الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل يكون "الربيع العربي" نهاية الإسلام السياسي الذي نعرفه؟

2020-12-28 04:52:56 PM
هل يكون
أرشيفية

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشر موقع " ميدل إيست آي" مقالاً للأستاذ المشارك في التاريخ بجامعة جورجتاون قطر عبد الله العريان، وأشار فيه إلى أنه من المرجح أن تستمر "الفكرة الإسلامية"، فإن الجهات السياسية الفاعلة ستواجه صراعاً وجودياً للنجاة من هجمة الأنظمة العربية التي اشتدت خلال العقد الماضي.

أضاف العريان: وفي الشهر الماضي، تعرض رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي لانتقادات بسبب تعليقات أدلى بها عقب اجتماعه مع السفير الفرنسي.

في أعقاب سلسلة من الهجمات العنيفة الأخيرة، شنت الحكومة الفرنسية حملة على الجالية المسلمة في البلاد، وأغلقت الجمعيات الخيرية، وراقبت أفراد المجتمع، بمن فيهم الأطفال، واستجوبتهم فيما يتعلق بمعتقداتهم الدينية والسياسية. وفي الوقت نفسه، طالبوا قادة المجتمع المحلي بتبني تعهد بدعم القيم الفرنسية وإعلان تنصلهم من "الإسلام السياسي".

وقد أثارت الاجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة ادانات في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة.

وفي هذا السياق أثارت تعليقات الغنوشي الدهشة في العالمين العربي والإسلامي. وأكد الغنوشي بعد لقائه سفير فرنسا المعين حديثا في تونس، أن التطورات الداخلية داخل فرنسا لن تؤثر على العلاقات التونسية الفرنسية، معلناً "دون تردد تضامننا مع الدولة الفرنسية والشعب الفرنسي الشقيق خلال الأحداث الإرهابية الأخيرة، ونؤكد أننا جميعاً نحارب العدو الواحد وهو الإرهاب، وتواجه تونس هذا الخطر مثل بقية العالم".

التحول:

يقول الكاتب أن ما فاجأ العديد من المراقبين ليس أن مسؤولاً رفيع المستوى في المنطقة العربية عبر عن مثل هذه المشاعر، بل أن هذه التصريحات تأتي من الزعيم المؤسس لحركة تعود جذورها إلى التيار الإسلامي الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين.

وكحركات معارضة، قاد الإسلاميون الطليعة منذ فترة طويلة في إدانة قمع الدولة للمسلمين، سواء من قبل حكوماتهم أو بلدان أخرى في جميع أنحاء العالم. ونظراً لأن حركة النهضة حاولت اجتياز عملية التحول غير المستقرة من المعارضة المحظورة إلى الحزب الحاكم على مدار العقد الماضي، فإن هذه التصريحات تثير التساؤل عما إذا كان تولي حزب النهضة سلطة سياسية قد غير أيديولوجيتها وممارساتها بشكل لا رجعة فيه.

ينوه الكاتب إلى أنه في الوقت الذي نحتفل فيه بمرور عقد منذ أن بشرت الانتفاضات العربية بعهد من الدمج غير المسبوق للأحزاب الإسلامية في المؤسسة الحاكمة لعدد من الدول، يجدر بنا أن ندرس الأثر طويل الأمد الذي أحدثته هذه الأحداث الأخيرة في إعادة تشكيل طبيعة النشاط الإسلامي الذي كنا نعرفه.

يتابع الكاتب: وسواء كان حزب النهضة، الذي أصبح لاعباً أساسياً دائماً في الحكومة التونسية في مرحلة ما بعد الاستبداد منذ عام 2011، أو جماعة الإخوان المسلمين المصرية، التي وجدت نفسها في موقف مألوف للمعارضة المضطهدة في أعقاب الانقلاب العسكري وموجة القمع اللاحق في عام 2013، أو مجموعة الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة العربية التي تذبذبت حظوظها بالمثل، فقد أصبح من الواضح أن المهمة التقليدية التي ميزت النشاط الإسلامي خلال معظم نصف القرن الماضي لم تعد كذلك.

وبدلاً من ذلك، حلت سلسلة من الخيارات عالية المخاطر مكان الطبيعة القديمة للإسلام السياسي، التي يمليها جزئياً إغراء الدولة القومية وأدوات سيطرتها. ونتيجة لذلك، أصبحت التحولات في الالتزامات الأخلاقية التي تميز هذه الحركات إلى حد كبير مستنيرة بحظوظها السياسية.

حقائق متغيرة:

يقول العريان: كان ظهور النشاط الإسلامي الشعبوي ظاهرة فريدة من نوعها في القرن العشرين. فقد أدى تراجع المؤسسات الدينية التقليدية في معظم أنحاء العالم الإسلامي، بسبب عوامل شملت الحداثة السريعة والإمبريالية، إلى صعود المثقفين والناشطين العلمانيين، الذين سعوا إلى تنشيط مجتمعاتهم بالمعايير الأخلاقية والقيم التقليدية لعقيدتهم الإسلامية.

ومع ذلك، وتمشياً مع تحديات العصر، اعترفوا أيضاً بالحاجة إلى تكييف هذه القيم مع المعايير الاجتماعية المتغيرة والحقائق الاقتصادية والسياسية الجديدة. فقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر بين الحربين، بعد فترة وجيزة من استقلالها عن بريطانيا، على الرغم من أن البلاد ظلت تخضع لرقابة مشددة من قبل المصالح الأجنبية.

واقترح مؤسس الحركة، حسن البنا، أنه في ظل غياب القيادة القوية التي كانت تقليدياً تدعم المركز الأخلاقي في المجتمع، أصبح لزاماً على الناس العاديين الآن تعزيز المبادئ الإسلامية في مجتمعهم. وينبغي أن يبدأ ذلك بالأسر والمجتمعات المحلية وأن يتوسع إلى الخارج ليمتد على الصعيد الوطني.

وقد وجهت الدعوة أعضائها إلى العيش وفقا للسلوك الإسلامي النموذجي والدعوة إلى تلك القيم في مدارسهم وأعمالهم وأماكن عملهم وغيرها من مؤسسات الحياة العامة.

ومنذ ذلك الحين، تطورت الحركة الإسلامية في مسارين، على الرغم من أن المسارين كانا مترابطين بشكل وثيق. فالمسار الأول تجلى في الوعظ اليومي، عبر الإعلام الإسلامي في الفضائيات وعبر الشبكة العنكبوتية.  وفي معظم الأماكن التي انتشرت فيها جماعة الإخوان المسلمين، أنشأت جمعيات خيرية ومدارس وعيادات طبية ومؤسسات اجتماعية أخرى، لا سيما في المناطق التي تفتقر إلى الرعاية الاجتماعية التي ترعاها الدولة.

أما المسار الآخر فقد نتج عن اعتراف الحركة الإسلامية بأن الدعوة العامة وبناء المؤسسات وحدهما غير كافيين لتعزيز رؤيتها للمجتمع. لذلك تبنت الحركة رؤيا سياسية سعت فيها إلى الاندماج في مؤسسات الدولة، لا سيما في أعقاب ظهور الأنظمة السلطوية المركزية والبيروقراطية، وقد تبنت الحركة بشكل متزايد برامج سياسية تسعى إلى الاندماج في مؤسسات سلطة الدولة.

وتنافست الجماعة على قيادة الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية والانتخابات البرلمانية حيثما أمكنها ذلك. وعلى الرغم من التزامهم المعلن بالإصلاحات التدريجية التي يبدو أنها تقبل هياكل الدولة القومية ومؤسساتها، إلا أن الإسلاميين كانوا في أغلب الأحيان منبوذين من الجهات السياسية الفاعلة، ولم يسلموا من قمع أجهزة أمن الدولة، إلا في استثناءات قليلة.

يؤكد الكاتب بأن جماعة الاخوان المسلمين وفروعها المختلفة أصبحت جزءاً أساسياً في المشهد السياسي في بلدان مثل الأردن والكويت والمغرب، وإن كانت تحت قيود شديدة. وفي حين تم حظر التنظيم رسمياً في مصر، إلا أنه تم التسامح مع التنظيم من قبل نظام حسني مبارك، بل وتمكن من الفوز بـ 88 مقعداً من أصل 444 مقعداً في البرلمان بعد الانتخابات في عام 2005، قبل أن يواجه حملة قمع أخرى.

بعد انفتاح ديمقراطي قصير في أوائل التسعينيات، كان هناك تحالف من الأحزاب الإسلامية يستعد لاكتساح الانتخابات في الجزائر قبل أن يتدخل الجيش لإلغاء النتائج، مما أدى إلى حرب أهلية مدمرة دامت عقداً من الزمن. وفي السودان، تناوبت الحركة الإسلامية بين تبني الاندماج الديمقراطي والسيطرة على الجيش، كما فعلت عندما دعمت انقلاب عام 1989 الذي أوصل نظام عمر البشير إلى السلطة.

وفي الوقت نفسه، فرضت الأنظمة الاستبدادية في دول مثل سوريا والعراق وليبيا وتونس حظراً شاملاً على الإسلاميين، وسعت على مدى عقود إلى محو وجودهم من المجتمع تماماً. في حين ظل مسار الدعوة ثابتاً نسبياً، فإن أولويات الحركة وقراراتها على الجبهة السياسية كانت تتحدد إلى حد كبير من خلال الفرص المتاحة في كل سياق وطني.

الإسلاميون والانتفاضات:

بدءاً من أواخر عام 2010، كانت الاحتجاجات الحاشدة التاريخية التي استهدفت إسقاط الديكتاتوريات في جميع أنحاء المنطقة العربية باسم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تعرض الإسلاميين للمخاطر والفرص.

فمن ناحية، باعتبارها الحركات الاجتماعية الأكثر تنظيماً، والحركات التي لديها منبر جاهز لجذب المؤيدين في شكل الدعوة ورؤيتها لمجتمع أكثر عدلاً وأخلاقاً، كانت هذه الجماعات في وضع الصدارة للمطالبة بتولي السلطة في المراحل الانتقالية إلى حكم أكثر تمثيلاً. ومن ناحية أخرى، لم يكن لدى الإسلاميين في الغالب أي مؤهلات ثورية، كما أنه من الواضح أن نشاطاتهم قد صممت بما يتماشى مع واقع الحكم الاستبدادي.

يوضح الكاتب أن هذا التردد ظهر في القرارات التي اتخذها حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين الذي تم إطلاقه حديثًا، والذي فضل اتباع نهج تدريجي وإصلاحي للانتقال بعد مبارك إلى نهج ثوري تصادمي.

لم تكن الرئاسة قصيرة الأمد لمحمد مرسي الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية تتسم بالتعطش للسلطة، كما اتهمه زوراً النقاد من الليبراليين اليساريين، بل كانت مصممة على تجنب الصدام مع أقوى مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش.

عندما صدر الدستور الذي وضعه حزب العدالة والتنمية في أواخر عام 2012، كرّس الدستور الوضع المتميز للجيش المصري وتركه خارج نطاق الرقابة المدنية. وبطبيعة الحال، لم يكن هذا الموقف المراعي كافياً لتجنيب «الإخوان المسلمين» غضب الجيش وسط تجدد السلطوية في أعقاب انقلاب عام 2013 الدموي.

المهمة مقابل الطموح

يقول الكاتب وحتى قبل انهيارها الملحمي وعودتها إلى وضعها الخارج عن القانون، واجهت جماعة الإخوان أزمة في التوفيق بين رسالتها الاجتماعية التاريخية وطموحاتها السياسية الناشئة.

يتساءل الكاتب: هل سيُطلب من أعضاء التنظيم الانضمام إلى الحزب أم يمكنهم التعبير عن أنفسهم بحرية ضمن المشهد السياسي المزدهر المتعدد الأحزاب في مصر؟ هل يمكن الاختلاف بشأن السياسة أم سيُعد ذلك انتهاكًا للالتزام بمبدأ السمع والطاعة؟ هل أدى اندفاع جماعة الإخوان المسلمين للفوز بكل الانتخابات خلال المرحلة الانتقالية إلى تقديم مصالح الحركة على مصالح الأمة في خضم لحظة ثورية محفوفة بالمخاطر؟

يرى الكاتب بأن التصدعات داخل الحركة، التي ظلت إلى حد كبير طي الكتمان في الماضي، أصبحت أكثر وضوحاً في سلسلة من الانشقاقات البارزة والمناقشات العامة حول الطبيعة المتغيرة للنشاط الإسلامي في العصر الثوري.

واجه حزب النهضة أسئلة مماثلة في تونس، على الرغم من أنه تعمل معها بطريقة مختلفة تماماً. إذ استوعبت الحركة بقيادة الغنوشي إيمانها بالديمقراطية كأساس للنظام السياسي السليم منذ عقود، في مرحلة سابقة من تطورها مقارنة بمعظم الجماعات الإسلامية الأخرى. وقد ضمن التزامها بالتعددية الديمقراطية أن يتجنب حزب النهضة اغراءات السلطة خلال الفترة الأولية الهشة من الحكم الاستبدادي.

وحتى في ظل فوزه في أول انتخابات حرة في البلاد في عام 2011، أصر الحزب على تقاسم السلطة داخل حكومة ائتلافية، وتنحى تماماً في أعقاب أزمة وطنية في أواخر عام 2013، ربما خوفاً من نتيجة مماثلة لما حدث في مصر قبل أشهر قليلة.

وفي إطار تعزيز موقفها التوفيقي، دعم حزب النهضة أيضاً قانوناً يحمي مسؤولي النظام السابق من المساءلة ورفض إدراج الشريعة كمصدر للتشريع في الدستور التونسي المعدل، متخلياً عن عقيدة إسلامية أساسية.

وللتحرر من وابل الانتقادات الداخلية المتوقع، وخلال مؤتمر حزب النهضة لعام 2016، فصل قادة حزب النهضة رسمياً النشاط الدعوي للحركة عن أنشطتها السياسية. وقال الغنوشي، الذي شبه حزبه بالديموقراطيين المسيحيين في العديد من الدول الأوروبية، "نحن ديمقراطيون مسلمون لم نعد نمثل الإسلام السياسي".

اللعبة الصفرية:

نوه الكاتب إلى أنه ومن الصعب المبالغة في تقدير مدى ضخامة الخطوة التي يمثلها إعلان الغنوشي. وفي تجربته المتواضعة كحزب سياسي رئيس قطع علاقاته مع قاعدته الاجتماعية التقليدية وجذورها الأيديولوجية الإسلامية، طرحت حركة النهضة مخططاً للأحزاب الإسلامية لتحقيق النجاح السياسي على الساحة الوطنية.

وقد سلك حزب العدالة والتنمية في المغرب المجاور مساراً مماثلاً، فنأى بنفسه عن الحركة الدينية الأوسع نطاقاً التي حصل منها على الكثير من الدعم عندما شكّل حكومة بعد نجاحه الانتخابي في عام 2011 ومرة أخرى في عام 2016. وقد صرفت حكومة حزب العدالة والتنمية الانتباه عن جذورها الإسلامية من خلال التعهد بالحكم ضمن النظام السياسي القائم، على الرغم من القيود الهيكلية التي تواجهها وعدائها للإصلاحات.

والمفارقة، على ما يبدو، هي أنه كلما أصبح الإسلاميون أكثر نجاحاً من الناحية السياسية، كلما كان من المرجح أن يتخلوا عن أي بقايا من أيديولوجيتهم الأساسية. ومن المؤكد أن المناقشات السياسية حول "إدماج الإسلاميين" كاستراتيجية للتخفيف من الالتزامات الأيديولوجية لهذه الحركات وطموحاتها السياسية ليست شيئاً جديداً.

ومع ذلك، فإن تقييم العمليات الداخلية التي من خلالها تم إخضاع هذه الحركات لضغوط ممارسة اللعبة السياسية يكشف أن الضرورة الثقافية التي غالباً ما يتعرض لها الإسلاميون من قبل منتقدين خارجيين كانت مضللة بشكل صارخ.

وعلى النقيض من ذلك، لا تزال جماعة الإخوان المسلمين في مصر تعاني من أدنى مستوى وصلت إليه في تاريخها المشهود.

وتمثل إن مذبحة رابعة عام 2013، التي قُتل فيها ما يقرب من 1000 مصري على يد قوات الأمن خلال اعتصام غير عنيف، رمزاً لتجدد السرد حول أن هذه الجماعة هي ضحية سياسة النظام العسكري للأرض المحروقة للقضاء على الإسلاموية كقوة في المجتمع، وهو تعهد مركزي في صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.

ومع إغلاق مؤسساتها وسجن أو نفي قيادتها، وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى منعطف استثنائي في تطورها أسفر عن عدد من الردود المتضاربة.

المصالحة مع الأنظمة؟

وعلى الرغم من الهزائم الكارثية التي لحقت بالحركة، تعتقد القيادة العليا للحركة أن المسار الحالي لنظام السيسي غير قابل للاستمرار، حيث أن اعتماده على الإكراه العنيف لا يزال يزعزع استقرار البلاد ويضعف اقتصادها.

ووفقاً للكاتب فإن المسار المفضل لقيادة الجماعة هو المصالحة مع النظام على أمل تحقيق التعايش على مضض لا يختلف عن ذلك الذي حدد علاقة الحركة بنظام مبارك. وقد ظهرت تسريبات إعلامية بأن مثل هذا القرار يلوح في الأفق بانتظام، ولكن حتى الآن لا يبدو أن هناك ما يشير إلى أن السيسي، الذي لم يكن لديه أي معارضة حتى داخل المؤسسة الحاكمة في مصر، مهتم بإعادة دمج المعارضة الإسلامية مرة أخرى في المجتمع.

وأكد الكاتب أنه ينبغي على قادة الإخوان المسلمين الباقين على قيد الحياة أن يتعاملوا مع الانشقاق الواسع الانتشار داخل صفوف الحركة، والذي يضم فصيلاً شبابياً صريحاً يرفض أي مصالحة مع النظام، ويدعو بدلاً من ذلك إلى مسار ثوري يصحح أخطاء المرحلة الانتقالية في مرحلة ما بعد مبارك.

يرى أنصار هذا الرأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن الحركة يجب أن تتخلى عن نظرتها التقليدية نحو التغيير السياسي الذي أدى إلى نهجها المحافظ في الماضي. وبدلاً من ذلك، يجب أن تتبنى الروح الثورية الذي احتشد حولها الملايين من المصريين خلال ذروة الانتفاضة. ومن الأمور الحاسمة بالنسبة لوجهة النظر هذه ضرورة فصل هيكل تنظيم «الإخوان» الهرمي والمغلق الجامد عن مهمتها الاجتماعية والسياسية الأوسع نطاقاً.

ولكن على عكس المنطق الذي يقف وراء قرار حزب النهضة بفصل الدعوة عن السياسة، فإن هذا الرأي يعتقد أن مثل هذه الخطوة ضرورية لتطوير حركة جماهيرية من أجل قلب هيكل السلطة القائم، وليس التودد إليها.

ويضاف إلى هؤلاء فصيل ثالث، يتكون إلى حد كبير من أعضاء خاب أملهم على هامش الحركة، والذي يعتقد أن المشروع الإسلامي التقليدي المرتبط بطبيعته بمصير الدولة القومية الحديثة محكوم عليه بالفشل. ونظراً للأوضاع غير المستقرة لمعظم دول المنطقة وعجزها عن معالجة التحديات الحرجة التي يواجهها مواطنوها، فإن هذه المجموعة ترى أن السعي إلى إقامة نظام سياسي قائم على أساس إسلامي ضمن هياكل السلطة القائمة هو مسعى عقيم.

وعلى الرغم من صغر عدد هذه المجموعة وتمثيلها في الأساس لحركة فكرية بدلاً من حركة ذات قاعدة عريضة، إلا أن هذا الفصيل يؤكد أن سقوط الإخوان المسلمين الدراماتيكي يمثل فرصة فريدة لاستكشاف أفكار جديدة جريئة تعالج المشاكل الجذرية التي لا تعاني منها المصريون وحدهم، بل المجتمعات في جميع أنحاء الجنوب العالمي: العنف القومي العرقي والطائفي، والإمبريالية، والاستغلال الاقتصادي الليبرالي الجديد، وعدم المساواة في الثروة، انعدام الأمن الغذائي، وتدهور البيئة، وهلم جرا.

وفي ظل غياب انشغالها بالتنافس على السلطة السياسية داخل البنية الحالية، يعتقد المؤيدون أن جماعة الإخوان المسلمين، أو ما تبقى منها، ينبغي أن تبني مهمتها من جديد، غير المثقلة بتقاليدها الإيديولوجية أو مطالب السياسات الحزبية المتغيرة باستمرار.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لها تأثير على الأحداث في أي وقت في المستقبل القريب، إلا أن الديناميكية التي تم التعبير عنها في هذه المحادثات المبكرة من المرجح أن تُنير المسار طويل الأجل للفكر الإسلامي - أو ربما بشكل أكثر دقة، الفكرة ما بعد الإسلامي.

المضي قدماً:

يقول الكاتب أن مصير الإسلاميين على المدى القريب يتطلب بطريقة أو بأخرى التخلي عن معتقداتهم وممارساتهم الراسخة. وفي أفضل الحالات، أثبت الاندماج الناجح ضمن الحدود الضيقة التي تسمح بها بعض الدول أن ما من شيء أقل من إعادة تشكيل المهمة الإسلامية التقليدية كحزب سياسي في القرن الحادي والعشرين مثل أي حزب آخر.

وهذا لا يعطي سبباً كبيراً للتفاؤل، حيث أن هياكل السلطة التي تعمل في إطارها هذه الأحزاب غالباً ما تتركها منفصلة عن قاعدة دعمها داخل المجتمع، معرضة للفساد وتضطر إلى التنازل عن الأساس الأخلاقي الذي تشكلت حوله.

أثار دعم زعيم حزب النهضة الأخير لحملة القمع التي تشنها فرنسا على المسلمين غضباً في جميع أنحاء العالم الإسلامي، لكنه لم يكن سوى حلقة في سلسلة من الأحداث التي أثارت أيضاً غضب الكثيرين داخل الحزب، مما أدى إلى عدد من الاستقالات العلنية.

وقد أعربت شخصيات حزبية تنحّت في الأشهر الأخيرة عن شكوكها العميقة إزاء بعض الإجراءات والقرارات السياسية التي اتخذتها قيادة النهضة، لا سيما خروجها عن القيم الأساسية للحركة.

وفي أماكن أخرى، أدى نجاح القوى المناهضة للثورة في وقف موجة التغيير الهيكلي إلى إهمال القوى الإسلامية. وقد أدى المشروع الإقليمي إلى حد كبير من قبل حكومتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب عملائها المحليين، إلى تآكل مساحة التعايش المشترك غير المستقر.

في الوقت الذي تهدف فيه الدكتاتورية المنتعشة في مصر والحروب الأهلية المدمرة في سوريا وليبيا واليمن إلى ترسيخ نظام استبدادي جديد، لا يوجد مجال كبير للحركات الاجتماعية الشعبية ذات التطلعات السياسية، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية.

وفي حين أنه من المرجح أن تستمر "الفكرة الإسلامية"، إذا جاز التعبير، كقوة ذات جاذبية اجتماعية واسعة، فإن الجهات السياسية الفاعلة التي كانت أكثر المدافعين عنها تواجه صراعاً وجودياً للنجاة، حيث قُتل العديد منهم أو سجنوا أو أجبروا على العيش في المنفى.

يختتم الكاتب مقالته بالقول: قد تكون الظروف التي وقعت حولها مختلفة جذرياً، لكن التأثير هو نفسه في أي مكان آخر: الفصل القسري بين المهمة الأساسية للحركة الإسلامية ونشاطها السياسي. ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا يمثل المرحلة الأخيرة في تطور الإسلاموية كبديل سياسي قابل للتطبيق أو ينذر بزوالها.