السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أُنثى المواسم/ بقلم: عبدالله لحلوح

2021-01-01 10:04:27 AM
أُنثى المواسم/ بقلم: عبدالله لحلوح
عبدالله لحلوح

 

 

في علاقات الرجال بنسائهم؛ أعني علاقات الأزواج، تنشأ في العادة بعض الخلافات والتجاذبات، وهي ظاهرة صحيةٌ لا جدال فيها، فالأزواجُ أرواحٌ تأتلف وتختلف، ولكنها قد لا تلتقي التقاءً دائمًا، ويفترض ألا تنفصل انفصالًا تامًّا. على قاعدة ( الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية). هذا في الأوضاع الطبيعية، التي تكون فيها العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على التفاهم المعقول، ومبنية على أُسس متينة، تغذيها المحبة، وتنميها المودة، وتغلفها سمات الاحترام، وإدراك الطرفين لقيمة كلٍّ منهما.
 

ولكن للأسف الشديد، في المجتمعات الذكورية، التي ظاهرها الرجولة، وباطنها (حدِّث ولا حرج) تتداعى العلاقات الزوجية، وتتهاوى عند أول المفترقات، فَلِمُجرَّد خلاف بسيط، وهو ربما لا يرقى لتسميته خلافًا، فقد يُفَصِّل الرجلُ الأمر على أنه قضية خلافية كُبرى، قد تستدعي تدخُّلًا عاجلًا على مستوى جامعة الدول العربية، وربما يرقى الأمر إلى المطالبة بانعقاد مجلس الأمن، والخلاف لم يكن في بدايته ليتجاوز أنَّ قلاية البندورة كانت ملوحتها لا تناسب السيد، أو أنها حرّاقة أكثر من المطلوب، وربما لأنَّ زوجته نامت نصف ساعة زيادة عن الوقت المحدد لها، وذلك بعد أن عادت إلى البيت من دوامها بعد أن عاد زوجها من دوامه بثلث ساعة، وهي تحملُ على ظهرها حقيبة الدوام، وبين يديها نصف الحسبة، وفِي رحمها جنينٌ ابن شهرين، وعلى صدرها ترفع طفلها الذي أخذته من الحضانة، ثم بدأت بتفريغ حمولتها، بعد أن عرَّجت على المطبخ مباشرة، ثم أشعلت النار تحت طبخةٍ أعدتها صباحًا قبل أن تذهب إلى عملها، ثم ذهبت إلى غرفتها لتغيير ملابسها على عجل، لتجده رافعًا رجليه، مستلقيًا على وقع شخيره، منتظرًا أن تسكب الآلة ( زوجته) الطعام. ثم بعد أن أنهى طعامه، أشعل سيجارته، وعاد لينام نومه العميق؛ لأنه كان في العمل، والعمل عبادة، وبعد العبادة لا بدَّ من الشعور بلذة الراحة، فلماذا لا يأخذ قسطًا من الراحة؟
 

أما تلك المرأةُ الزوجة التي كانت يومًا حبيبته، وربما ستكون حبيبته في آخر الليل لو رغب بذلك، لكنَّها الآن في عمل رسمي، فعليها أن تقوم بواجباتها المنزلية على أكمل وجه، فهناك غسلُ الأطباق، ومن ثمَّ وضع وجبة أو اثنتين من الغسيل في الغسالة، وبعد ذلك لا بد من تدريس الأطفال، ثم عليها أن تحضر لهم وله العشاء، ثمَّ حفلة القهوة إيذانًا بسهرةٍ عائلية جميلة، يفصِّلها الرجل على مقاسه، في المكان والزمان، ويقرِّرُ موضوعاتها هو، وبيده زرُّ ابتدائها وانتهائها، ثم بعد ذلك قد تأتي فترة كيِّ الملابس، وربما تؤجل للصباح الباكر - إن انتهت السهرة على خير-، والخير يحدده الرجل حسب أهوائه ومعاييره، فربما يفكر بأن يتجلّى تلك الليلة، فيجلّيها معه، وإلا فسيظلُّ ( بوزه شبرين) إلى أن ينفضَّ السامر، وينامُ السُّمّار والسماسرة والشياطين أيضًا.
 

أُنثى المواسم، لا تكون أُنثى في نظر الرجل الذي لا يدرك سرَّ الأنثى إلا في مواسم معينة، فقد تكون عشيقته وحبيبته مثلًا عند نزول الراتب، أو عندما يعلم أنَّ مشروعًا للورثة التي تركها أبوها تلوح بوادره في الأفق، أو عندما يرى أنَّ ( ذهباتها) التي اشترتها (فتخة فتخة) مِحرزات، وأنه من واجب المرأة، بل مما يدلُّ على انتمائها القومي، أن تبيع الذهب لو شعرت أن زوجها في عُسرة، وربما ستكون حبيبته التي لا تعلو عليها حبيبة، لو هي اقترحت عليه أن تأخذ له قرضًا على راتبها، وبكفالةِ أخيها أو أُختها غير المتزوجة دون علم والدها. فكلُّ هذه التفاصيل تجعل المرأة عشيقة وحبيبة في عين زوجها الفاضل العاقل الحكيم، بالإضافةِ إلى بعض المواسم الأسبوعية ليلًا، كنهاية الأسبوع مثلًا، وللحظاتٍ معدودة، ثمَّ ينتهي الموسم، وتعود الحياةُ لطبيعتها؛ المرأةُ في خط النار، والقَبَضاي جاهزٌ لانتقاداته التي لا تنهي، وفِي النهاية تسكت المرأة وتستكين، لأنَّ هناك أبناءً، ولا بد من التضحية، و(بُكرا بِتْغَيَّر). وسيتغيَّرُ الكونُ كلُّه، وتتحطَّمُ ممالِكُ، والأفندي على مبدئه الثوري، صاحب مواقف ثابتة، أو ربما أنَّ ( بكرا) الموعود، لم يأتِ بعد، ولن يأتي أبدًا.
 

يا نساء المواسم، رفقًا بأنفسكنَّ، فالرجالُ القوّامون على النساء، لن تقوم لهم قائمة، ولا لمجتمعاتهم، إلا عندما يفهمون قيمةَ المرأة حقَّ الفهم، وحتى يفهموا ذلك، عليكنَّ فَهْم ذواتكنّ. والفهمُ لا يكون في المواسم، وإنما بالإيمان بقدرة الإنسان الذي يقف على أبواب قلوبكنّ، وبالقوَّةِ الربَّانية التي تنتصبُ خلفَ هذه الأقنعة الضعيفة.