الحدث- نور ابو عيشة
بجوار منزل الغزي سامي أبو جراد، في منطقة بيت حانون شرقي قطاع غزة، لفتت قطعة حديدية لم يكن لها معالم واضحة مُلقاة نظر طفله محمد، فأشار الطفل بسبابته نحوها، لكن أحداً من أفراد العائلة لم يدرك خطورة ما قد يحدث لاحقا.
بخطواته البريئة، حاول ابن الأربعة أعوام الوصول إلى تلك القطعة ليلهو بها قليلاً، بعد أن تضرر منزله وألعابه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتي دامت 51 يوما، بداية من السابع من يوليو/ تموز الماضي.
وما أن أمسك الطفل بتلك القطعة، حتّى انفجرت بين يديه، وأصابته بجروحٍ خطيرة أودت بحياته خلال وقت قصير بعد إصابته.
ويصف مراقبون أمنيون مُخلّفات الحرب الإسرائيلة الأخيرة على غزة غير "المتفجّرة"، بـ"لعبة الموت" التي تفتك بأرواح عشرات الغزيين، ولاسيما الأطفال الذين يلهون بالأجسام "المشبوهة" التي تقع عليها أنظارهم، كما يطلقون عليها مُسمّى "القنابل الموقوتة".
ولم تكن مُخلّفات الحرب الأخيرة "لعبة الموت" بالنسبة للأطفال الغزيين وحسب، وإنما أودت بحياة شباب آخرين في حوادث منفصلة.
المواطن صبحي سكر (41 عاماً) من منطقة الشجاعية شرقي مدينة غزة، أنه "في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي اجتمع ثلاثة شبان على أنقاض أحد المنازل التي دمّرتها الطائرات الإسرائيلية الحربية، ووجد أحدهم قطعة حديدية تشبه الصاروخ، لكنها بدت لهم نموذجا لصاروخ صغير جداً".
وبحسب سكر، فإن "الشبان الثلاثة حاولوا، بدون وعي منهم، فتح تلك القطعة الحديدية بالمطرقة، إلا أن شدة الطرق عليها أدى إلى انفجارها مُتسببة بقتلهم جميعاً، وإصابة اثنين آخرين كانا يجلسان بجوارهم".
وأوضح أن "الشبّان الثلاثة القتلى هم: أيمن أبو جبة (23 عاماً)، وعبد الله أبو عصر (23 عاماً)، ومحمد أبو عصر (24 عاماً)".
وكثيرا ما تحذر الجهات الأمنية في غزة المواطنين من التلاعب بأي مخلفات صلبة، ولا سيما بعد أي غارات إسرائيلية على القطاع، الذي يقطنه نحو 1.9 مليون نسمة على مساحة 360 كيلومتر مربع، ما يجعله أحد أكثر بقاع العالم اكتظاظا بالسكان.
وقال أحمد أبو دية، مدير مكتب الإدارة العامة لهندسة المتفجرات التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية، إن "الإدارة العامة لهندسة المتفجرات هي الجهة الأمنية الوحيدة المخولة بالتعامل مع مخلفات الاحتلال والقنابل غير المنفجرة".
أبو دية أوضح أن "هندسة المتفجرات ساهمت منذ اللحظة الأولى من اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة بالتعامل مع مناشدات سكان في القطاع، والعمل على تفكيك صواريخ وقنابل سقطت على منازل مدنيين ولم تنفجر".
وتابع أن "إدارة هندسة المتفجرات موزّعة على خمس مناطق في غزة، لضمان سرعة تأدية واجباتها، وحفاظاً على أرواح المدنيين، فكنا ننزع الصاعق مكمن الخطر في القذيفة والقنبلة، وتأمينها حتى انتهاء العدوان الإسرائيلي ليتم إتلافها بشكل كامل".
وأوضح أبو دية أن "هندسة المتفجرات أتلفت منذ 26 أغسطس (آب) الماضي، أي منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ما يقارب من 50 طنا من المواد المتفجرة الظاهرة على سطح الأرض، والتي تشكّل خطراً كبيراً على أرواح السكان، إذ تعتبر قنابل موقوتة داخل المنازل وتحت الأنقاض.. ولا تزال أنقاض منازل تحوي قنابل غير منفجرة".
ومضى بالقول: "من أبرز ما استخدم في الحرب الأخيرة الكثير من القنابل أبرزها قنبلة (MK82-MK83-MK84) والتي تزن الواحدة منها طن تقريبا، وسلاح أفعى المدرعات الذي استخدم بكثرة في المناطق الحدودية، لتمهيد دخول الدبابات في المناطق المفتوحة، وسلاح جي بي يو 28".
"ومن أكثر المناطق التي تم العثور فيها على قنابل غير منفجرة، ويعتقد أنها لا تزال تحتوي على قنابل من النوع ذاته، منطقة الشُّجاعية، وبيت حانون شمالي القطاع، والمناطق الحدودية التي تفصل بين الجانب الإسرائيلي والقطاع"، بحسب أبو دية.
وتابع بقوله: "في الحرب الأخيرة، اعتمد الجيش الإسرائيلي على كثافة النيران والقنابل، لذلك لا زلنا نتوقع وجود مخلفات غير منفجرة تحت أنقاض المنازل المدمرة، ونحن بصدد إزالة الكميات المتواجدة تحت تلك الأنقاض".
وبيّن أبو دية أن "إدارة هندسة المتفجرات أنجزت حملات لتوعية المواطنين بخطورة العبث واللهو بالأجسام المشبوهة والمخلفات الحديدية للصواريخ والقنابل، وضرورة التعامل بحذر مع تلك الأجسام وإبلاغ وزارة الداخلية فورا".
وعن المعيقات التي تواجه وحدة هندسة المتفجرات، أجاب أبو دية بـ"انعدام الإمكانيات من أجهزة وأدوات تسهّل مهامنا في إتلاف المتفجرات، إذ تعتمد كافة دول العالم في تفجير الأجسام المشبوهة على الريبوتات (أجهزة تعامل عن بُعد)، بينما نتعامل معها بشكل مباشر ومن منطقة الصفر".
وبحسرة، ذكر أن "وحدة هندسة المتفجرات فقدت 4 خبراء (لقوا حتفهم) متفجرات خلال قيامهم بإتلاف مخلفات الحرب الإسرائيلية الأخيرة".
وحتّى اليوم، لم تصدر إحصائية رسمية من وزارة الصحة ولا وزارة الداخلية تبيّن عدد القتلى والجرحى نتيجة انفجار مخلفات حرب الـ51 يوما.
إلا أن مركز الميزان لحقوق الإنسان (فلسطيني غير حكومي) وثّق مقتل 5 غزيين وإصابة 6 آخرين، في 4 حوادث منفصلة، بين 19 سبتمبر/ أيلول الماضي وحتّى ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
المصدر: الاناضول