الحدث الاقتصادي
موت ثمانية ملايين شخص قبل أوانهم كل عام من الأمراض المرتبطة بالتدخين على الرغم من كل الجهود المبذولة للسيطرة على عادة التدخين. وبالرغم من الآثار الصحية الضارة للتدخين التقليدي والمعروفة منذ عقود، لايزال هناك أكثر من مليار شخص مدخن على مستوى العالم، وما زال العدد الإجمالي للمدخنين في تزايد. ويمكن الاستدلال على ذلك بالواقع في الاتحاد الأوروبي؛ حيث يعد تدخين التبغ المسبب الرئيس للوفيات الناجمة عن السرطان المرتبط به، والذي يمكن الوقاية منه؛ حيث ترتبط ما نسبته 27%من جميع وفيات السرطان بالتدخين، علماً بانه يمكن تقليل عدد حالات الإصابة بسرطان الرئة بنسبة تصل إلى 90% إذا تمّ الحدّ من تدخين التبغ. والسؤال هنا، هل الإقلاع عن التدخين التقليدي هو السبيل الوحيد لعدم الإصابة بسرطان الرئة، وهل هو هو الخيار الوحيد للمدخنين؟ إنه بالتأكيد هو أفضل طريقة على الإطلاق، ولكن كيف ذلك؟ يعدّ الإقلاع عن التدخين والوقاية منه من أكثر الأساليب تأثيراً وفعالية من حيث التكلفة في الطب، وعلى الجميع الالتزام بمواصلة العمل الجاد لرفع مستوى الوعي لدى الأشخاص وخاصة المدخنين بشأن الآثار الضارة للتدخين.
يعتقد العلماء من جميع أنحاء العالم أنه يجب إعادة تشكيل استراتيجيات مكافحة التدخين لتشمل استراتيجية وسياسة الحدّ من الضرر باستخدام منتجات بديلة، يحتمل أن تكون أقل خطورة، بالإضافة إلى اللجوء إلى تدابير وإجراءات محفزة للإقلاع عن التدخين التقليدي. ومن هنا، فقد تأسست "الجمعية العالمية لمكافحة التدخين والحدّ من الضرر" (SCOHRE)، في شهر تشرين الأول الماضي لخدمة هذا الغرض، إذْ يرتكز عملها على أسس عدّة منها: توفير الأدلة العلمية بما في ذلك تبادل ونشر أحدث البيانات والمعلومات العلمية، وتحديد الثغرات البحثية والتحقق المستقل من بيانات صناعة التبغ. وتتألف الجمعية من خبراء دوليين في مكافحة التدخين والحد من الأضرار، بما في ذلك العلماء والأطباء وخبراء السياسات والخبراء المختصين بالسلوك والأكاديميين والمهنيين، للمساعدة في التوصل إلى نهج جديد أوسع لسياسات مكافحة التدخين.
وتشير الأدلة إلى أن استخدام المنتجات البديلة للدخان قد تكون أقل ضرراً من السجائر، والحل الأنسب للمدخنين الذين لا يرغبون أو لا يستطيعون الإقلاع عن التدخين بالطرق المعتمدة حالياً؛ إذْ تعمل هذه المنتجات على تقليص نسبة استهلاك المواد الضارة بما فيها النيكوتين الذي يلعب دوراً ثانوياً في حالات الوفاة المرتبطة بالتدخين. وبالرغم من أن السلطات التنظيمية كانت قد توجّهت في السنوات القليلة الماضية نحو المزيد من السماح ببيع منتجات التبغ البديلة التي يحتمل أن تكون أقل خطورة، إلا أن الحاجة اليوم ماسة للاعتراف بأن النقاش حول الحد من أضرار التبغ لا يزال متواضعاً، وأن هناك حاجة إلى مزيد من البحوث والمنشورات لزيادة الوعي والمعرفة لدى الأشخاص من جهة، وتزويد خبراء الصحة والجهات المنظمة بالمزيد من البيانات والأدلة، لتتمكن الجمعية من بدء حوارات مفتوحة تهدف للمساعدة في التوصل إلى نهج جديد أوسع وأشمل لسياسات مكافحة التدخين.
وفي تعليق له على مفهوم الحدّ من الضرر، قال أستاذ الطب النفسي في جامعة سيفاكو ماكغاتو للعلوم الصحية (2003-2019)، ورئيس اللجنة الاستشارية الوزارية للصحة العقلية في جنوب أفريقيا، وأحد مؤسسي "الجمعية العالمية لمكافحة التدخين والحد من الضرر" (SCOHRE)، البروفيسور سولومون راتيماني: "مفهوم الحد من الضرر هو استراتيجية قوية للصحة العامة، وهو مفهوم ينطبق على المناطق التي توجد فيها حاجة لتقليل الضرر المرتبط بممارسة أو استخدام مادة مفرطة الاستخدام في المجتمع مما يؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات. إنه مستقبل مفهوم الحد من أضرار التبغ."
ومن جانبه قال الأستاذ المساعد في جامعة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية، وباحث أول في جامعة باتراس وكلية الصحة العامة، جامعة غرب أتيكا-اليونان، وعضو مؤسس في "الجمعية العالمية لمكافحة التدخين والحد من الضرر" (SCOHRE)، كونستانتينوس فارسالينوس: "تطمح "الجمعية العالمية لمكافحة التدخين والحد من الضرر" (SCOHRE) لملء الفجوة بين مكافحة التدخين والحد من أضرار التبغ. هذه استراتيجيات تكميلية وليست متناقضة، ويجب دمجها من أجل تحقيق الحد الأقصى المرتجى من مفهوم الحد من انتشار التدخين على مستوى العالم. يوفر الدمج بين تدابير مكافحة التدخين التقليدية والحد من أضرار التبغ فرصة فريدة للقضاء على نسبة انتشار المرض والوفيات المرتبطة بالتدخين."