قبل أن يجف الحبر الذي كتب به مرسوم الانتخابات، وقبل أن يزول صداه من الآذان، اشتعل الشارع الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس بحمى الترشح، ففي سويعات قليلة تم تركيب قوائم كما لو أن الانتخابات ستجري غدا ولأن نظام القوائم يعمل به لأول مرة حصريا فقد التبس الأمر على كثيرين حين أفصحوا عن رغبتهم في الترشح، كما لو أن الأمر مجرد زيارة لمقار لجنة الانتخابات وتعبئة نموذج ودفع رسوم.
وبفعل حمى الترشح وكثافة عدد الراغبين به، تألفت طرفة تقول "يبدو أن المرشحين هذه المرة أكثر من الناخبين".
ورغم هذا التوصيف الكوميدي لحمى الترشح، إلا أن اشتعال الجدل حول الانتخابات جسّد جانبا إيجابيا وهو ارتفاع مستوى الحوار العام بعد أن ذقنا الأمرّين من هبوطه، وكلنا يذكر كيف كان مستوى السجال بين طرفي الانقسام وكيف كان يشبه حكاية من أنتج الآخر البيضة أم الدجاجة، فعلى مدى 15سنة ونحن نراوح بين مقولات وادعاءات المتقاتلين وتفسيرات فشلهم في إنهاء هذه الظاهرة المشينة والتلاؤم اليومي حول من المسؤول عنها وأشياء كثيرة من هذا القبيل.
صحيح أن هنالك مبالغة في الإفصاح عن الرغبة في الترشح، وسنشهد مبالغة أكثر في الوعود ومبالغة أكثر وأكثر في الحملات والإنفاق عليها، إلا أن تجربة الانتخابات السابقة التي جرت مرتين على مستوى التشريعي والرئاسة لا بد وأن تنفع في أمر التقليل من ضحايا الوعود ومصدقيها، فلقد آن الأوان في التجربة الثالثة لأن ندرك حقيقة أن الوعد يزدهر قبل الصندوق وينسى بعده.
والملفت أن ظاهرة اصطياد الأصوات بالوعود وشتى الإغراءات الأخرى تمارس جهارا نهارا ودون أي قدر من التمويه أو التجميل، وخذ مثلا حكاية غزة.. لقد سُمعت أصوات كثيرة تقول إن لم تحلوا مشاكل غزة قبل الانتخابات فسوف تفاجئكم بتصويت انتقامي، وكأن واجب حل مشاكل غزة لا يتحقق إلا في الموسم الانتخابي أي في أشهر قليلة كل 15 سنة.
الجدل حول أهمية الانتخابات والتدقيق في أمر لمن يعطى الصوت وكيف يضمن كل مرشح تحقيق ما يعد به هو أمر صحي وضروري بل وحتمي، أما أن يتحول أرقى موسم ديموقراطي إلى موسم اصطياد الأصوات بالوعود التي لن تتحقق لأنها أساسا لم تتحقق في الموسم السابق فهذه خدعة أشبه بمصائد المغفلين يفترض أن لا تقع فيها الأغلبية التي ترى في الانتخابات فرصة تجديد وتغيير إلى الأفضل.
أخيرا.. إن حمى الترشح التي هي إفراز منطقي لحمى الانتخابات تظل رغم كل ما يقال فيها وعنها أفضل وأرقى ألف مرة من حمى الفراغ وهبوط مستوى الحوار العام، فمهما بلغ عدد المرشحين والقوائم إلا أننا في نهاية المطاف سنحصل على العدد المطلوب لبرلماننا 132 عضوا، أما حمى الفراغ وهبوط مستوى الحوار العام فلن نحصل منها إلا على الجري حثيثا نحو الهاوية وهذا ما ينبغي تجنبه.