من الصعب تحديد ما إذا كان نتنياهو قد ورث عداء والده بلا خجل تجاه العرب، "الميل إلى الصراع في جوهر العرب، إنه عدو بطبيعته، شخصيته لا تسمح له بأي تسوية أو اتفاق"، ولكن ما كان مؤكداً بالنسبة لي أنه بنى شخصيته حول صورة القوي، ورسالة مفادها أن اليهود لا يستطيعون تحمل تكاليف التقوى الزائفة، فهم يعيشون في "محيط قاسي" وعليهم أن يكونوا قاسين. هذه الفلسفة جعلته يتماشى مع أكثر أعضاء الأيباك تشدداً إلى جانب المسؤولين الجمهوريين والأثرياء الأمريكيين اليمينيين. نتنياهو قد يكون ساحراً، أو على الأقل لطيفاً حينما يخدم ذلك مصالحه، فعلى سبيل المثال، جاء لمقابلتي في صالة مطار شيكاغو بعد فترة وجيزة من انتخابي لمجلس الشيوخ، حيث أشاد بموقفي في دعم مشروع قانون مؤيد لإسرائيل في الهيئة التشريعية لولاية إلينوي. رؤيته لنفسه على أنه رئيس المدافعين عن الشعب اليهودي ضد الكارثة، جعلته يبرر أي عمل من شأنه أن يبقيه في السلطة، إلى جانب ذلك؛ فإن معرفته وخبرته بالسياسة والإعلام الأمريكي أعطته الثقة بأنه قادر على مقاومة أي ضغوط قد تحاول أي إدارة ديمقراطية مثل إدارتي ممارستها عليه.
نقاشاتي المبكرة مع نتنياهو من خلال الهاتف أو خلال زياراته إلى واشنطن كانت جيدة بما يكفي بغض النظر عن اختلاف وجهات نظرنا للعالم. انصب أكثر اهتمامه على إيران باعتبارها وبحق أكثر تهديد أمني لإسرائيل، واتفقنا على تنسيق الجهود لمنع حصول طهران على السلاح النووي، لكن وعندما طرحت إمكانية استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين كان غير ملتزم قطعيا، قال: أريد أن أؤكد لك أن إسرائيل ترغب في السلام، ولكن السلام الحقيقي يجب أن يستجيب إلى احتياجات إسرائيل الأمنية، وأوضح لي أنه يَعتقد أن عباس على الأرجح غير راغب أو غير قادر على القيام بذلك، وهي نقطة كان يؤكد عليها في العلن. لقد فهمت وجهة نظره، فإذا كان إحجام نتنياهو عن الدخول في محادثات سلام نابع من القوة المتنامية لإسرائيل؛ فإن تَردد الرئيس الفلسطيني عباس جاء نتيجة لضعف سياسي، إن عباس ذو الشعر الأبيض والشارب، اللطيف والحريص في تحركاته، ساعد عرفات في تأسيس حركة فتح التي هيمنت على م ت ف، وقضى معظم حياته المهنية يُدير الجهود الدبلوماسية والإدارية في ظل رئيس للحركة أكثر كاريزماتية، لقد كان الخيار المفضل لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل لقيادة الفلسطينيين بعد وفاة عرفات، ومرد ذلك بشكل كبير إلى اعترافه الصريح بإسرائيل ونبذه طويل الأمد للعنف، إلا أن الحذر الفطري لديه واستعداده للتعاون مع جهاز الأمن الإسرائيلي، (ناهيك عن تقارير الفساد داخل إدارته) أضرَّت بسمعته أمام شعبه، وبعد أن فقد السيطرة على قطاع غزة لصالح حماس عقب انتخابات 2006، اعتبر أن محادثات السلام مع إسرائيل مخاطرة لا تستحق المجازفة، على الأقل ليس من دون تنازلات ملموسة من شأنها أن توفر له غطاء سياسيا.
كان السؤال الفوري هو كيف يمكن إقناع نتنياهو وعباس بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وللوصول إلى إجابة ذلك، اعتمدت على مجموعة من الدبلوماسيين الموهوبين بدءاً من هيلاري كلينتون التي كانت على دراية جيدة بالقضايا، ولديها علاقات مع العديد من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، وللتأكيد على الأولوية القصوى التي أوليتها لهذه القضية، قمت بتعيين جورج ميتشل، زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ، مبعوثي الخاص للسلام في الشرق الأوسط. ميتشل كان قياديا سياسيا قويا وبراغماتيا، أظهر مهاراته في صنع السلام من خلال التفاوض على اتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998، والتي انتهى بموجبها الصراع المُمتد لعقود بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا الشمالية. بدأنا بالدعوة إلى تجميد مؤقت للاستيطان في الضفة الغربية، وهي نقطة شائكة ومهمة بين الطرفين، وذلك حتى يمكن المضي قدماً في المفاوضات بشكل جدّي. بناء المستوطنات التي كانت مقتصرة في السابق على البؤر الاستيطانية للمتدينين المؤمنين، أصبحت مع الوقت سياسة حكومية، وفي عام 2009 كان هناك 300 ألف مستوطن يعيشون خارج حدود الدولة المعترف بها. في غضون ذلك، فقد استمر المطورون في بناء تقسيمات فرعية داخل وحول الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ الجزء المتنازع عليه، والذي كان الفلسطينيون يأملون بأن يجعلوه عاصمتهم ذات يوم، كل هذا تم بمباركة السياسيين الذين يشاطرون المستوطنين معتقداتهم الدينية لحركة المستوطنين، أو الذين يرون فائدة سياسية يمكن جنيها من تلبية احتياجات المستوطنين، أو ببساطة كانوا مهتمين بالتخفيف من أزمة الإسكان داخل إسرائيل، بالنسبة للفلسطينيين، فإن التمدد الهائل للمستوطنات كان بمثابة ضم بطيء لأراضيهم، وظلت رمزاً لعجز السلطة الفلسطينية. كنا نعلم أن نتنياهو قد يقاوم فكرة التجميد، فقد أصبح المستوطنون قوة سياسية ذات مغزى، وحركتهم مُمَثلة بشكل جيد داخل حكومة نتنياهو الائتلافية، إلى جانب ذلك، فإنه سيشتكي من أن لفتة حسن النية التي سنطلبها من الفلسطينيين في المقابل هي أن يَتخذ عباس والسلطة الفلسطينية خطوات ملموسة لوقف التحريض على العنف داخل الضفة الغربية. كانت صَفقة عظيمة من الصعب قياسها، ولكن بالنظر إلى عدم تكافؤ القوة بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإنه لم يكن هناك الكثير لدى عباس ليقدمه ليس بإمكان الإسرائيليين أخذه بأنفسهم. اعتقدت أنه من المعقول أن أطلب من الطرف الأقوى أن يتخذ خطوة أولى أكبر في اتجاه السلام. كما هو متوقع، كان رد نتنياهو الأولي على تجميد الاستيطان سلبي وبحده. مناصروه في واشنطن مباشرة اتهمونا علناً بأننا نُضعف التحالف الإسرائيلي الأمريكي وبدأت هواتف البيت الأبيض في الرنين، حيث بدأ أعضاء فريق الأمن القومي الخاص بي بتلقي مكالمات من الصحفيين وقادة المنظمات اليهودية الأمريكية والداعمين البارزين وأعضاء في الكونغرس، وكلهم يتساءلون عن سبب تركيزنا على إسرائيل والمستوطنات في حين أن الجميع يعلم أن العنف الفلسطيني هو العائق الرئيسي أمام السلام. وفي عصر أحد الأيام، سارع بن، وفي وقت متأخر لعقد اجتماع معي فيما بدأ متوتراً بعد أن أمضى حوالي ساعة على الهاتف مع عضو كونغرس ديمقراطي ليبرالي شديد الانفعال.
قلت : "اعتقدت أنه ضد المستوطنات".
"هو كذلك"، قال بن: "كما أنه يعارض أن نفعل أي شيء لإيقاف المستوطنات".
هذا النوع من الضغط استمر على مدار العام 2009. بشكل دوري دَعونا قادة المنظمات اليهودية أو أعضاء الكونغرس إلى البيت الأبيض للقائي وأعضاء فريقي، وذلك لطمأنتهم على التزامنا الصارم بأمن إسرائيل والعلاقة مع الولايات المتحدة. على الرغم من اختلافي مع نتنياهو بشأن تجميد الاستيطان فقد أوفيت بوعدي بتعزيز التعاون مع إسرائيل في جميع المجالات والعمل على مواجهة التهديد الإيراني إلى جانب المساعدة في تمويل تطوير نظام القبة الحديدة، والذي سيسمح لإسرائيل باعتراض الصواريخ السورية الصنع المنطلقة من غزة، أو من مواقع حزب الله، وعلى الرغم من ذلك، فإن الضجيج الذي أحدثه نتنياهو كان له الأثر المخطط له في التهام وقتنا ووضعنا في موقف دفاعي، هذا ذكرني بأن الاختلافات مع رئيس وزراء إسرائيل، حتى لو كان يترأس ائتلافا حكوميا هشا؛ يفرض علينا تكاليف سياسية داخلية، ببساطة ليست موجودة عندما نتعامل مع المملكة المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا أو اليابان أو كندا أو غيرهم من الحلفاء المقربين.
بعد إلقائي خطاب القاهرة بوقت قليل، في بداية يونيو 2009، فتح نتنياهو الباب للتقدم وذلك بإعلانه في خطاب خاص لأول مرة دعمه المشروط لحل الدولتين، وبعد أشهر من الجدل وافق هو وعباس أخيراً على الانضمام لي في نقاش وجهاً لوجه وذلك على هامش اجتماع الجمعية العامة نهاية سبتمبر، كان الرجلان مهذبين مع بعضهما البعض، نتنياهو ثرثار ومرتاح جسدياً فيما عباس صامت إلى حد كبير باستثناء الإيماءات العرضية، لكنهما بديا غير متأثرين عندما حثيتهما على اتخاذ بعض المخاطرة من أجل السلام. بعد ذلك بشهرين وافق نتنياهو على تجميد إصدار تصاريح بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية لمدة عشرة أشهر، وأشار إلى رفضه تجميد الاستيطان في القدس الشرقية. التفاؤل الذي شعرت به عقب تنازل بيبي لم يدم طويلا، فما أن أعلن نتنياهو عن التجميد المؤقت للاستيطان حتى وصفه عباس بأنه لا معنى له، مشتكياً من استبعاد القدس الشرقية من التجميد، والحقيقة أن التنفيذ الفعلي للمشاريع التي سبق وأن تمت الموافقة عليها يجري على قدم وساق، وأصر على أنه في غياب التجميد الكامل، فلن ينضم للمحادثات، وسرعان ما وافقه القادة العرب على ذلك، وبدعم جزئي من قناة الجزيرة التي تسيطر عليها قطر، والتي أصبحت المصدر الاخباري المهم في المنطقة والمهيمن، عقب أن اتسعت شعبيتها من خلال إثارة لهيب الغضب والاستياء بين العرب، بنفس الدقة اللغوغارثمية التي تنشرها قناة فوكس نيوز بمهارة مع الناخبين البيض المحافظين في الولايات المتحدة.
غدا الوضع أكثر فوضوية في مارس 2010، ففيما كان جو بايدن يزور إسرائيل في مهمة نوايا حسنة، أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية عن تصاريح بناء ستمائة وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية، على الرغم من أن نتنياهو أصر على أن مكتبه لا علاقة له بتوقيت إصدار التصاريح، إلا أن هذه الخطوة عززت التصورات لدى الفلسطينيين بأن التجميد لم يكن إلا مُجرد خدعة، وأن الولايات المتحدة تشارك فيها. أصدَرت تعليماتي لهيلاري بالاتصال بنتنياهو وإخباره أنني لست سعيداً، وكررنا مُقترحنا بأن تظهر حكومته المزيد من ضبط النفس بشأن توسيع المستوطنات. جاء رده من خلال ما قاله أمام المؤتمر السنوي للايباك في واشنطن "أن القدس ليست مستوطنة إنها عاصمتنا" الأمر الذي قوبل بالتصفيق المدوي.
في اليوم التالي، جلست مع نتنياهو في البيت الأبيض وللتقليل من التوتر المتزايد، قبلت قصة أن الإعلان عن التصريح ببناء الوحدات الاستيطانية كان مجرد سوء فهم، ونظراً لأن لدي التزامات أخرى وأن الوقت المحدد لِلّقاء قد انتهى، فيما لا يزال لدى نتنياهو بعض العناصر التي يريد تغطيتها، اقترحت أن نتوقف مؤقتا ونعود للمحادثات بعد ساعة، على أن يجتمع خلال هذه الساعة مع بقية أعضاء وفده في غرفة روزفلت، فقال إنه سيكون سعيداً بالانتظار، وعُدنا للاجتماع بعد ساعة وانهينا الجلسة بشروط ودية. في اليوم التالي، اقتحم رام المكتب قائلا إن هناك تقارير إعلامية تقول إنني تَعَمَّدتُ تجاهل نتنياهو من خلال إبقائه في الانتظار، الأمر الذي أدى إلى توجيه اتهامات بأنني سمحت لغضبي الشخصي الإضرار بالعلاقات الحيوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. هذه كانت من الحالات النادرة التي شتمت فيها رام.
بالنظر إلى الوراء، أفكر أحيانا في السؤال القديم حول مدى الاختلاف الذي يمكن أن تُحدِثه السمات الشخصية للقادة في اكتساح التاريخ، سواء كان أولئك الذين وصلوا منا للسلطة كمجرد قنوات للتيارات العميقة التي لا هوادة فيها، أو ما إذا كنا نحن؛ على الأقل جزئياً، مؤلفين لما سيأتي. أتساءل عما إذا كانت مخاوفنا وآمالنا وصدمات طفولتنا وذكرياتنا اللطيفة غير المتوقعة تحمل نفس القدر من القوة كأي تحول تكنولوجي أو توجه اجتماعي واقتصادي، أتساءل عما إذا كان يمكن لرئيسة مثل هيلاري كلنتون أو الرئيس جون ماكين كسب ثقة أكبر من قبل الجانبين، وهل كان يمكن أن تسير الأمور بشكل مختلف إذا ما كان هُناك شخص آخر غير نتنياهو في منصب رئيس الوزراء، أو إذا كان عباس أصغر سناً عازماً على ترك بصمته أكثر من حماية نفسه من النقد. ما أعرفه أنه وعلى الرغم من الساعات التي أمضياها كل من هيلاري وجورج ميتشل بالدبلوماسية المكوكية، فإن خططنا لمحادثات السلام لم تُسفر عن أي شيء حتى أواخر أغسطس 2010. شهر واحد فقط قبل انتهاء صلاحية تجميد الاستيطان، وافق عباس أخيراً على إجراء محادثات مباشرة، بفضل تدخل كل من الرئيس المصري حسني مبارك وملك الأردن الملك عبدالله، واشترط عباس مشاركته باستعداد إسرائيل لإبقاء على تجميد الاستيطان، وهو التجميد نفسه الذي أمضى الأشهر التسعة السابقة في التنديد بعدم جدواه.
مع عدم وجود وقت نضيعه، تم الترتيب لاجتماعات وعشاء حميم في البيت الأبيض بمشاركة نتنياهو وعباس ومبارك وعبدالله في الأول من سبتمبر لبدء المحادثات. كان يوماً احتفالياً بشكل كبير. وكان العمل الجاد للوصول إلى اتفاق ينتقل إلى هيلاري وميتشل وفرق التفاوض. قدمنا الكثير من الصور والضجة للصحافة، وكان الجو دافئاً وجماعياً بين القادة الأربعة طوال الوقت. لا تزال لدي صورة تجمعنا نحن الخمسة وهم ينظرون إلى ساعة الرئيس مبارك للتحقق من غروب الشمس ذلك لأنه كان شهر رمضان. وكان علينا أن نتأكد من أن الصيام الشرعي قد تم رفعه قبل جلوس الجميع لتناول العشاء.
في الضوء الخافت لغرفة طعام العائلة القديمة، تناوب كل منا على أخذ دوره في وصف رؤيتنا للمستقبل، وتحدثنا عن أسلافنا مثل بيغن والسادات ورابين والملك حسين، أولئك الذين تحلوا بالشجاعة والحكمة لإنهاء الانقاسامات القديمة، تحدثنا عن تكاليف الصراع الذي لانهاية له، عن الآباء الذين لم يعودوا لبيوتهم، وعن الأمهات اللواتي دفنَّ أطفالهن. بالنسبة لشخص من الخارج، كانت هذه تبدو وكأنها لحظة أمل وبداية شيء جديد. ومع ذلك، عندما انتهى العشاء، في وقت لاحق من تلك الليلة، وعاد القادة إلى فنادقهم، وأنا جالس في غرفة المعاهدات أراجع ملاحظاتي استعداداً لليوم التالي، لم يسعني إلا الشعور بإحساس غامض بالقلق. الخطابات والكلمات القصيرة والألفة السهلة، أشعرتني جميعها براحة كبيرة، وكأنها طقوس أداها وشارك فيها كل من القادة الأربعة من قبل عشرات المرات. طقوس مصممة لإرضاء أحدث رئيس أمريكي يعتقد أن الأمور ممكن أن تتغير. تخيلتهم يتصافحون بالأيدي بعد ذلك مثل الممثلين الذين يخلعون مكياجهم وملابسهم وراء الكواليس، ليعودوا إلى عالمهم الذي يعرفونه، عالم يمكن لنتنياهو أن يلقي باللوم في غياب السلام على ضعف عباس، بينما يفعل كل شيء لابقائه ضعيفا، وعباس يتهم إسرائيل بشكل علني بارتكاب جرائم حرب، وفيما القادة العرب يتحسروا على الظلم الذي يلحق بالفلسطينيين تحت الإحتلال؛ تقوم قوات الأمن الداخلي الخاصة بهم بالتخلص بلا رحمة من المنشقين والمعارضين الذين قد يهددون قبضتهم على السلطة. فكرت في جميع الأطفال في غزة وفي المستوطنات الإسرائيلية أو في شوارع القاهرة وعمان، الذين سيكبرون وهم يعرفون بشكل أساسي العنف والإكراه والخوف وتربية الكراهية، ذلك لأنه وفي أعماقهم؛ لا أحد من القادة الذين التقيتهم يعتقدون أن هناك شيء آخر ممكن. عالم بلا أوهام كما يسمونه.
انتهى الأمر بأن اجتمع الإسرائيليون والفلسطينيون في محادثات سلام مباشرة مرتين فقط، مرة واحدة في واشنطن وتحديداً في اليوم التالي للعشاء في البيت الأبيض، ومرة أخرى بعد اثني عشر يوما لإجراء محادثات من جزئين عندما استضاف حسني مبارك المفاوضين في المنتجع المصري شرم الشيخ، ثم انتقلت المجموعة إلى مقر إقامة نتنياهو بالقدس. هيلاري وميتشل ذكرا أن المناقشات كانت موضوعية حيث قدمت الولايات المتحدة الحوافز لكلا الطرفين، بما في ذلك حزم من المساعدات المكثفة من ضمنها التفكير في الافراج المبكر عن جوناثان بولارد الأمريكي المُدان بالتجسس لصالح إسرائيل، والذي يُعد بطلاً في نظر الكثيرين من الإسرائيليين اليمينيين.
كل هذا كان بلا جدوى، فالإسرائيليون رفضوا تمديد تجميد الاستيطان، وانسحب الفلسطينيون من المفاوضات بحلول ديسمبر 2010، عباس كان يُهدد بالذهاب إلى الأمم المتحدة سعيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب المزعومة في غزة. نتنياهو كان يهدد بجعل حياة السلطة الفلسطينية أكثر صعوبة. جورج ميتشل حاول وضع الأمور في نصابها وذكرني بأنه أثناء المفاوضات في إيرلندا كان هناك سبعمائة يوم سيء ويوم واحد جيد، ومع ذلك فقد بدى الأمر وكأن أي نافذة اتفاق سلام قد أُغلقت في المدى القريب على الأقل. في الأشهر اللاحقة، فكرت كثيراً بالعشاء مع عباس ونتنياهو ومبارك والملك عبدالله والتمثيل الإيماني فيه، وافتقارهم إلى العزيمة.
الإصرار على أن النظام القديم في الشرق الأوسط سيستمر إلى أجل غير مسمى، وبأن أطفال اليأس لن يثوروا في مرحلة معينة ضد أولئك الذين حافظوا على هذا النظام. اتضح أنه أكبر وهم على الإطلاق.