنامج العمل الفلسطيني (برنامج حق تقرير المصير وقرارات مؤتمر الرباط في العام 1974)، ومع كل ذلك فقد شق ذلك البرنامج طريقه وتواصل في محطات مهمة لاحقة في الأعوام 1977، وآخرها إعلان الاستقلال في العام 1988. في كل تلك المحطات لم يكن هناك إجماع وطني فلسطيني كامل!
** إن ربط إجراء انتخابات عامة فلسطينية بموافقة "حماس" يؤدي إلى إقرار مبدأ المحاصصة السياسية من جهة، ويلحق بالمشروع الوطني مشاكل لا حصر لها مهما كانت النوايا الحسنة وراء هذه الدعوة.
المطلوب هو بذل جهد مخلص من أجل إشراك حماس والقوى الإسلامية التي ما زالت خارج أطر منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن في النهاية لا بدّ من الاستجابة للمطلب الوطني بالاستحقاقات الديمقراطية، وبموازاة ذلك لا بدّ من إعادة النظر بقانون الانتخاب الحالي، بحيث يجري اعتماد التمثيل النسبي الكامل لانتخابات التشريعي، كما هو التوجه لاعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني؛ ذلك أن هذا النظام (وهو أرقى نظام انتخابي عالمي) يتجاوز أية معيقات داخلية لإجراء الانتخابات، كما يتجاوز أية عقبات ربما تفرضها حكومة إسرائيل على الانتخابات، وبشكل خاص حول موضوع القدس.
** الملاحظة الأخرى تتعلق بالحكومة التي تحضّر وتشرف على الانتخابات فإن؛ تجربة الأشهر السابقة تثبت أن حكومة التوافق الحالية لم تتقدم بأية خطوة باتجاه التحضير للانتخابات ولا بإنهاء الانقسام، وقد انكفأت على ذاتها، ولم تتقدم بالخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام بالرغم من التوجهات العامة التي أقرت باتفاق الشاطئ. هناك عقبات والكل يدرك ذلك، وهناك تمسك بالسلطة الفعلية من قبل حماس والدلائل على ذلك كثيرة، ولكن ذلك لا يعطي مبرراً مقنعاً بالدور الذي تقوم به الحكومة الحالية للتغلب على هذه العقبات. لا توجد خارطة طريق ولا تقدم على أيّ من المحاور الكفيلة بحل جبل من العقبات طيلة سنوات سبع عجاف من الانقسام.
** إن الحل الذي يشكل مدخلاً لمواجهة العقبات بشجاعة وإقدام هو بتشكيل حكومة تحالف وطني تشارك بها القوى مع كفاءات مهنية ومستقلة تعمل على سدّ الثغرات الراهنة، وتذهب باتجاه التحضير لإجراء انتخابات شاملة بالتنسيق والتوافق والالتزام بقرارات اللجنة التنفيذية وخاصة بعد اتخاذ القرارات الأخيرة الصادرة عن المجلس المركزي الفلسطيني..