المجد للشارع، ما أعظمه من مجد! وما أجمله من غربالٍ حين يُغربل غلَّته، "ويفشُّ غُلَّه" ويقذف بالزوان للطيور التي لا تأكلُ أيَّ حَبٍّ، فالمجد للشارع، وهو يكتب التاريخ، ويحصي الألقاب والمسميات، ويكتب في سجلِّه تاريخ المرور، فلا ينسى الفقراء وركّاب الإسفلت، ولا يغفل صور أصحاب الربطات الثمينة، الذين إن مرّوا منه، أعرضوا عن الباعةِ المتجولين، وعن المطروحين على حوافِّه، الذين لم يتشمَّموا رائحة عَرَقِ العمال العائدين من أماكن عملهم، الذين يحفظ الشارع وجوههم وأسماءهم، ويعرف وظائفهم، وطبيعة أعمالهم، ويعرف حقَّ المعرفة ما يعانونه، وما يحبون وما ينفرون منه، فطوبى للشارع الذي يقرأ أسماء الثكالى والمطلقات والأرامل واليتامى والسكارى والمتسكعين والعاطلين عن العمل، والنساء المُعنَّفات اللواتي يبحثنَ عن مأوى يُنقذهنَّ من أفواه المفترسين، وأولئك النسوة اللائي تَرَكْنَ صغارهنَّ رهائنَ في حضاناتٍ علَّهُنَّ يلتحقن بوظيفةٍ بائسة، وأولئك المتربصين آخر النهار لبائعِ خضارٍ متجوِّلٍ ينادي على بضاعته (آخر كيلو، التالي للغالي، بيش ما قالوا شالوا) ليشتروا ما تبقى من البضاعة بنصف القيمة أو أقل، ( شرّاية الطبلات) الذين يُقلقهم الدخول إلى بيوتهم فارغي الأيدي. كل هؤلاء يعرفهم الشارع ويعرفونه. ولكنَّ الذين لا يعرفهم الشارع، هم أولئك السادة العظماء النبلاء، طبّاخو الأحزاب، (قيادات أشكال ألوان)، الذين سينزعون ربطاتهم عما قريب، وسيرتدون الجينز وأبناء عمه، سينزلون للسوق، سيتسوّقون، سيزورون المقاهي والمطاعم الشعبية، سيتناولون ساندويشات الفلافل، وسيصطفون بأدبٍ جمٍّ على الدور، دون مرافقين، ودون سيارات فارهة، وسيبتسمون ( مؤقّتًا) للمعذبين في الأرض، سيصافحون أياديهم المباركة، وسيسألون واحدًا أو أكثر عن حال والده الذي وافاه الأجل بعد الأسبوع الأول من الانتخابات الأخيرة التي جعلت البعض صاحب لقبٍ نظيف، وسيعلن عن أسفه؛ لأنه لم يكن يعرف بأنه مات بعد أن فشلَ ذووه بالحصول على خدمةٍ علاجية مجانية ملائمة. وسيجد ألف مبرر، فالوطن كان بحاجة له، والمصلحة العامة تقتضي أن يعمل 24 ساعة في اليوم، فقد كان مشغولًا جدًّا، أما اليوم فإنه يجد متنفسًّا للنزول للشارع، فهو ابن الشارع، والناخبون بحاجة إليه، وهو لن يخذل ناخبيه بزيارةٍ بين الحول والآخر.
عما قريب، ستعود للشارع هيبته، وهو صاحب الهيبة الأولى، والمجد الأول. أليس الشارعُ وحده من أسقطَ المشاريع المشبوهة؟ أليس الشارعُ من رسم خريطة الحياة؟ المجد للشارع حَكَمًا عدلًا وميزانًا قسطاسًا لا يبخس المكيال. النزول للشارع، بات استراتيجيةً اتَّبعتها الأمم منذ القدم، وليس كلُّ نزولٍ شبيهًا بما قبله، فربما سيكون نزولًا عند رغبة الجماهير، أو خوفًا منهم، أو حُبًّا لهم، أو تزلُّفًا، المهم أنَّ النزول عادة، بل سُنّةٌ مؤكدة، لا يتخلّى عنها أحد، مهما كان منزله ومنزلته، وكم رأينا من نزلاء شوارع! يرتبون أحلامهم، ويحررون أقلامهم، ويعدون أيامهم. وكلٌّ يُعدُّ ما يراه، ويحلم على هواه.
انزلوا للشارعِ أيها الكبار، وتحسسوه، فقد تكون درجة حرارته مرتفعة، قد يكون جائعًا، أو مقرورًا. حاولوا فهمه، كونوا منه، ظلُّوا فيه ولا تُغادروه، افهموه يفهمْكم، وامنحوه بعضًا من نصوصكم. وكونوا من هواة الصور الجميلة مع الفقراء، فربَّ صورة أحيت قائدًا، ولا تقصروا في التسليم والتحضين والأحاديث الحماسية، والوعود الخيالية، فالورقُ لا يكذب، والصناديق بانتظاركم. والمجد للشارع. واليافطات الكبيرة سيكون لها دورٌ في مشاريع الفقراء، وافعال الأمر ستعود من جديد:"صوِّتوا للسيد/ الأخ/ الرفيق/ الأخ فلان وفلان) وسنرى هناك دعواتٍ لانتخاب وردةٍ أو زهرةٍ أو سيفٍ أو كتاب:" انتخبوا أختكم أم حسن وحسان وحسين) أما اسمهما فإنه عورة، ولو وُضِعَ مع صورتِها لكانت جريمة لا تغتفر. أما أنتم أيها الجيل الذي سيشهدُ أول انتخاباتٍ في حياته، فستتعرفون إلى الكبار، وستكونون جيل المستقبل، سيطبطبُ بعضُ هُواةِ جمعِ الأصواتِ على أكتافكم: "أنتم ملحُ الأرض، أجيال المستقبل، بكم نرى أنفسنا، أنتم أملُنا" وسيغادرون، سيرون فيكم أصواتًا جميلة، فأحسنوا الغناء، واختاروا العازف الأفضل، وليكن اللحنُ فلسطينيًّا ولو كان حزينًا.