أمام تشكيل قائمة عربية موحدة ينتظر الناخب الفلسطيني القاطن في داخل أراضي الـ48 بفارغ الصبر إلى ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات، والتي تخاض لأول مرة بقائمة عربية موحدة يتزايد حولها زخم التأييد والدعم والمساندة يوما بعد يوم. وذهب البعض للقول إلى أن أيمن عودة، رئيس القائمة الموحدة، سيصبح ثالث أهم رجل في إسرائيل فيما لو حازت القائمة على الخمسة عشر مقعدا المؤمل لها أن تحصل عليهم.
وبين معارض ومشكك، ومؤيد بشدة وآخر على خجل، تبحر سفينة القائمة الموحدة نحو الانتخابات، بثبات تحمل شعارات تمازج بين الانتماء القومي والمواطنة في الشأن النضالي المطلبي التي يترتب عليها أمور كثيرة لطالما عانى منها أبناؤنا وأهلنا في الداخل دونما ندري أو نعرف حدود هذه المعاناة أو معناها أو سببها. فحالهم دائما كان مغيبا، بل وكان ينظر إليهم بغرابة أو حسد كونهم يتمتعون بامتيازات، تشابه لمن لا يعرف التفاصيل بدقة، المزايا التي يتمتع بها الإسرائيلي.
أما الآن وبعد تكشف وانجلاء عنصرية الكيان الصهيوني بوضوح، أصبحت معاناة وواقع الفلسطينيون في أراضي الـ48 أكثر سطوعا، وظهر قدر تحملهم للعنصرية والتمييز، والتقصير، والتجهيل، والترحيل، والإرهاب، والزعرنة، والإسقاط، والاقتلاع، حيث وصل الأمر في البعض إلى المجاهرة بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة بل وأقل من ذلك بكثير، وأنهم سكان لا مواطنون خصوصا حينما طرح موضوع يهودية الدولة.
كل ذلك من أسباب مضافا إليها رفع نسبة الحسم للقوائم، استدعى من الجمهور الفلسطيني في الـ48 أن يلتقط زمام المبادرة والتوحد في قائمة واحدة، ربما توحدا مرحليا حتى اللحظة، ولكنه يؤسس إلى عمل مشترك ضمن برنامج وطني يعيد الاعتبار لقدرة الجماهير العربية على الفعل والتأثير وربما إعادة التوجيه لدفة بعض الأمور، كل ذلك يحدث بوعي قيادي وجماهيري غير مسبوق للأسباب والتداعيات والنتائج، كما أنه غير مسبوق بحجم عمق الوعي القومي لجذور القضية الفلسطينية ومراحلها وإدراك جيد لدورهم في سلسلة النضال ضد همجية وعنصرية وفاشية الاحتلال ودوره الهدام في المنطقة.
أدرك فلسطينيو الـ48 أنهم ليسوا صوتا انتخابيا فقط، بل هم جزء من هذا الشعب المشرد، والذي عانى من الويلات لفترات طويلة. وجربوا مقاطعة التصويت، أو التصويت لأحزاب يسارية أو يمينية أو قوائم عربية مشتتة، وكل ذلك لم يسعفهم لا مطلبيا ولا حياتيا، ولا قوميا وبقي الفلسطيني هناك متلقيا لما تقوم به الحكومات الإسرائيلية وعلى اختلافها من قمع يمارس ضد الفلسطينيين على كل الساحات دونما قدرة فاعلة في التأثير في مجريات الأمور. وفي مقابل محدودية هذا الدور، تعاظم هدف تصفية القضية الفلسطينية وأصبح يجمع الكم الأكبر من الإسرائيليين على اختلاف أحزابهم وأثبتت الغالبية العظمى من هذه الأحزاب وبالممارسة بأنها ليست مستعدة للموافقة على أي تسوية توفر الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، سواء حق العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة صاحبة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67، وعاصمتها القدس، وتحقيق المطالب الحياتية لفلسطينيي الـ48 بالعدل والمساواة وإنهاء فكرة قيام المواطنة على المرجعية الدينية بشكل لا رجعة عنه.
بعض الأصوات دعت إلى مقاطعة الانتخابات، وعدم الترشح أو التصويت كون ذلك يعطي شرعية لما يسمى الديمقراطية الإسرائيلية الوهمية، ولسبل إدارة هذا الكيان العنصري، وبالرغم من تفهمي لمنابع هذه النداءات، إلا أنني أختلف معها في هذا الموقف، حيث أن لفلسطينيي الـ48 واقع خاص، ولهم ما يميزهم من هامش العمل ضمن ما يسمى قانون الحريات (الشكلي في جوهره حين يطبق على الفلسطينيين) إلا أن هذه الجماهير بحاجة إلى من يتحدث باسمها، ويرفع راية خصوصية معاناتها، وينادي بحقوقها المدنية، ويدافع عن وجودها القومي وانتماءاتها وتاريخها وحضارتها، وحتى لغتها التي تستهدف كما يستهدف الحجر والشجر والمواطن والتراث وغير ذلك الكثير، وعليه كان لزاما على هذه الجماهير أن تبلور قيادة وطنية جذرية قادرة على الدفاع عنها وعن حقوقها.
إن الانكفاء الذاتي الداخلي وعدم المشاركة في المعترك السياسي لم يحقق للفلسطينيين في الداخل أيا من حقوقهم، وبقوا كتلة سكانية تعيش على هامش العمل السياسي دون تأثير حقيقي، ولم يستطيعوا بلورة بديل عن الانخراط في ما يسمى دولة الاحتلال، هم قبلوا المواطنة داخل إسرائيل، دونما التنازل عن قوميتهم وانتمائهم العربي الفلسطيني الأصيل، ولم يشكلوا دولة لهم داخل دولة كحال حركة ناطوري كارتا، ولم يرفضوا حمل الهوية الإسرائيلية كما فعل فلسطينيو الجولان، ولم يكن لهم نصيب من التمثيل المكتمل والكافي لقضاياهم وهمومهم خصوصا مع تراجع دور منظمة التحرير في تمثيل الجمع الفلسطيني في أماكن تواجده وانحسار دورها في الدفاع عن قضاياه الاستراتيجية واليومية، وربما بمواجهة هذا كله آن الأوان لتصحيح الأمور، والبدء بخطوات عملية تعيد الاعتبار لهم ولدورهم الواعي والنابض بحب هذه الأرض والإيمان بعدالة القضية وتفعيل دورهم ربما في مضايقة المشاريع الصهيونية العنصرية ومحاصرتها من الداخل والسعي لعدم تمريرها وكذلك العمل الدؤوب والممنهج لوقف ممارسات العنصرية والتهميش بحق فلسطينيي الـ48 والمناداة بضرورة تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وفضح الوجه العنصري للكيان.
إن تشكيل قائمة موحده ربما يعطي الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم بارقة أمل أن الوحدة سبيل لتحقيق المآرب والأماني والنصر لاحقا، وربما تكون درسا تنظر إليه الفصائل الفلسطينية المتحاربة لعلها تستلهم منه الدروس والعبر، وهنا لا بد من الإشارة إلى وجوب عدم التوغل في التفاؤل في حجم انتصار القائمة الموحدة، بل يجب العمل على أن تكون التوقعات واقعية حتى لا تكون للتجربة آثار عكسية تلاحق جماهيرنا الراغبة في الوحدة والتوحد لسنوات مقبلة، ويجب النظر إلى أن أي نتيجة هي نصر، والفارق في نظرتنا ستكون هي أن نحقق نصرا أو نصرا كبيرا، كون تشكيل القائمة الموحدة وإيجاد القواسم المشتركة هو نصر بحد ذاته قبل حتى خوض المعركة الانتخابية. والمطلوب من الآن فصاعدا، العمل على تجذير أسس هذه الوحدة وبلورة برامج مطلبية حياتية تعزز من حقوق المواطن الفلسطيني وتعمل على الحفاظ على القومية العربية الفلسطينية وتعمل على تعزيز التكامل والتعاون التنسيقي السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي مع القيادة الفلسطينية، ومع باقي المواطنين القاطنين عبر الحدود الوهمية وخلف الحواجز والجدران الاسمنتية العنصرية.
وعلى القائمين على الأحزاب العربية التي توحدت أن يساهموا عبر نضال متراكم نوعي وفاعل في تبيان أن امام إسرائيل عدد محدود من الخيارات فإما الانسحاب من أراضي عام 1967 وتحقيق حل الدولتين بعودة اللاجئين وغيرها من الحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق والقرارات الدولية أو حل الدولة الواحدة القائم على المساواة والعدالة الاجتماعية، واللافظ للعنصرية والمناهض للاستيطان.
أمانة كبرى سيحمل رايتها من تطوع لخوض الانتخابات أفرادا وأحزابا، وما يحتاجونه اليوم ليس الادعاء بالتوفيق فقط، بل عمل دؤوب وحشد ومناصرة ودعم حتى تتحقق الأماني وتصبح واقعا مشرقا.