الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الوضع إلى أين؟ فلسطين بين مطرقة التواطؤ والغموض وسندان العجز والتعقيد

2014-07-08 02:28:52 AM
الوضع إلى أين؟ فلسطين بين مطرقة التواطؤ والغموض وسندان العجز والتعقيد
صورة ارشيفية

 

الحدث- محمود الفطافطة

في الوقت الذي “يُجمع” فيه كثير من خبراء السياسة والأمن في المنطقة والعالم على السمات المتلازمة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كالمواجهة المفتوحة والتعقيد الشائك والغموض الحاد، فإن ما يجري من أحداثٍ وتطورات في الأراضي الفلسطينية، يندرج في “شبكة” هذه المتلازمة التي تحتاج إلى متابعةٍ دقيقة وفهم صحيح ورؤية استشرافية موضوعية، بهدف الوصول إلى إجابات، ولو متقاربة، لطبيعة وحقيقة هذه المجريات التي غدت “كالمرجل” تتقاذفه أيدٍ متصارعة يوشك بفعلها على التبعثر، مُحدثاً نتائج ذات تأثيرات وخيمة لكافة الأطراف والمجالات.

هذه التطورات المتسارعة التي تجلت ذروتها عقب الإعلان عن اختفاء أو “خطف” ثلاثة مستوطنين قبل أقل من شهر، تطرح جملة من التساؤلات التي ما زال كثير من إجاباتها معلقة لتعقيداتها، وغامضة لسريتها، ومقلقة لأبعادها. أبرز هذه الأسئلة: ما حقيقة التطورات الأخيرة؟ وما هي أهم العوامل التي دفعت لحدوثها؟ وما هو تأثير واقع الداخل الفلسطيني والإسرائيلي والخارجي في ذلك؟ وما هي السيناريوهات والأبعاد المحتملة لمجمل هذه التطورات؟

انسداد وأثمان!

يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بجنين، د.أيمن يوسف، إن الأحداث الجارية ناتجة عن عوامل طبيعية وموضوعية، نظراً لاستمرار الاحتلال وممارساته التدميرية والدموية بحق الإنسان والمكان الفلسطيني من جهة، ولانسداد الأفق السياسي والاقتصادي أمام الفلسطينيين من جهة أخرى.  هذا الاحتلال وما تشهده الساحة الفلسطينية من انسداد في مجمل المناحي، جعلت من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يمر في أكثر مراحله تشابكاً وتداخلاً، إلى درجةٍ يمكن معها الحديث عن عودة متسارعة إلى المربع الأول لهذا الصراع.

هذا الوصف الذي يبديه المحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم، أدى إلى تراجع فرص التوصل إلى أي حل سياسي لهذا الصراع، وتحول الحديث عن “الحل” السياسي أقرب إلى التندر والاستهزاء السياسي، منه إلى التحليل السياسي الجاد.

هذا الصراع الذي لا يتوقف سكب الزيت على نيرانه، يساهم بين حين وآخر في خلط وبعثرة الأوراق لمعظم القضايا ذات الجدل والاحتدام بين المتصارعين، فعملية اختفاء المستوطنين الثلاثة ومن ثم قتلهم ( حسب الرواية الإسرائيلية) أعادت، وفق الإعلامي محمد دراغمة، خلط الأوراق وتعقيد القضايا، ووجد كل طرف من اللاعبين الأساسيين (إسرائيل وحماس والسلطة) نفسه في موقع جديد وتحديات جديدة بعد هذه العملية التي حركت الكثير من المياه الراكدة. هذه العملية، برأي دراغمة، استغلتها إسرائيل لتدفيع حركة حماس ثمن هذه العملية لفترة طويلة مقبلة، عبر تشديد الضعط السياسي والعسكري والاقتصادي عليها في غزة، واستهداف أي حضور لها في الضفة، ومحاولة منعها من لعب أي دور في النظام السياسي الفلسطيني.

"د. يوسف: الاحتلال وانسداد الأفق أقصر الطرق لعدم الاستقرار"

هذا الثمن قد يتجسد بصورٍ وتجليات عديدة، منها قيام إسرائيل بتوجيه ضربة قاسية وسريعة لنقاط وبؤر عسكرية وسياسية في القطاع، كما يذكر د. يوسف، وكذلك قيام حكومة نتنياهو باستهداف قيادات سياسية وعسكرية كبيرة في حركة حماس في القطاع، إلى جانب تشديد الحصار على القطاع، مع الاستمرار في عمليات القصف الجوية، والتعرض للمزارعين والصيادين  في عرض البحر. 

افتعال وإجهاض

وبالعودة إلى عملية “الاختفاء”، فإن الصحافية الإسرائيلية عميرة هاس، تذكر في مقال لها بصحيفة هآرتس أن الفلسطينيين يرون في عملية “الاختطاف” نهجاً إسرائيلياً هدفه اختلاق المشاكل لهم عبر ترحيل الصراعات والمشكلات المتواصلة التي تواجها حكومة نتنياهو. وتضيف: “سعى نتنياهو خاصة بعد الإعلان عن حكومة التوافق الفلسطينية إلى بعثرة الأوراق، سيما وأنه كان يتعرض إلى جملة تحديات، كالرفض الأوروبي والأمريكي لمعارضة حكومة التوافق، وتواصل إضراب المعتقلين الإداريين عن الطعام، فضلاً عن الأصداء الإعلامية ضد إسرائيل لاستمرارها “بالعنف” ضد الفلسطينيين، كقتل جنود الاحتلال للفتيين الفلسطينيين في بيتونيا بدمٍ بارد، وهو ما ألحق الضرر بالرواية الإسرائيلية، عدا عن الإحراج للحكومة الإسرائيلية بصورةٍ ظاهرة لدى عدد من مسانديها وأصدقائها في العالم”.

وفي ظل هذه العقبات وغيرها، التي تعرض لها نتنياهو، فقد سعى، وفق هاس، إلى إفشال حكومة التوافق الوطني، وإلى إلغاء إنجازات صفقة شاليط، وإلى المس بالبنية التنظيمية والعسكرية والسياسية لحركة حماس، سيما وأن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية أكدت على “استرداد” روح القوة والفاعلية للحركة في مناطق الضفة الغربية.

"عيسى: الاستراتيجية والمصداقية أولاً"

 

عملية المس ببنية حماس ليس شرطاً توجيه ضربة قوية لها في القطاع وإنهاء سيطرتها عليه. في هذا الشأن نجد بعض رجال الأمن الإسرائيليين السابقين يحذرون من إنهاء حكم حماس على القطاع، فرئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” السابق، يوفال ديسكن يؤكد: “أن بقاء سيطرة حماس على القطاع يمثل أهون الشرين مقارنة مع البدائل الأخرى”، هذه البدائل وفق ديسكن تتمثل في إمكانية أو احتمالية سيطرة مجموعات “إرهابية متطرفة” على شاكلة القاعدة أو جزء منها على القطاع، خاصة في ظل الحديث عن قوة وتمدد “داعش” في المنطقة، فضلاً عما يصاحب دول “الربيع العربي” من اضطرابات وتحولات سريعة وخطيرة.

تحريض واحتواء شامل

وفي مقابل تحذير البعض أو تردد البعض الآخر من الإسرائيلين في القضاء على حماس في غزة، فإن إسرائيل وظفت عملية “الاختفاء” للقيام بشن عملية واسعة في الضفة الغربية، لا سيما في منطقة الخليل، وبالتحديد في مدينة دورا، هدفها الواضح القضاء على البنية التنظيمية والعسكرية لحماس في الضفة، هذه العملية الإسرائيلية شملت حملة اعتقالات واسعة في صفوف حركة حماس وقياداتها السياسية، إلى جانب إقامة بؤر استيطانية جديدة، ومصادرة الأراضي وتجريف المحاصيل الزراعية، عدا عن دهم كثير من المؤسسات الإعلامية والأكاديمية، وتحطيم أو سلب الأجهزة والمعدات التابعة لها، علاوة على مصادرة وسرقة أموال ومعدات ومركبات، وسواها من الممارسات الدموية والتدميرية بحق كل ما يتصل بالحياة المادية والبشرية الفلسطينية. كذلك، فإن حكومة الاحتلال لديها خطة عملية للعودة إلى سياسة هدم البيوت، بشكل مكثف، حيث ذكرت صحيفة هآرتس مؤخراً أن حكومة نتنياهو ستقوم قريباً بهدم عشرات المنازل الفلسطينية. يجب الإشارة هنا إلى أن سياسة هدم البيوت قد أوقفها الجيش الإسرائيلي عندما لم يجد فيها أداة ناجعة في وقف العمليات ضد إسرائيل. وفي مقابل كل ذلك، فإن الطائرات الإسرائيلية لم تهدأ في سماء قطاع غزة، حيث تقصف بين حينٍ وآخر مواقع ومنشآت أودت بحياة وأدت إبى إصابة العشرات.

"د. سويلم: الصراع يعود للمربع الأول"

 

هذا الفعل الإسرائيلي الدموي المتواصل بحق الفلسطينيين، يتزامن مع مطالب لكتاب وأكاديميين وإعلاميين إسرائيليين بضرورة “الردع” الحاسم والشامل للفلسطينيين.  ففي هذا الصدد “يقول رؤبين” باركو في مقال له في جريدة “إسرائيل اليوم”: “يجب على إسرائيل، بإزاء المس الخطير بردعها، أن تهدم بيوت النشطاء وعائلاتهم، وأن تجليهم إلى القطاع، كما وعليها أن تقلل حبس المطلوبين وأن تصفيهم في الميدان، متخلية عن المعلومات التي يملكونها”. ومثله “أسفي برئيل”، الذي يطالب في مقال له في صحيفة “هآرتس”  بضرورة أن يكون الرد الصهيوني قوياً وحازماً “للإرهاب”، وإلا فإن الشرعية والقوة والردع الإسرائيلي سيتهاوى. ومثلهما “شمعون شيفر” الذي يطالب في  مقال له بـ” يديعوت أحرنوت “، يطالب “برد إبداعي على الإرهاب المتعاظم، وإلا فإن عملية خطف جديدة ستشهدها إسرائيل قريباً”.

كل هذه الممارسات الإسرائيلية وتلك النداءات والمطالب المختلفة بمواجهة و”ردع” الفلسطينيين، تهدف إلى إعادة الروح في سياسات اليميين الإسرائيلي المتطرف الذي عاد، كما يشير، د. سويلم إلى الحديث المباشر، ليس فقط عن رفضه التام لحل الدولتين، وإنما عن”حقوق” السيطرة على كامل فلسطين التاريخية، وتحويل حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية إلى مجرد “مشكلات سكانية” في الضفة الغربية.

الصراع.. جُدر وجذور!

هذا الرأي تعززه ملامح نظرية نتنياهو السياسية التي كشف عنها في خطابه ليلة العثور على جثث المستوطنين الثلاثة، فوفق نتنياهو، يجب على إسرائيل أن تتحمل وحدها المسؤولية الأمنية عن “أرض إسرائيل” كلها. بهذه الطريقة وحدها تضمن إسرائيل سلامة مواطنيها كما يرى نتنياهو.  وفي تحليل للصحفي الإسرائيلي “أفرايم هليفي” بجريدة يديعوت أحرنوت، يذكر: “أن رؤية نتنياهو هذه تهدف إلى إبقاء الوضع هكذا بصورة دائمة، وحتى لو وجدت على مر الأيام سبل لمنح الفلسطينيين ما يشبه دولة في حدود ما، فستكون كياناً يفقد سمات استقلال سياسي كثيرة”.  

فالتطورات الأخيرة توجب، كما يرى نتنياهو في خطابه،  إنشاء جدار أمني ناجع موثوق به على حدود الأردن، لمنع الأخطار من الشرق والشمال الشرقي، وللتحكم الفعال بحركة السكان الفلسطينيين الذين يعيشون بين جدار الأمن الغربي وبين الجدار الجديد الشرقي.

هذا الوضع هو الأمثل لإسرائيل خاصة في ظل استغلال حالة الغياب العربي واستغلال حالة الخلاف الدولي، للإطباق على الحالة الفلسطينية، وتجريدها من المكاسب التي تحصل عليها، ولابقائها في نقطة الصفر. هذا ما يراه الكاتب يحيى رباح في مقال له بعنوان “نظرة أعمق إلى الحملة الإسرائيلية” نُشر في جريدة الحياة الجديدة السبت الماضي، ويبين رباح أن إسرائيل مارست هذه السياسة من خلال تصعيد التطرف لدى مجتمعها ونخبها السياسية، ومن خلال إعطاء الاستيطان مساحة فعل أوسع في الحياة السياسية اليومية في إسرائيل. ويشير رباح إلى أن إسرائيل، ومنذ أكثر من سنة تقريباً، تقترب خطوة وراء الأخرى لتنفيذ هذه الحملة العسكرية الأمنية المتواصلة لغاية الآن.

هذه الرؤية الإسرائيلية وغيرها من إجراءات الاحتلال بحق الفلسطينيين، هي التي ساهمت في أن تتحول فلسطين إلى ساحة “قذرة” وفق وصف الكاتب “روبرت فيسك”. يقول فيسك في مقال له نشر مؤخراً: “إن فلسطين تحولت إلى ساحة قذرة، تغطيها حسابات سياسية فاضحة، لها امتدادات عربية وعالمية”، ويذكر فيسك أن الصراع كله متعلق بالأرض وبالمستوطنات غير القانونية وغير الشرعية التي تبنيها إسرائيل على أراضي الفلسطينيين. الحل في رأي الكاتب البريطاني يكمن في الاعتراف الإسرائيلي والدولي بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة لهم، حتى يعيشوا أحراراً وسعداء كغيرهم.

عجز وتواطؤ

وفي السياق ذاته يؤكد المحلل السياسي خليل شاهين، أن هناك حالة عدم يقين تعطل إمكانية أي مبادرات حقيقية، منوهاً إلى أنه لا يمكن العمل السياسي دون اتضاح وضع المصالحة الشكلية الحالية، ودون اتضاح الموقف المصري من حركة “حماس”، ودون اتضاح الموقف الدولي من حكومة التوافق، ودون استراتيجية وطنية فلسطينية تحدد ملامح الوضع في الأيام المقبلة.  ويضيف: “هناك حالة ترقب دائمة من قبل القيادة الفلسطينية من أجل حصول تغيير في المنطقة يخدم القضية الفلسطينية، لكن مع الأسف، والكلام لشاهين، فإن هذا الانتظار غير واقعي في ظل وجود “داعش” التي تهدد المنطقة برمتها، وانشغال العالم بالوضع في العراق وسوريا وإيران.

"شاهين: القيادة تترقب دون أن تبادر"

 

فالقيادة الفلسطينية، وفق دراغمة، خياراتها محدودة ولديها قلق شديد من الذهاب في أي خطوات حالية تغضب الولايات المتحدة وإسرائيل، وتؤدي الى انهيار السلطة، وبالتالي عودة الفلتان الأمني إلى الأراضي الفلسطينية، وانهيار الحركة الوطنية الفلسطينية، وخروج بدائل متطرفة مثل “داعش وأخواتها”.

فالقيادة الفلسطينية، وعلى لسان نبيل أبو ردينة، تواصل اجتماعاتها لنقاش أية قضايا ملحة وطارئة، في الوقت الذي نفى فيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي أية صحة لخبر اتخاذ الرئيس عباس أي قرار بخصوص التوجه لمحكمة الجنايات الدولية أو أوامر للأجهزة الأمنية بمواجهة المستوطنين. هؤلاء المستوطنون الذين يعيثون في الأرض الفلسطينية خراباً ودماراً، دون التردد في خطف الفتى محمد أبو خضير ليقتلوه حرقاً وهو حي. هؤلاء الذين نزعوا الشرعية عن دولة إسرائيل كما يقول المعلق العسكري في يديعوت، “رون بن يشاي” أصبحوا يشكلون دولة في داخل دولة، ولديهم من الحماية والامتيازات من قبل الحكومة الإسرائيلية ما يؤهلهم لمواصلة جرائمهم ضد الفلسطينيين.

انتفاضة جديدة ولكن!

وفي ظل العجز في المبادرة والحضور للسلطة الوطنية  في هذا الصراع، مع مواصلة الاحتلال لإجراءاته التدميرية والدموية بالتلازم مع صمت غربي وعربي وتواطؤ أميركي، فإن الحديث عن اندلاع انتفاضة ثالثة أصبح يأخذ جدلاً محتدماً تصاحبه آراء مختلفة ومتناقضة بين الفلسطينيين. يذكر المحلل السياسي د. مجدي عيسى: “بعيداً عن العواطف والمغامرة وبواقعية سياسية، يمكن لانتفاضة ثالثة أن تنجح وأن تحقق أهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني، ولكن ذلك مرتبط بشكل أساسي بتغيير استراتيجيات القيادة الفلسطينية لإدارة الصراع مع الاحتلال، بمعنى أنه على القيادة التفكير بشكل مختلف في أوضاع الضفة الغربية وقطاع غزة، من حيث مركز قيادة السلطة ومرجعيتها وعلاقاتها الداخلية (الوطنية) وكذلك علاقتها بإسرائيل، وإبقاء حالة التنوع في خيارات مواجهة الاحتلال من أماكن مختلفة في ذات الوقت». 

أما د. يوسف، فلا يرى إمكانية حدوث انتفاضة جديدة، رغم ما يتعرض له الفلسطينيون من مصاعب وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، وذلك نظراً إلى فقدان القيادة الموحدة والاستراتيجية الوطنية الواضحة. من جانبه يرى الكاتب والشاعر زكريا محمد: “أن مقتل الفتى أبو خضير غير الوضع كلياً. فهو أشعل ناراً قد تتحول بسهولة إلى انتفاضة شاملة. وهذا ما وضع سياسة أبو مازن على حافة الانهيار التام»، منوهاً إلى أنه يجب عدم القبول بأي تهدئة ما لم تتراجع إسرائيل عن كل إجراءاتها، وأولها إطلاق جميع الذين اعتقلتهم في الحملة الأخيرة ".