الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نقد لبعض ما جاء في كتاب أوباما "أرض الميعاد" (2) / بقلم: عبدالله أبو شاويش

2020-12-22 01:31:08 PM
نقد لبعض ما جاء في كتاب أوباما
غلاف كتاب "أرض الميعاد"

لا شك أن نشر كتاب أرض الميعاد قد استقطب اهتمام الملايين حول العالم من السياسيين والباحثين والقراء العاديين. كتاب كبير، غزير بالمعلومات المتعلقة بأوباما وتحركاته في جهات الريح الأربع، والملفات الداخلية والخارجية الشائكة التي تعامل معها. الكتاب بحاجة لوقت كاف لقراءته وهضم ما جاء فيه لتكوين صورة كلية عن هذا الرجل وفترة حكمه، إلا أنه من المفيد لنا كفلسطينيين التطرق للجزء الخاص بنا في الكتاب، لما ورد به من معلومات مهمة حول فترة قصيرة من حكمه قبل بدء ما سُميَ بالربيع العربي الذي تقدم؛ إلى جانب تحديات أخرى، كثيراً على المسألة الفلسطينية في أجندة عمل أوباما.

(2)

يبرر أوباما للإسرائيليين بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، بادعائه أنه أدى إلى توقف القصف والهجمات الإرهابية داخل الضفة الغربية "لقد توقفت عمليات القصف والهجمات الإرهابية داخل إسرائيل بشكل كبير وذلك مرده إلى حد ما إلى إقامة إسرائيل لجدار يزيد طوله عن 400 ميل بينها وبين المراكز السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية". هذا بالمطلق غير صحيح، فالهجمات الفلسطينية توقفت قبل استكمال بناء الجدار بكثير، ونتيجة لعوامل موضوعية أخرى تختلف تماماً عما أشار إليه، فيما لا تزال إمكانية عبور الجدار واردة حتى الآن، بدليل وجود آلاف العمال الذين يتسللون إلى إسرائيل بشكل يومي، هذا إلى جانب تعمد إسرائيل إفساح المجال للآلاف من الفلسطينيين بالدخول من فتحات الجدار في مناسبات معينة، وعلينا أن نتذكر الآلآف منهم الذين قضوا أيام عيد الأضحى المبارك على شواطئ البحر المتوسط، وذلك بعد سماح الجيش الإسرائيلي لهم بالعبور بدون أي نوع من الرقابة. لقد وقع أوباما في مغالطة أخرى عندما ربط توقف القصف ببناء الجدار، فالقصف الصاروخي من غزة الذي يعنيه لا يمكن للجدار في الضفة أن يوقفه.

"ومع انخفاض حجم التهديدات؛ إلا أنها أي إسرائيل لا تزال عرضة للتهديدات الإرهابية التي لا تعرض حياة مواطنيها فقط للخطر، بل حياة آلاف الأمريكيين الذين يعيشون فيها أو يسافرون إليها"، إذن فمقاومة الاحتلال الإسرائيلي عمل إرهابي لا يمس إسرائيل وحدها، بل يطال الولايات المتحدة أيضا، ليس لأنها حليف إسرائيل بل لأن هذا العمل يُهدد الأمريكيين أنفسهم، لا نعرف من أين جاء بهذه الأعداد إلا إذا كان يقصد؛ وهذا ما يعنية غالبا، الإسرائيليون الذين يحملون الجنسية الأمريكية أو الأمريكيون سواء اليهود أو المسيحيون الصهاينة الذي يأتون لإسرائيل للتطوع في الجيش الإسرائيلي، أو أعمال أخرى، مع العلم أن هناك فلسطينيين يحملون الجنسية الأمريكية تعرضوا لكافة أشكال الاعتداءات من قبل جيش الاحتلال، وغيرهم الآلاف ممن ترفض إسرائيل دخولهم للأرض الفلسطينية مع أنهم يحملون الجنسية الأمريكية، ولم نرى إدارته أو من سبقها من الإدارات، تحرك ساكناً بخصوصهم، ربط مُتعمد ومُضلل للقارئ ليبرر من خلاله مساندة الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي.

أوباما يعتبر أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أثقل عليه، ليس من باب العدالة والقانون الدولي، بل من باب إنساني، ويربط هذا بقضية الهولوكوست التي يُشببها بالعبودية لجهة أن أحداً لا يريد الاعتراف بإنسانية الآخرين، ويُعرج كذلك على قصة خروج بني إسرائيل، ويعني الخروج من مصر، إلى جانب أنه يرى أن إسرائيل كانت مثالية لأبناء جيله من الأمريكيين "كانت إسرائيل مثالية بالنسبة لي بناء على ما وصفها لي مستشار المعسكر اليهودي الذي عاش في كيبوتس، مكان يتساوى ويشارك فيه الجميع، فيه يتم الترحيب بنضالات الجميع من أجل إصلاح العالم" هل يُعقل أن تكون الكيبوتسات التي بُني أغلبها على أنقاض القرى والبلدات الفلسطينية المدمرة هي المكان المثالي لإصلاح العالم؟

أوباما يؤمن بوجود رابط بين اليهود والسود الأمريكيين "آمنت أن هناك رابطا بين السود واليهود، نفس القصة المشتركة عن المنفى والمعاناة، والتي تعني في النهاية العطش المشترك للعدالة والتعاطف العميق مع الآخرين والشعور المتزايد بالمجتمع"، وللتأكد فإننا لا نجادل فيما تعرض له اليهود من على يد الغربيين، وجهة الاعتراض هنا هي الخلط المتعمد وبطريقة ذكية بين مكونات ثلاثة، اليهود عبر التاريخ، والعبودية، والاحتلال، خلط غير منطقي بالمطلق عندما يتم استخدامه في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فشتان بين ما تعرض له اليهود تاريخياً والسود الأمريكيون من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، وبحيادية عالية وواقعية بحتة، فإن هناك تشابها وثيقا بين معاناة اليهود في أوروبا، والسود في أمريكا، ومأساة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.

في تناوله للمسألة الفلسطينية، يبدأ اوباما غالباً، بإلقاء اللوم على الجانب الفلسطيني، ليبرر أو ليخفف من وطأة ما يقوم به الإسرائيليون، "صحيح أن الكثير من تكتيكات عرفات كانت بغيضة، صحيح أن القادة الفلسطينيين غالبا ما أضاعوا فرص السلام، ولم يكن بينهم غاندي ليقوم ومن خلال تعبئة حركة لا عنفية لها القوة الأخلاقية تستطيع التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، ومع ذلك فإن هذا لا ينفي حقيقة أن ملايين الفلسطينيين يفتقرون إلى تقرير مصيرهم" فقرة إشكالية أخرى في مذكراته، فبالإضافة إلى أنه يُجَرم ويحرض على ما قام به ياسر عرفات، ويتبنى رواية الحركة الصهيونية المضللة والقائلة بأن الفلسطينيين أضاعوا فرص السلام، فإنه يطالب الفلسطينيين  بأن يقوموا بتقليد نموذج غاندي للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي، ويتناسى أن هذا النموذج هو الذي يتبناه الفلسطينيون منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، منذ تبنوا نهج المقاومة السلمية، ويساندهم في هذا مئات الإسرائيليين الذين يشاركونهم الاحتجاجات السلمية، ويتناسى أوباما أنه وبحضور الرئيس بل كلنتون تعديل الميثاق الفلسطيني للاقتراب أكثر من نموذج غاندي، ومع كل هذا فإن المستوطنات زادت توسعاً، والجمهور الإسرائيلي مال أكثر نحو اليمين والتطرف، وأن هناك عشرات النشطاء من المتظاهريين السلميين قد استشهدوا والمئات منهم أصيبوا. أوباما باختصار يلومنا ويحملنا مسؤولية أننا لم نقابل الأباتشي والدبابة بحزم من الورود. وفي نفس السياق، يرفض الإقرار بحق تقرير المصير للفلسطينيين، الذي يذكره ولكن بدون كلمة حق، وهذا بحد ذاته ما دأبت إدارته والإدارات التي سبقتها على التصويت ضد القرار السنوي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتعلق بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

لا يُخفي أوباما تأثير الإنجيليين البيض على السياسية الأمريكية وإن كان قد تناولها بحيادية مطلقة، بمعنى أنه لم يربط نفسه بهم "في الواقع اعتقدت الغالبية العظمى من الإنجيليين البيض وهم الكتلة الانتخابية الأكثر موثوقية للحزب الجمهوري، أن إنشاء إسرائيل وتوسعها هو تحقيق لوعد الله لإبراهيم وبشرى لعودة المسيح في نهاية المطاف" وكذلك لا يخفي تأثير الأيباك؛ أكبر جماعات الضغط الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، على صناعة القرار الأمريكي بمن فيهم هو نفسه، ولكنه لا يجرؤ بالمطلق على انتقادها بل يستخدم كل مهاراته ليكون حيادياً في وصفها لأنه يعلم مصير من تجرأ على القيام بذلك "لكن مع جنوح السياسة الإسرائيلية نحو اليمين، توافقت الأيباك معها أيضاً، لقد جادل موظفوها وقادتها وبشكل متزايد بأنه لا يجب أن يكون هناك خط فاصل بين إسرائيل والولايات المتحدة، حتى عندما تتخذ إسرائيل مواقف تتعارض مع السياسة الأمريكية. الذين غامروا بانتقاد السياسة الإسرائيلية بصوت عالٍ تم وصفهم بأنهم مُعادون لإسرائيل وربما للسامية وواجهوا خصوما ممولين جيداً في الانتخابات اللاحقة" لقد كان بحاجة لهم، ولا يزال يخشى سطوتهم حتى بعد خروجه من البيت الأبيض. 

يسترسل أوباما كثيرا في وصفه لنتنياهو ولعائلته استرسالاً لا يُخفي إعجاباً أو نفاقا "نتنياهو كان ذكياً، وماكراً، وصعباً ومتواصلا موهوباً باللغتين العبرية والإنجليزية" فهو يُعطي لنتنياهو رصيدا أكثر لكونه يعرف اللغة العبرية لغته الأم، واللغة الإنجليزية التي تعلمها بحكم أنه تربى في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، شخصياً لا أستطيع أن أصف هذا إلا بالنفاق لا أكثر. "ومات شقيقه الأكبر بطلاً في غارة مطار عنتيبي الأسطورية عام 1976، عندما أنقذت القوات الخاصة الإسرائيلية 102 راكب من الإرهابيين الفلسطينيين الذي خطفوا طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية"، جوناثان نتنياهو بطلاً، والعملية أسطورية والفلسطينيون إرهابيون؛ مصطلحات إنما تدل على تبني عاطفي لرواية الإسرائيليين حول عملية عنتيبي، ولأنه يريد أن يعمل مع نتنياهو والرئيس الفلسطيني عباس، ولاستكمال توصيف الإثنين فإنه وقبل التعريج على وصف الرئيس الفلسطيني يعرج على مفهوم السلام من وجهة نظر نتنياهو وينقل حرفيا ما قاله، "أريد أن اؤكد لك أن إسرائيل ترغب في السلام، ولكن السلام الحقيقي يجب أن يستجيب إلى حاجات إسرائيل الأمنية، لقد قالها لي بصراحة، إن عباس غير قادر أو غير راغب بالقيام بذلك" وجهة نظر يتبناها، أو لنقل يتعاطف معها أوباما مباشرة "لقد فهمت وجهة نظره"، ليدخل مباشرة في تقديم توصيف بمجمله غير عادل للرئيس الفلسطيني "إن عباس ذو الشعر الأبيض والشارب، اللطيف، دارس لتحركاته، ساعد عرفات في إيجاد حركة فتح التي هيمنت على م ت ف، قضى معظم حياته المهنية يدير الجهود الدبلوماسية والإدارية في ظل رئيس للحركة الأكثر كاريزماتية "عرفات"، لقد كان الخيار الأفضل لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل ولقيادة الفلسطينيين بعد وفاة عرفات، ومرد ذلك بشكل كبير إلى اعترافه الصريح بإسرائيل ونبذه طويل الأمد للعنف، إلا أن الحذر الفطري لديه واستعداده للتعاون مع جهاز الأمن الإسرائيلي، إلى جانب تقارير الفساد داخل إدارته أضرت بسمعته أمام شعبه"، صحيح أنه يتكلم بأدب ظاهر عن الرئيس عباس، ولكنه يتجه مباشرة لربطه بياسر عرفات الذي يتهمه بالإرهاب، وبأنه صاحب تكتيكات بغيضة، ثم يقول إن عباس، الرئيس المفضل لإسرائيل والولايات المتحدة لاعترافه بإسرائيل وبهذا فقد أساء له حتى لو لم يكن متعمداً، فهو يعلم أن ربط أي اسم لأي فلسطيني أو عربي بهذه الطريقة بدولة الاحتلال فيه إساءة لهذا الشخص، وكذلك فإن من اعترف بإسرائيل هي م ت ف وليس شخص أبو مازن أو عرفات، فالاعتراف جاء باسم مؤسسة وليس باسم شخوص. إلى جانب ذلك، فإن استخدامه لكلمة استعداده للتعاون مع جهاز الأمن الإسرائيلي، تعبير فج جداً جانب فيه أوباما الصواب فالتعاون الأمني في المنطقة قائم قبل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ومع تأسيس الأخيرة وكمتطلب طبيعي لشعب تحت الاحتلال هناك تواصل بين أجهزة الأمن بين الطرفين وبالشراكة مع الأمريكان أنفسهم، وهناك الكثير جدا مما قيل وكُتِبَ ويقال في هذا السياق. تسطيح العمل الأمني بهذه الطريقة من قبل أوباما، واستخدام تعبير الفساد بشكل انتقائي مباشرة بعد الأمن على الأغلب فيه تحامل وإساءة مُتعمدة ومقصودة للرئيس الفلسطيني.

أوباما يرى أن عباس يهتم بحماية نفسه من النقد أكثر من اهتمامه بترك بصمة  "هل كان يمكن أن تسير الأمور بشكل مختلف إذا ما كان هناك شخص آخر غير نتنياهو في منصب رئيس الوزراء، أو إذا كان عباس أصغر سنا عازما على ترك بصمته أكثر من حماية نفسه من النقد"، وهذا أيضا فيه تجني وإجحاف، فمن أجل أن يترك بصمة للأجيال القادمة، ومن أجل السلام الحقيقي، استعد الرئيس الفلسطيني، وياسر عرفات من قبله لتقديم الكثير "لقد قبلنا ببناء دولتنا على 22% من أرضنا التاريخية"، ووضع نفسه موضع النقد واللوم الشديدين، وغالباً التجريح من قبل شعبه.

أوباما يرى ما لم يره الصهاينة أنفسهم ولم يدعوه من قبل، فالمستوطنات التي يبارك السياسيون الإسرائيليون تمددها وتوسعها باعتبارها تخدم أهدافهم السياسية وجزءا من العقيدة التوراتية، يراها تساهم أيضاً بحل أزمة السكن داخل إسرائيل " أو ببساطة كانوا مهتمين بالتخفيف من أزمة السكن داخل إسرائيل" ادعاء لم نسمع عنه بالمطلق حتى من قبل السياسيين الإسرائيليين أنفسهم، وليس خافياً على أحد بأن الجليل والنقب في فلسطين التاريخية، لا يزالا شبه فارغين من الاستيطان اليهودي، وكل الدعوات والجهود المبذولة منذ إنشاء دولة إسرائيل؛ لم تستطع أن تغري الإسرائيليين بإستيطان هذه الأراضي بالدرجة المنشودة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الكثافة السكانية في إسرائيل لا تزال قليلة، أي أن إسرائيل لا تعاني أزمة سكن نتيجة لقلة الأراضي بل لرغبة السكان في التركز والسكن في مدن الوسط.

في الختام اُعيد التأكيد على أهمية متابعة هذه المذكرات، وما كتب حولها؛ ذلك لأنها تعطينا فكرة واضحة عما دُبّرَ، وما يخطط لنا في المستقبل.

المستشار عبد الله أبو شاويش

 

 المستشار عبدالله أبو شاويش 

بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، نيويورك