مع بدء ما يسمى بعيد الأنوار اليهودي " الحانوكاه" في العاشر من الشهر الحالي زادت وتيرة عمليات الإقتحام للأقصى بوتائر غير مسبوقة،حيث جرى تغيير مسار الإقتحامات وصلوات تلمودية توراتية علنية بين الأشجار في ساحات الأقصى وتمديد فترة الإقتحامات صباحاً وبعد الظهر ووضع شعمدانات ضخمة بالقرب من ابواب الأقصى،مطالبة الجماعات التلمودية والتوراتية بإدخالها الى المسجد الأقصى من أجل اداء طقوسها وصلواتها التلمودية في ساحاته،تحت ذريعة،كيف لا يسمح لهم باداء طقوسهم وصلواتهم فيما يسمونه المعبد وهو تحت السيطرة الإسرائيلية بعد الفي عام من الشتات والتشرد،وواضح من تركز الإقتحامات على باب الرحمة بأن الإستهداف يخص المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى والتي توازي ثلث مساحة المسجد الأقصى بهدف إقامة كنيس يهودي ضخم يتم الدخول اليه من باب الرحمة بعد الإستيلاء على جزء من مقبرة باب الرحمة وجزء من مقبرة اليوسفية التي تحتضن قبور شهداء الجيش الأردني والمجاهدين والعلماء،حيث تعمل بلدية الإحتلال تحت حراسة جيشها وشرطتها على هدم درج مقبرة اليوسفية،وهدم درج المقبرة اليوسفية والإستيلاء على جزء منها بالإضافة الى الجزء المستولى عليه من مقبرة باب الرحمة،الهدف منه إقامة حديقة تلمودية ومسارات توراتية،بحيث يجري ربط كامل المنطقة مع القصور الأموية المستولى عليها بإتجاه حائط البراق " المبكى"،والمخطط لإقامة الحدائق التلمودية والتوراتية،يشتمل أيضاً على حفر قواعد خرسانية لثلاثة عشر عموداً بإرتفاع 26 متراً لكي تشكل مساراً للقطار الطائر" التلفريك"والذي سيستخدم من أجل جلب الجماعات التلمودية والتوراتية والسياح بأعداد كبيرة،وهذا القطار الطائر سيمكن من مراقبة الحركة وكل ما يجري داخل المسجد الأقصى،ويضاف الى ذلك لتغيير المشهد الكلي وللتغطية على قباب المسجد الأقصى وحجبها،جرى إقامة اعداد كبيرة من الكنس والمباني التلمودية والتوراتية حول المسجد الأقصى،ولعل أضخمها اقامة المشروع التهويدي المسمى ب "جوهرة اسرائيل" باضافة توسعة الى الكنيس القائم قائمة على ارض وقف اسلامي وبناء اسلامي تاريخي بمساحة 1400م بناء طابقين تحت الأرض واربعة طوابق فوق الأرض وبإرتفاع 23 متراً عن الشارع وبتكلفة 48 مليون شيكل.
ما يجري تنفيذه من مشاريع ومخططات تلمودية وتوراتية وحفر انفاق حول الأقصى وأسفله،واقتحامات يومية بأعداد كبيرة،وإستهداف منطقة باب الرحمة يضعنا امام تساؤلات بأن صفقة القرن فيما يخص الأقصى باتت قريبة والحديث عن صلاة ابراهيم او ما يسمونه ابراهام استناداً الى اتفاقيات التطبيع التي تجري مع دول النظام الرسمي العربي بأن التقسيم المكاني للأقصى ليس بالبعيد والخشية بل المخاوف ان عملية التنفيذ ستجري بمشاركة عربية،فنحن شهدنا في عيد الأنوار اليهودي " الحانوكاه" هذا العام مشاركة وفد تطبيعي إمارتي – بحراني في إضاءة الشمعدان اليهودي في ساحة حائط البراق في القدس،وليس هذا فحسب،بل في ظل حالة "الإنهراق" والفجور التطبيعي العربي الرسمي،وجدنا وفود تطبيعية من أكثر من دولة مطبعة وبالذات الإمارات والبحرين،يدخلون خلسة الى المسجد الأقصى احياناً بلباس تنكري او في أوقات لا يكون فيها عدد كبير من المقدسيين في الأقصى وعبر البوابة التي يقتحم منها المستوطنين المسجد الأقصى تحت حماية وحراسة شرطة الإحتلال وجيشه،مما جعل المقدسيين يشبهون هذه الزيارات على انها مساوية لإقتحامات المستوطنين،حيث لم يجر تنسيق الزيارات مع الأوقاف،ولم يدخل هؤلاء الزائرين او الراغبين في الصلاة في المسجد الأقصى عبر بوابات الأقصى التي يدخل منها باقي المصلين او القادمين من دول إسلامية أتراك واندونسيين وغيرهم،ولكون هؤلاء القادمين اختاروا الدخول للأقصى من باب المغاربة المسيطر عليه والمتحكم به بشكل كلي الإسرائيليين،ولشعور المقدسيين بأن هؤلاء العرب وجهوا طعنة غادرة لشعبنا الفلسطيني ولنضالاته وتضحياته في علنية علاقاتهم التطبيعية مع دولة الإحتلال،لم يستوعبوا دخولهم للأقصى،حيث اعتبروهم بسلوكهم هذا مدنسين للأقصى،ولذلك تعرضوا للطرد والتهجم عليهم، ...نحن ندرك تماماً بأن استمرار دخول هؤلاء من بوابة باب المغاربة التي يتسلل منها المستوطنين إلى الأقصى بحماية شرطتهم وجيشهم،ربما يدفع الى تحديد اوقات معينة لدخولهم الى المسجد الأقصى، مما يعني المزيد من التقسيم الزماني للأقصى،ولذلك رغم النفي الأردني الفلسطيني،كانت هناك انباء تتحدث عن عقد لقاء رباعي فلسطيني- أردني – إماراتي- بحراني،من اجل ترتيب دخول هؤلاء الى المسجد الأقصى من البوابات التي يدخل منها باقي المصلين،ولعل القمة التي جمعت الملك الأردني وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد والملك البحراني حمد بن خليفة في ابو ظبي في السابع عشر من الشهر الفائت ناقشت هذه القضية.
الخطر الذي يواجه المسجد الأقصى جدي وحقيقي فالمحتل لا يسعى فقط لإيجاد موطىء قدم مكاني له في المسجد الأقصى،ولكن ما تضمنته صفقة القرن والإتفاقيات التطبيعية العلنية والمسماة بإتفاق ابراهام والحديث عن الصلاة الإسلامية – المسيحية – اليهودية،وتمكين كل اتباع الديانات من الوصول بحرية الى "المعبد" والمقصود هنا المسجد الأقصى،بأن ما ينتظر الأقصى تقسيم مكاني كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل،ولكن هذه المرة بتواطؤ ومشاركة عربية في العملية،ولذلك باتت مخاطر التطبيع العربي الرسمي العلني لا تنعكس فقط على قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا،وبأنها تشكل طعنة غادرة لنضالات وتضحيات شعبنا الفلسطيني،وهي كذلك تعبر عن ارتماء المطبعين في حضن دولة الإحتلال،وتشريع كل ما يقوم به من اجراءات وممارسات قمعية وتنكيلية بحق شعبنا الفلسطيني،والثمن هو فلسطين وشعبها وقضيتها وحقوقها ومقدساتها وفي المقدمة منها المسجد الأقصى.
نحن ندق نقوس الخطر،ونقول بأن مسألة التقسيم المكاني لم تعد سوى مسألة وقت،والصراع سيحتدم على هوية القسم الشرقي من المسجد الأقصى،وهل الكتلة الشعبية الكبيرة التي أفشلت مخطط ومشروع وضع البوابات الألكترونية على بوابات الأقصى في تموز/2017 ،عبر صلواتها في الشوارع والساحات العامة وبالقرب من بوابات الأقصى،وتحويلها لسجاجيد صلواتها الى سجاجيد مقاومة،يمكن لها ان تنجح في منع عملية التقسيم المكاني في ظل متغيرات كبرى في العالم والإقليم والمنطقة،حيث البيئة الحاضنة والبعد العربي الإسلامي،يعيش حالة وهن وضعف وإنهيار،بل وهناك بعض الأطراف العربية المطبعة باتت تتبنى الرواية الصهيونية،وتشكك في مكان وجود الأقصى وقدسيته.
نحن نراهن على الطاقة الكامنة الموجودة عند أبناء شعبنا الفلسطيني وإرادة اهل القدس وشعبنا واهلنا في الداخل الفلسطيني- 48 - ،وكذلك رغم حالة الإنهيار العربي،إلا أن ثقتنا بان شعوبنا العربية والإسلامية قادرة على النهوض وحماية مسرى رسولها محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه وقبلة المسلمين الأولى والمسجد الذي يعد واحداً من المساجد الثلاثة التي يشد الرحال اليها.