وقفت قلوبنا عن الخفقان امام الإعلان عن جهود تجريها بعض فصائل العمل الوطني والإسلامي وعلى راسها فتح و حماس لتشكيل قوائم مشتركة تخوض الانتخابات التشريعية وانتخابات المجلس الوطني وبالتالي خبى التفاؤل الذي ساد قطاعات واسعه من شعبنا عند صدور مراسيم إعادة الحياة الديمقراطية لمؤسساتنا عبر الصوت الانتخابي لاختيار الأفضل.
تأتي هذه الخطوة بعد مرور حوالي اربعة عشر عاما كانت عصيبة ومؤلمة ومحفوفة بالخسائر الفادحة نتيجة الانقسام البغيض الذي تشارك فيه كلا الحزبين الكبريين المسؤولية عما آلت اليه اوضاعنا الداخلية والخارجية، وكلاهما برايي يتشاركان المسؤولية عن تردي الحالة الفلسطينية وعن عزوف فئات كبيرة من أبناء شعبنا عن الانخراط في العمل السياسي والمجتمعي وكلاهما مسؤول عن حالة اليأس التي وصلت لها قطاعات واسعه من أبناء شعبنا ووصولهم الى حالة من الاستسلام للواقع والخنوع له والاكتفاء بانتقاده دون السعي الحقيقي لتغييره لبناء غد افضل اكثر حرية وعدالة.
وامام تردي الحالة الوطنية، وتراجع قدرة البرامج الحزبية للقوى اليمينية او اليسارية او الإسلامية على تحقيق الآمال الوطنية بالتحرر والاستقلال الفعلي وضعفهم في استنهاض الواقع واستقراء مهام المرحلة ورسم خطوط ارتباطها ببوصلة الاستراتيجيات الناظمة والمراكمة للعمل الوطني الهادف للتحرر والاستقلال وبناء مجتمع مدني ديمقراطي تسوده العدالة والقانون، ظهرت عديد من الجهود والحراكات والتجمعات في الضفة وغزة والشتات وعلى مدار السنوات السابقة بهدف ملئ الفراغ وخلق قوى ضاغطة على مراكز القرار السياسي لتصحيح المسار الداخلي وإعادة الوحدة بهدف التركيز على إنجاز المشروع الوطني الذي تراجع بفعل الانقسام وبفعل التغير الديناميكي لبيئة العمل السياسي الإقليمية والدولية
الجزء الأكبر من هذه الحراكات لم يكتب له القدر الكافي من النجاح المأمول بالرغم من الجهود الصادقة لمن حملها، التي ربما تعثرت بسبب طرقها الخافت على جدران الخزان في محاولة منها لتجنب المواجهة او التناقض والصراع مع أحد، مما افقدها أهمية وجودها، وتم النظر اليها وكأنها صليب احمر او وسيط خير ما بين الفرقاء، وبالتالي لم تشكل حالة جماهيرية حولها، وخبت او انحسرت او ربما افشلت من القوى السياسية التقليدية او تلك المتصارعة والتي رغم تناقضها، اتفقت وتجانست مواقفها "بالممارسة الشبيهة" من تلك الحراكات مما حد من قدرة هذه الحراكات على التغيير والتأثير وعلى قدرتها في تشكيل بديل قادر على استقطاب جمهور واسع
امام هذا المشهد، يبقى عديد من الأسئلة المهمة برسم الإجابة: ما العمل؟ ما السبيل للخروج من هذا الواقع المؤلم؟ كيف تعاد ثقة الجماهير بقدرتهم على التغيير والفعل والعمل والإنجاز؟ ما الأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف؟ من يجب ان يعمل على إحداث هذا التجمهر وبالتالي إحداث التغيير؟
إن "محدودية نجاح التجارب السابق الإشارة اليها للحراكات المجتمعية" يجب ان يشكل محطات لاستنباط الدروس والعبر للاستفادة من تلك التجارب والبناء عليها لتشكيل ما هو أقدر على الديمومة والاستمرار والتعبير عن طموح الفئات الأوسع من شعبنا وقطاعاته المختلفة والاستمرار بمحاولات اختراق الحالة الشبه ميؤوس منها نحو غد مشرق وفعل منتج وقوة تغيير جارفة وقوية تعيد المقادير لنصابها.
إن ما يجري اليوم من جهد لتشكيل حركة او حراك مدني ديمقراطي لهو جهد في الاتجاه الصحيح وهو محطة مناسبة لتجميع الغالبية الصامتة وللقطاعات المختلفة لشعبنا من شباب ومرأه ومهنيين وعمال وفلاحين وبرجوازية وطنية وآخرين يرون كلهم بالاحتلال نقيض وخصم وبالانقسام تهديد وجودي لهم ولقضيتهم ولمقومات انتصارها ويسعون متحدين لصياغة برامج عمل جمعية وفعل ميداني مشترك للتأثير على مجريات الحياة السياسية وانعكاساتها على الحياة اليومية للفلسطيني ويستجيب لطموحاته وتطلعاته.
لربما الانتخابات على أهميتها كمطلب استحقاقي ديمقراطي لكل من يحمل راية مدنية الدولة ويؤمن بتداول السلطة وحرية الناخب في اختيار من يمثله، إلا ان الحراك او الحركة يجب ان لا يرتبط بها و يتمحور حولها فالهدف ليس مرحلي بل استراتيجي بضرورة المساهمة في إعادة تشكيل موزاييك ساحة العمل الفلسطينية نحو بناء الحرية والاستقلال والديمقراطية والعدالة المنشودة عبر برامج جذرية وواقعية شمولية قابله للآخر ومتفهمه للاختلاف بدل الاستمرار في التفكير في حلول مبنية على تابوهات وقوالب جاهزة لطالما حدت من قدراتنا وطاقاتنا الإبداعية وحصرت تفكيرنا في صندوق ملئ بمكونات غدت جامده ومتحوصلة، فالجمود يعني الانتهاء، والديناميكية تعني الحياه، ونحن نبغي الحياة