مقدمة
تأثرت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر سلباً في شباط (فبراير) 2015، وذلك بعد الموقف القطري من الضربات التي شنها الطيران المصري على أهداف في ليبيا، حيث وجهت قطر عدة انتقادات لمصر بسبب شنّها لغارات على مدينة درنة في ليبيا، والتي أودت بحياة مدنيين حسب ما أفادت الفضائيات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان، وجاء الرد المصري باتهام قطر بمساندة "الإرهاب"، الأمر الذي أدى إلى اضطراب للعلاقات وتبادل للاتهامات بين الساسة في البلدين، ومن خلال تتبع العوامل والمحددات الأكثر تأثيرا على السياسة الخارجية لكلا البلدين والتي تتمثل بالعوامل الاقتصادية والعوامل السياسية الداخلية والخارجية إضافة إلى تأثير الإعلام، وبسبب ارتباط العلاقات السياسية بين البلدين بأرضية اقتصادية تتمثل باستثمارات قطر ومشاريعها الحالية والقادمة في مصر من جهة، والعمالة المصرية في الأراضي القطرية التي تزيد عن مئة وخمسين ألف مصري من جهة أخرى؛ تبين أن العلاقات الاقتصادية والأبعاد التنموية الداخلية لكلا البلدين هي اللاعب الأساس والمحرك الرئيس لاستمرار وتماسك العلاقة، وبالتالي؛ فالمرجح أن يسود التوتر دون انتهاء للعلاقات أو الوصول إلى طريق مسدود بين البلدين.
أسباب التوتر الأخير
أثار شريط الفيديو الذي بثه تنظيم "داعش" في منتصف شباط 2015، والذي ظهر فيه قيام عدد من عناصره بقتل واحد وعشرين قبطيا مصريا على شاطئ البحر في إحدى المدن الليبية؛ ضجة واسعة داخل مصر وفي العالم العربي، وطالب المصريون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بضرورة الرد، وفي خطابه بتاريخ 15 شباط (فبراير) أدان السيسي الحادثة واحتفظ بحق الرد، ودعا مجلس الدفاع الأعلى للاجتماع، وبعد ساعات جاء الرد المصري بغارات جوية استهدفت مدينة درنة الليبية، وأودت الغارات حسب إفادة منظمة هيومن رايتس ووتش بأرواح ستة مدنيين ليبيين معظمهم من الأطفال بعد استهداف عدد من الأحياء السكنية في المدينة، ولاقت الغارات ترحيباً من الجامعة العربية باستثناء قطر التي انتقدت هذا التوجه لأسباب قانونية وسياسية.
ردود وتصريحات متبادلة
تحفظت قطر على فقرتين من بيان الجامعة العربية بخصوص التدخل المصري في ليبيا: الأولى عن حق مصر في توجيه ضربات جوية للمنظمات "الارهابية"، والأخرى المطالبة برفع الحظر الدولي عن وصول الأسلحة إلى الجيش الليبي، وجهت مصرعن طريق مندوبها في جامعة الدول العربية طارق عادل اتهاماً لقطر بدعم المنظمات الارهابية بسبب هذا الموقف.
وفي خضمّ تبادل الاتهامات؛ ردت قطر على الاتهامات المصرية باستدعاء سفيرها لدى مصر للتشاور، وأصدرت الخارجية القطرية بيانا أوضحت فيه أسباب تحفظها على العمل العسكري المصري في ليبيا، والذي قالت بأنه "جاء متعارضا مع أصول العمل العربي المشترك الذي يقضي بأن يكون هنالك تشاورا بين الدول العربية قبل قيام إحدى الدول الأعضاء بعمل عسكري منفرد في دولة عربية أخرى، لما قد يؤدي هذا العمل من أضرار تصيب المدنيين العزل"، وبحسب البيان القطري فإن الدوحة تحفظت أيضا على دعوة الجامعة العربية إلى رفع الحظر الدولي المفروض على إرسال أسلحة إلى ليبيا، معللة هذا الموقف برفضها "تقوية طرف على حساب طرف آخر قبل نهاية الحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون لها الحق بطلب رفع الحظر بالنيابة عن الشعب الليبي". وطالبت الخارجية القطرية القاهرة بـ"عدم الزج باسم قطر في أي فشل تقوم به الحكومة المصرية"، مشددة على "تأكيد دولة قطر لشجبها وإدانتها للعمل الإجرامي" الذي ارتكبه الفرع الليبي لتنظيم "داعش" بإعدامه واحداً وعشرين قبطيا مصريا.
كانت العلاقات القطرية المصرية قد تاثرت بشكل كبير بسبب موقف قطر الرافض لانهاء حكم الرئيس محمد مرسي من قبل عبد الفتاح السيسي في عهد الرئيس القطري السابق حمد بن خليفة، وفي بداية حكم تميم بن حمد؛ مالت العلاقات المصرية القطرية الى التحسن قليلا بسبب مبادرة السعودية الناتجة عن مؤتمر الرياض لانهاء الخلاف بين البلدين، والذي اكد على التزام جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بسياسة المجلس لدعم مصر والإسهام في أمنها واستقرارها، فضلا عن دعم التوافق بين الدول العربية، وخاصة بين مصر وقطر، وبدأت اولى مساعي المصالحة المصرية القطرية في كانون اول (ديسمبر) 2014 باستقبال السيسي لمندوبين عن السعودية وقطر.
الموقف المصري: من اعلامي الى رسمي ثم شعبي
تساهم عدة عوامل ومحددات في التأثير على الموقف الرسمي المصري تجاه أي قضية داخلية وخارجية، وعادة ما تساهم هذه المواقف في صياغة السياسة العامة المصرية تجاه قضية معينة وخاصة في عهد عبد الفتاح السيسي.
مرت مصر بمراحل انتقالية متسارعة بدء من ثورة 25 كانون ثاني (يناير) 2011 التي أنهت فيها الجماهير المصرية حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، مرورا بسيطرة المجلس العسكري المصري على البلاد، ومن ثم إنهاء حكم الرئيس محمد مرسي في أواسط عام 2013 بعد فترة وجيزة من استلامه لزمام الحكم كأول رئيس مصري منتخب. هذه الأحداث المتسارعة التي حدثت في فترة وجيزة ساهمت في أحداث تحولات على آلية صناعة القرار المصري الخارجي بما يتلاءم مع توجهات الجهات التي تؤثر على صناع القرار.
يؤثر الإعلام المصري بشكل كبير في صناعة القرار المصري تجاه القضايا المحلية والدولية، وظهر دوره البارز بالتأثير على الرأي العام وإحداثه لتغييرات أدت إلى إسقاط نظامين مصريين بين عامي 2011 و2013، وبسبب ذلك الدور؛ تفتحت أنظار الشعب المصري لوسائل إعلامه وإعلامية ولما يصدر عنهم سواء المؤيدين أو المعارضين لسياسات الدولة، وساهم الإعلام في تحشيد السيسي تجاه قطر بكافة الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة.
كما ساهمت الجماهير المؤيدة للسيسي في تحويل الموقف الرسمي المصري تجاه قطر إلى موقف شعبي رافض للتصريحات القطرية، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي مثلا قام عشرات النشطاء بالكتابة على هاشتاغ يشتم قطر، وتحول تبادل الاتهامات بين الشعبين أيضا بعدما كان الموقف رسمي.
قناة الجزيرة
خلال الأحداث على الساحة المصرية منذ بداية عام 2011، بثت قناة الجزيرة كغيرها من الفضائيات العربية والعالمية الأحداث في مصر، واتُهمت القناة بإثارة الفتنة بين أبناء الشعب المصري؛ كما قيل بأنها إعلام قطري "مسيس". يذكر أن قناة "الجزيرة مصر" التي أغلقت نهاية 2014 بقرار قطري ضمن الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين البلدين هي فضائية ركزت في مضمونها على ما يدور في الساحة المصرية، وكانت القناة قد أنشأت بعد الاطاحة بنظام حسني مبارك، وساهمت في التغطية المباشرة وتسليط الضوء على الساحة المصرية.
ضمن تسليط الضوء على الأحداث في الساحة الليبية بثت قناة الجزيرة الفضائية تقريرا مصورا يظهر المواقع التي قصفها الطيران المصري في مدينة درنة الليبية ردا على قيام تنظيم "داعش" بقتل واحد وعشرين قبطيا مصريا، وأظهر التقرير من خلال الصور وشهادات السكان بأن القصف استهدف حيا مدنيا وأودى بحياة ستة ليبيين من الأطفال والنساء، وأن المحافظة التي تم استهدافها لا تقع تحت سيطرة تنظيم "داعش"، ولاقى التقرير ردود فعل واسعة في الإعلام المصري الذي هاجم قناة الجزيرة واتهمها بإثارة الفتنة وعدم المصداقية في تقاريرها، وأصر الإعلام المصري بأن الغارات المصرية استهدفت مواقع "داعش" في ليبيا، وطلب بعض الإعلاميين البارزين من السيسي مقاطعة قطر مقاطعة كاملة من جميع النواحي.
العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر
افاد رئيس اتحاد المستثمرين العرب جمال بيومي لصحيفة "الوطن القطرية" بأن حجم الاستثمارات المصرية في قطر بلغ 18 مليار دولار حتى نهاية عام 2014، وتوقع زيادة الاستثمارات بين البلدين خلال الفترة القادمة، والتي تضمن مشروع قناة السويس، والصناعات الورقية والسكر والبنجر، ومشروع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وجدير بالذكر أن مصر ستعقد المؤتمر الاقتصادي المصري منتصف شهر آذار (مارس) 2015 المقبل، والذي سيضم ممثلين عن عدد كبير من الدول، وكان عدد من المستثمرين الاقتصاديين القطريين ابدوا تاكيدهم حول المشاركة في المؤتمر بشكل شبه رسمي، وهذا دليل على وجود المصالح الاقتصادية التي تربطهم بمصر من خلال الاستثمارات والمشاريع الرأسمالية الفردية، وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قد أعلن في كانون الثاني الماضي أنه سيشارك في المؤتمر بعد تلقيه دعوة من السيسي، ولم يصدر أي تصريح يفيد خلاف ذلك بعد الازمة الاخيرة.
كما وترتبط مصر بقطر من خلال عدد العمال المصريين الذين يمارسون أعمالا ومهن في قطر، ويتجاوز عددهم أكثر من مئة وخمسين ألف عامل، وهذا العامل يساهم بقوة في بقاء العلاقات بين البلدين رغم كل التوترات.
خاتمة
مما سبق، نجد أنه وبالرغم من أن العلاقة بين كل من مصر وقطر قد تخللها وجود اتهامات مستمرة بين الطرفين، فلم تنتهي العلاقات بسبب وجود ارتباطات اقتصادية متبادلة بين البلدين والمتمثلة بالاستثمارات القطرية في مصر من جهة، إضافة إلى العمالة المصرية في قطر من جهة أخرى، وبالتالي؛ فإن العلاقات الاقتصادية والتنموية لن تتأثر بالتصريحات السياسية لان حجم الاستثمار اكبر من ان يتم انهاؤه في ايام قليلة وبسهولة تامة، وخاصة ان قطر لا يمكن ان تستغني بسهولة عن سوق استهلاكي مثل السوق المصري، وكذلك ان سحب اكثر من مئة وخمسين الف عامل مصري من قطر ليس بالامر الهين، وخاصة اننا نتحدث عن دولة لا يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة وهي دولة غنية ومليئة بالصناعات والفرص ورؤوس الاموال، مقابل دولة فقيرة يبلغ عدد سكانها اكثر من تسعين مليون نسمة تعاني من الاكتظاظ والبطالة ونقص الفرص، فعلاقة المصالح الاقتصادية بين البلدين هي علاقة مصالح متبادلة بغض النظر عن حجم الرأسمال القطري في ظل وجود سوق داخلي صغير لا يستوعب حجم الاستثمار مثل السوق المصري.
إن إبداء الرغبة من قبل مستثمرين قطريين بحضور المؤتمر الاقتصادي المصري الذي سيعقد منتصف آذار (مارس) 2015؛ فيه دلالات على امكانية تحول العلاقات الاقتصادية من علاقات تحكمها الدولة إلى علاقات يسيطر عليها الأفراد، ويتم بموجبها هيمنة السوق من خلال رفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على المشاريع والعلاقات الاقتصادية الفردية، وفي حال وصلت العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين إلى طريق مسدود بشكل يعارض رغبة المستثمرين الأفراد؛ فإن الحل للخروج من هذه الأزمة يكمن في عملية الخصخصة؛ من خلال بيع المشاريع القائمة إلى رجال الأعمال وفي ذلك تعزيز للنظرية الليبرالية الجديدة.