حاوره: أحمد زكارنة
"أنا لا أومن منذ 14 قرناً أن الحكم باسم الدين يمكن أن يفرز ديمقراطية لأن الدين فكر عمودي وشمولي في حين أن الديمقراطية فكر نسبي" هذه بعض أفكار ضيفنا في هذا الحوار، الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد، والمعروف شعرياً باسم "أولاد أحمد".
وهو تونسي الهوية، فلسطيني الهوى، من مواليد منطقة سيدي بوزيد، أي منطقة الشعلة، شعلة الثورة، تلك التي كتبها أولاد أحمد تحت عنوان "القيادة الشعرية للثورة التونسية".
وأولاد أحمد كاتب وشاعر متمرد بطبعه وطبيعته، عرف فلسطين وعاشها قبل أن يصلها، فأحبها، لتُحبه هي بدورها.. عندما حضر إليها للمرة الأولى قبل قرابة الشهر من الزمن، كانت فلسطين وكما هي تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاماً، تشهد أحداثاً شبه يومية ليس أفظعها استشهاد الوزير الشهيد زياد أبو عين، وإنما كانت لا تزال تتذكر حرق الفتى محمد أبو حضر حياً، فما كان من أولاد أحمد الذي حضر إليها بدعوة من متحف محمود درويش إلا أن يحاول أن يعيش المأساة الفلسطينية التي لطالما سمع عنها وكتبه في تفاصيلها، ليحياها ولو مرة واحدة في العمر.
أولاد أحمد وخلال زيارته لفلسطين كان لنا معه هذا الحوار الذي تمحور حول الشعر وفعله الثوري إن جاز القول.
- شاعرنا العزيز أولاد أحمد حينما تقول: "دليلي على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وتكتب هذا النص ويتحدث عن مسألة الدقيقة" السؤال اليوم والحديث كان عن الراحل محمود درويش، اليوم وأنت على أرض فلسطين، هل اختلف الدليل؟ هل باتت هناك أدلة أخرى إضافية؟ حدثنا عن اللقاء بالمحبوبة فلسطين.
طبعاً نحن الآن على بعد عدة أمتار من متحف السكاكيني الذي كان لمحمود درويش، مكتب فيه، في هذا المكان ونحن غير بعيدين أيضاً عن متحف درويش، وأنا عمري 60 سنة، أي أنني أصغر من النكبة بـ 12 عاماً، ولكن فلسطين كانت دائماً حاضرة في قلبي وكتاباتي، وعند التونسيين والمغاربة بشكل عام لا يمر أسبوع أو أسبوعان إلا وتكون هناك مسيرة أو تظاهرة أو وقفة تضامنية مع شعب فلسطين.
وتونس لها شهداء مشتركين مع فلسطينيين في حمام الشط، عندما كنت أعمل في دار الثقافة 1985 مرت الطائرات الإسرائيلية من فوقنا، لتضرب الأخوة الفلسطينيين وامتزجت دماء الفلسطينيين والتونسيين في تونس، وهناك الكثير من الفلسطينيين يعيشون في تونس والعكس. إذن فلسطين قضية التونسيين بامتياز.
شعوري وأنا أدخل فلسطين وأعبر المعابر وأتجول في رام الله وبيت لحم والقرى المجاورة، هو شعور من يكتشف بدايات التكوين الإنساني، ففلسطين أسطوره في التاريخ وأسطورة في مجمل النضالات التي تخوضها، واليوم استشهد أحد الوزراء الذي كان يتظاهر بشكل سلمي ضد الاستيطان ونحن التونسيون دائماً مع الفلسطينيين في قضاياهم العادلة.
- هذه المفارقة التي تحدثت عنها وهي اسشتهاد القائد الفلسطيني زياد أبو عين وهو يزرع شجرة الزيتون بشكل سلمي فيرد عليه بالقتل، كيف للشاعر أن يقرأ هكذا مشهدية؟
الحقيقه ما وقع للشهيد أبو عين رمزي بأتم معنى الكلمة، فهناك جدار من الإسمنت، الإسمنت لا علاقه له بالأرض والفلاحة والزراعة، وهذا الوزير ومن معه كانوا يزرعون شجرة الزيتون بالقرب من الجدار، مما يدل على عمق الانتماء لفلسطين، فيما إسرائيل لا تزرع سوى الإسمنت المسلح الذي يردهم إلى "الجيتو" فهم يخافون من الشجر والحجر والبشر، ولذا أقول ليتواصل هذا النضال إلى أن تتحقق أهداف القضية الفلسطينية.
- أولاد أحمد وأنت تقول: "لم يدعِ أحد منا أنه شاعر، بل يمكن الجزم دون الوقوع في أي من الأخطاء الفادحة، أن نسمى الفاعل من شعر كان من وسواس النُحاة ومن حاجة المستهلكين إلى تسمية البضاعة". محمد الصغير أولاد أحمد وبالقرب من عقده السادس بم يعرف نفسه وفعله؟
أعرف نفسي أنني من الجنوب التونسي، وتحديداً من مدينة سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة الثورة، عبر حدث رمزي هو احتراق محمد البوعزيزي، لتسافر هذه الثورة إلى العديد من البلدان العربية، التي عانت طويلاً من الاستبداد.
ولدت هناك ودرست هناك، ثم انتقلت إلى العاصمة حيث كنت أراسل جريدة محلية، ثم بعد ذلك وفي سن 25 بدأت أكتب الشعر في تحدٍ عندما شاهدت شعراء بالمقهى يكتبون شعراً، قائلاً: "إذا كان هذا هو الشعر، فلماذا لا أكتب الشعر".
إذن دخلت الشعر بقرار شخصي، فيما لم أكن أعلم إن كنت مؤهلاً أم لا، ولكن منذ تلك اللحظة قرأت الكثير من الشعر العربي القديم والحديث والأوربي والإنساني، والآن أكتب الشعر والنثر وأساهم في فعاليات المجتمع المدني والسياسي لإنقاذ الثورة التونسية، لأن الكثير من الثورات العربية حادت عن مسارها أو خدعت أو قبرت، وكنت وما زلت سعيداً بأنه وخلال الثورة كانت هناك الكثير من أبيات الشعراء ومنها شعارات كتبت على الحيطان وعلى اليافطات أثناء الثورة.
إذن الشعر أيضاً ساهم لما له من تكثيف وقرب للفهم.. وقد صدر لي كتاب بعنوان القيادة الشعرية للثورة التونسية.. وهذا العنوان جاء لأن الأحزاب السياسية جميعها تقول إن الثورة لم يقدها أي زعيم أو حزب، وإنما كانت تلقائية، ليأتي السؤال إذن من قادها؟ أنا افترضت في كتابي أن بيت أبي القاسم الشابي، "إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، هذا البيت وقع الاشتقاقات منه مثل، الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد إسقاط الحكومة، ما يعني أن الشعر كان حاضراً وعلاقة الشعر والشعب علاقة حميمية.
- الآن وأنت تتحدث عن الشعر، "وما الشعر؟ لنقل إنه تخمين لغوي هدفه إعانة السلطة على السقوط"، انطلاقاً من هذا المقطع، ما هي رؤية أولاد أحمد لهدف الشعر والشاعر بشكل عام؟
يعني في بداياتنا، وهي كانت بدايات أيدولوجية بشكل عام، كنا نعتقد أن الشعر يسقط أنظمة كأنك تقول كن فيكون، ولكن بعد ذلك تبين أنه لا يكفي أن يكون الشعر شعاراتياً، بل لا بد له من شغل جمالي وعميق.. علماً بأنني لست ضد السلطة بمعنى الإطلاق، بل أؤكد هنا أن الشعر أصبح سلطة، محمود درويش مثلاً كان سلطة شعرية، مثلما كان نزار قباني وغيره.
وأنا أقصد بالسلطة عند العرب، وهو أن هناك تسلط وسوء استعمال للسلطة، ومهمة الشعر هي نقدية ودفاع عن الحرية، إذن الشعر سلطة تواجه سلطات أخرى منها السلطة الدينية والسياسية، لأن الشعر دائماً أقرب إلى الشعب بمفهومه الشامل.
فما حدث في الثورة التونسية مثلاً أن الشعب كله خرج إلى الشارع وأسقط نظاماً، وهو ما كان يدعو له الشعر من قبل، ولذلك الشعر الآن يعيش هدنة لأن الشعر قام بواجبه.
- سنتوقف عن كتابك الأخير المعنون بـ "القيادة الشعرية للثورة التونسية، ولكن لا يستقيم أن نكون في حضرة الشاعر ولا نسمع شعراً.
ونحن في فلسطين وأشعر أن هناك بوادر انتفاضة جديدة، أتذكر أنني كتبت قصيدة بعنوان حركات فلسطينية.
"حجر يرفرف في الشجر
حجر يطير إذا رميت له حجر..
حجر يسيل مع المياه إلى نواة في الحفر
حجر بحجم الكف، نهد حبيبتي أو كلما لاطفته طلع القمر
حجر يدُلك في السفر
حجر لنعبد من نشاء من التماثيل المقامة من حجر..
حجر لنرجم من نشاء، إذا وجدوا على أنثى ذكر
حجر قُطيرات المطر
حجر بيوت الله، ادخلها ولا تسرق حجر..
حجر سجون العصر، هدمها ولا تترك حجر..
حجر لنكتب فوقه، متنا هنا، وهنا سينبت من مفاصلنا الزهر
حجر يحط على الجنود وينفجر
حجر لتحرير الحجر
حجر ينادي
يا حجر هذه بلادي وأنا وحيد كالحجر".
- في إحدى كتاباتك تقول: "إن صعود اللهجة العامية إلى الواجهة تزامن مع صعود العامة إلى ساحة المقاومة فهي اللغة التي تشبههم لأنها لغتهم"، السؤال أين يلتقي هذا القول مع فكرة وعنوان إصدارك الجديد "القيادة الشعرية للثورة التونسية"؟
القيادة الشعرية هو كتاب يوميات الثورة بدليل أن كله مؤرخ، وهو موزع على ثلاثة أجناس، هناك مقالات وقصائد كتبتها عن الثورة، وأيضاً هناك التغريدات الفيسبوكية، وأعتقد أن الثورة التونسية هي أول ثورة في القرن الحادي والعشرين، ما بعد الحداثة، لأنها استعملت الوسائل التكنولوجية، من هنا نفهم لماذا سقط النظام التونسي في ظرف 29 يوماً فقط، ولماذا أزيح النظام المصري السابق في 19 يوم لولا هذه الوسائل التكنولوجية. إذن كل ثورة تبحث لها عن أدولت جديدة.
- يمكننا القول إن المسألة هي مسألة عكسية، هي قيادة الشعب بالمفهوم الشعري للثورة بما تلتقطه من الجماهير؟
الشعر هو في الحقيقة، مجموعة من الأخيلة أو الصور التي تنادي بالحرية وتحاول أن تجعل الحياة ممكنة، ليس هناك شعر يدعو إلى القتل أو الإرهاب، الشعر مثله مثل الفن يعمل في منطقة الحلم والثورة حلم لأنها تقوم أساساً على قطع الماضي الاستبدادي وتنادي بالحياة والعدالة لتبشر بحياة أفضل. إذن الثورة هي عمل شعري ولكن شعبي وكلي.
- مورست عليك أشكال عدة من الرقابة في منتصف ثماننيات القرن الماضي، منع ديوانك "نشيد الأيام الستة" سجنت فترة وطردت من عملك وشوهت كتاباتك بالاجتزاء وكتبت هذا أنا لا يقرأ البوليس نصي في الجريدة ناقصاً... إلخ، السؤال: بعد مرور الأول لما يسمى بالربيع العربي كيف يجد أولاد أحمد سقوف الحريات في المنطقة العربية؟
بالإضافة لما تفضلت، وقع تكفيري من عدة شيوخ منهم يوسف القرضاوي، وأنا سعيد الآن بملاحقة الإنتربول له، وهو الذي دعى إلى القتل، وهنالك آلاف الناس يموتون بسبب هذه الفتاوى التي أضرت بالإسلام والمسلمين وشوهت صورتهم، الثورة حققت الحرية ولا رجعة عنها، ما يعني أنه أمام الشعب تحديات كبرى، المشكلة الآن في المجتمع ذاته، ولذلك أنا أعاني من مسائل أمنية في حياتي اليومية، كالكثير من المثقفين والفنانين يتجولون تحت حراسة أمنية، ليس خوفاً من السلطة، وإنما خوفاً من الناس الذين تحركهم بعض السلطات الدينية خصوصاً الإسلام السياسي الذي لم ينتج في حياته فناً في مجال من الفنون، بل أن الفنون تكاد أن تكون حراماً عند هذا النوع من الإسلام السياسي، ولذا أقول بعد هذه الثورات: إن على الشاعر أولاً أن يواصل عمله حتى تحقق هذه الثورات أهدافها، ثم أن يتفرغ إلى مشروعه الشعري ليحفر وينحت، ليجد تعبيراً وأساليب معمقة.
- على ذكر التابوهات، في إحدى قصائدك تقول: "صورة البقرة وقد أصبحت عجلاً في التأويل" كيف ينظر أولاد أحمد اليوم إلى فكرة التأويل؟
أنا ليس لي مشكلة فقط مع رجال الدين، بل لي مشكلة مع نقاد الأدب ونقاد الشعر لأن أغلبهم يبدأون بالتأويل، دون أن يقرأـوا النص، وكأن النقاد يكتبون أفكارهم بغض النظر عن النصوص التي يقرؤنها، وهذا أيضاً يحدث مع من نسميهم رجال الدين، فهم لا يقرأون النص الشعري بشروط الشعر. ولذا أنا مع قراءة النص وليس مع التأويل، فثمة معانٍ تحتمل أكثر من معنى وتأويل.
- لو تحدثنا عن جدلية العلاقة بين الشعر والثورة أنت تقول: أنا لا أومن منذ 14 قرناً أن الحكم باسم الدين يمكن أن يفرز ديمقراطية لأن الدين فكر عمودي وشمولي في حين أن الديمقراطية فكر أفقي ونسبي، وتضيف أن الإسلاميين سرقوا الثورة فلا يؤمنون بعلم البلاد وحدودها ونشيدها، وأن الإخوان المسلمين طائفة خطيرة" هل تعتقد أن الثورة هي ثورة شعارات وأقوال أم هي ثورة أفعال ومجابهه؟
أعتقد أن 14 قرناً من الإسلام السياسي الذي عشناه، منها خمسة قرون مع العثمانيين المساهمين الآن عبر تركيا في التصدي لهذه الثورات وجعلها لا تنجح، أعتقد أن 14 قرناً لم نعش أي لحظة ديمقراطية، فمن يحكم باسم الدين كأنه يحكم باسم الله وهذا نوع بين قوسين "من الكفر".
الإيجابي في هذه الثورات، أنها مكنت الإسلاميين أن يحكموا على الرغم من أن هؤلاء الإسلاميين ليسوا أكثر إسلاماً من بقية الشعوب، وتمكنوا من الحكم، رغم أنهم لم يساهموا في الثورة، ورغم أن الخروج على الحاكم حرام شرعاً في مفاهيمهم وأدبياتهم.. هم حكموا فتبين أنهم لا يحسنون إدارة الدولة وقسموا المجتمعات حيثما حلوا إلى طائفتين "الكفار والمسلمين".. حرقوا علم البلاد في تونس فكتبت نصاً في كتابي "القيادة الشعرية" بأنها حكومة احتلال، وأنا الآن في فلسطين لا أرى فارقاً حقيقياً بينهم وبين ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، فالاحتلال هو قيام دولة أو ناس باحتلال أراضي آخرين ويريدون إبدال ثقافتهم، وكذا الإسلاميين يريدون إدخال الإسلام على مجتمعات مسلمة رغم وجوده.
هل لنا أن نسمع جزءً آخر من الشعر وأنت التونسي دفعة واحدة:
نحب البلاد
كما لا يحب
البلاد أحد
صباحا، مساء
وقبل الصباح
وبعد المساء
ويوم الأحد
ولو قتلونا، كما قتلونا
ولو شردونا كما شرودنا
لعدنا غزاة لهذا البلد
وعاد إلى أرضنا الشجر
وعاد إلى ليلنا القمر
وصاح الشهيد
سلامٌ، سلامٌ على من صمد
نحب البلاد لكي لا يحب البلاد أحد
ولو قتلونا
كما قتلونا
ولو شردونا كما شرودنا
لعدنا غزاة لنفس البلد
- القول السائد هذه الأيام الشعر يذوب بين الفنون، إن كان هذا القول نتيجة فما هي الأسباب؟
الشعر قبل أن يكون في اللغة أو القصيدة أو في الديوان فهو منتشر في الحياة، فعندما تذهب إلى السوق والشارع تسمع جملاً وتعابير شعرية، إذن الشعر هو الجمال المبثوث في الطبيعة وفي حياة الناس ومعاملاتهم، ولكن لا بد من معالجة شاملة ومن نسق ومن بناء، إذن الشعر أشمل من القصيدة، ونحن نكتب قصائد، والقصيدة ليست كلها شعر خالص. ولذلك عندنا تقرأ لشعراء تتذكر بيت أو بيتين فتبقى في الذاكرة، وأحياناً تقرأ قصيدة كاملة لكي تعثر على بيت يحفظ ويبقى في التاريخ.
هذا الشعر إذا كان ديوان العرب وخلاصة لغة العرب، فلماذا لم يشيدوا له بيتاً عدى ما نحته الشعراء من جلدهم، بهذا المفهوم رحت تعمل على فكرة إطلاق ما يعرف اليوم باسم "بيت الشعر في العام 1990، بعد مرور ربع قرن إلى أي مدى تعتقد أن الفكرة خدمت المشروع الشعري العربي بشكل عام؟
أنا زرت فرنسا في التسعينات وشاهدت سوقاً للشعر تباع فيه الكتب وتقام الحفلات كاملة حول الشعر، فتساءلت كيف في أوروبا هناك أسواق وبيوت للشعر فقلت لماذا؟ وهو ما ذكرني بسوق عكاظ، فدعوت إلى تأسيس بيت للشعر عام 1993، ثم أصبح تقليداً عربياً في المغرب والأردن والسعودية وفلسطين، واشتغلت أربع سنوات ودعوت الشاعر محمود درويش عام 1995 وأقمت حوله ندوة شارك فيها نقاد وكتاب وشعراء، ومن ثم اختلفت مع وزير الثقافة والحكومة آنذاك، ولا أعرف إلى أي مدى حافظ المشروع على خدمة الشعر والشعراء. إقامة مؤسسة حتى نحفظ الذاكرة الشعرية الصوتية والمقروءة إضافة إلى الأنشطة والترجمات.
- عن هذه العلاقة باستضافتك بدرويش وعلاقة التونسي بالفلسطيني والاستفادة التي تحدثت عنها في ندوتك في متحف محمود درويش، أين الالتقاء من هذه الاستفاده بين الطرفين؟
نحن استفدنا لأن جيلنا أصبح لا يكتب القصيدة بمعناها المحلي فقط بل بمستواها الشمولي العربي، والأخوة الفلسطينيون ونظراً لقربنا من أوربا استفادوا من ترجمة الشعر الفرنسي والشعر الأوروبي ووقع هذا التماس، فهناك استفادة من الجهتين لصالح القصيدة العربية الحديثة.
- الموت والمكان والمسائل كلها مصطلحات تستخدمها في كتاباتك، والكتابة هي ردة فعل القراءة، إلى أي مدرسة ينتمي أولاد أحمد في القراءة؟
عندما أقرأ إلى نيتشة والمتنبي، أقرأ بجسدي كاملاً وليس بعيني فقط.. النصوص الشعرية التي لا تحرك كيانك وجسدك وتستطيع أن تبكي وترقص وأنت تقرأ هي ليست نصوصاً إبداعية. أحياناً الكتاب يغير حياتك ويخلخل الكيان أياً كان الجنس، فأحياناً قراءاتي فلسفية وتاريخية، وأحياناً من الشارع.
- أنت المتهم بالشعر وأنت من "سجل في محضر الاتهام اعتراضاً" اليوم وأنت هنا في فلسطين، ما الذي يمكن أن تسجله في لائحة الاتهام أو الاعتراض؟
أعتقد أن الجنس البشري برمته من ناحية فكرية هو جنس قاسٍ أكثر إيلاماً ووحشية من الحيوان، فالحيوان يكتفي بفريسة ولا يبحث عن فريسة أخرى في الوقت ذاته، فيما تاريخ البشر هو تاريخ حروب واستبداد وتجويع ومصادرة.
هنا في فلسطين لاحظت أن المسافات بين المدن قريبة ولكن الاستيطان والجدران جعلها بعيدة، أعتقد أنه على الأمم المتحدة وأوربا أن تسارع بإيجاد حل للفلسطينيين الذين أغلبهم في الشتات، لنشاهد فلسطين مستقلة كما تريد ويردها أهلها.
- ما الكلمة التي توجها للشعب الفلسطيني شعراً؟
أقول رفعاً للمعنويات دائماً:
الرّيحُ آتية
وبيوتُهم قشّ
والكفّ عالية
وزجاجهم هشّ
لا تحزنُوا أبدا
يا إخوتي أبدا
إن شرّدوا طيرا
يمضي لهُ العشّ
وأقول أيضاً:
سرقوا كتابي
ثم ابني
ثم خبزي
ثم ماذا
والقمر
لم يبقى لي
غير الحجر
ويديي والمقلاع
من منهم يبارزني اذن
واعيدها، خلفي ملايين النساء
تمدني بالصخر والحصباء
بل خلفي الجبال جميعها
وحبيبتي
او عقدها خرزا لمقلاعي
اذا سرقوا الحجر.