الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إرهاب المستوطنين/ بقلم: راسم عبيدات

2021-01-27 09:29:07 AM
إرهاب المستوطنين/ بقلم: راسم عبيدات
راسم عبيدات

لم يأت الإرهاب الصهيوني كردة فعل أو مجرد صدفة أو حالة مؤقتة، وإنما تعود جذوره إلى أصول دينية وأيديولوجية ورفعه الحاخامات إلى مستوى القداسة الدينية ولا تتورع دولة الاحتلال عن ممارسته بشكل سري أو علني.

ومن الواضح بأن إرهاب المستوطنين بحق أبناء شعبنا يأخذ منعطفاً حاداً، حيث إن ما يجري ويرتكب من إرهاب وجرائم وعنف من قبل سوائب المستوطنين بحق شعبنا وأهلنا على طول مساحة فلسطين التاريخية، ليس عملا عفويا أو ممارسة شاذة من قبل مجموعات من أوباش وزعران المستوطنين ،بل هو عمل منظم بدلالة أن تلك الجماعات تصطف على طول الشوارع وبالقرب من الأحياء العربية من شمال الضفة الغربية وحتى جنوبها وفي مدينة القدس، وتقوم بهجماتها بشكل منظم ومتزامن، وهذه الأعمال آخذة بالإزدياد والتوسع، يبدو بأن جيش وشرطة الإحتلال يوفرون الحماية لها، بل وأكثر من ذلك عندما يتصدى المواطنون العرب للدفاع عن أنفسهم ووجودهم وممتلكاتهم لهجمات المستوطنين، يشارك جيش الاحتلال وشرطته المستوطنين هجماتهم على المواطنين العرب، ولم تجر أية عقوبات رادعة بحق المستوطنين أو اعتقالات جدية في صفوفهم حتى يتم ردع أو وقف زعرناتهم وعربداتهم، ففي الوقت الذي تتقاعس فيه شرطة الاحتلال وأجهزته الأمنية عن كشف واعتقال جماعات المستوطنين التي تمارس كل حقدها وعنصريتها ضد شعبنا وأهلنا الفلسطيني، نجد أنها بمجرد القاء حجر تجاه سيارة أحد زعران المستوطنين تقيم الدنيا ولا تقعدها، من حيث متابعة ومصادرة الكاميرات، وعمليات الدهم والتفتيش والاعتقال.

المسألة لم تعد مقتصرة على من يسمون انفسهم بشباب التلال او جماعات ما يسمى بـ"تدفيع الثمن"، بل حركة منظمة للمستوطنين لها قادة منظمين تقود كل أعمال البلطجة والزعرنة بحق شعبنا الفلسطيني، في ظل دولة باتت تختنق بعنصريتها، فسابقاً كان يجري الحديث عن جماعات وخلايا للمستوطنين في إطار ضيق وجماعات مغرقة في العنصرية والتطرف كانت تنفذ اعتداءاتها بشكل سري بحق المواطنين العرب وبيوتهم وممتلكاتهم واماكنهم الدينية من مساجد وكنائس وأديرة وحتى المقابر لم تسلم من عربدتهم وزعرناتهم.. ما يجري من قبل المستوطنين من جرائم ترتكب بشكل يومي بحق شعبنا الفلسطيني يستدعي وقفة جادة من قبل كل أبناء شعبنا الفلسطيني لمكافحة هذا الوباء، فمن غير المعقول أن تترك الأمور، لكي نصل إلى أبعد ما وصلت إليه كما حصل في مرات سابقة، كما جرى في عملية زرع القنابل في سيارات رؤساء البلديات المرحوم القائد القومي بسام الشكعة، حيث بترت ساقاه، وأصيب رئيس بلدية رام الله كريم خلف في احدى قدميه ونجا رئيس بلدية البيرة إبراهيم الطويل، ومن بعد ذلك قام ما عرف بالتنظيم الإرهابي اليهودي بسلسلة عمليات ضد الفلسطينيين، والتي أحدثها قيام مجموعة من المستوطنين في 14/تموز /2014  بخطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد محمد أبو خضير حياً ومن بعد ذلك ألقت مجموعة من المستوطنين قنابل حارقة على بيت عائلة الدوابشة في دوما بمنطقة نابلس، أدت إلى قتل عائلة الدوابشة بأكملها، واليوم وكل يوم نجد شعارات عنصرية تخط على الأسوار والمساجد والكنائس والبيوت والشوارع  تدعو إلى قتل المواطنين العرب والانتقام منهم وطردهم وترحيلهم، وبالأمس كانت شعارات تخط في مستوطنة موديعن، تدعو إلى قتل السائقين العرب، والذين تعرضوا أكثر من مرة للاعتداء عليهم من قبل المستوطنين، دون أن تتخذ أية وسائل حماية لهم حتى من قبل شركات الحافلات الإسرائيلية التي يعملون معها، وكأن هناك سكوتا وتواطؤا على سفك الدم الفلسطيني.

هذا الوضع الخطير الذي وصلنا إليه، هو طبعاً بفعل "بركات" أوسلو و "نعمه"، فالجميع يتذكر جيداً أن هؤلاء المستوطنين الذين يصولون ويجولون في طول البلاد وعرضها ويعربدون ويعتدون على ممتلكاتنا ومصدر رزقنا وعيشنا وبيوتنا وأماكن عبادتنا ويحرقون مركباتنا ويعطبون إطاراتها، في انتفاضة الحجر الفلسطيني  كانون أول/ 1987، لم يكن أحد منهم يجرؤ على التجول بدون حراسة الجيش، وتنقلاتهم كانت تجري في حافلات محصنة ومرافقة الجيش لهم في كل تحرك أو سفرة لهم.

واليوم المعادلة انقلبت ليس فقط لأن الحركة الوطنية الفلسطينية تعيش حالة من التراجع، بل لأن من "نِعم" أوسلو أن الاستيطان في الضفة الغربية منذ اتفاق أوسلو وحتى اليوم تضاعف عشرات المرات، حيث يجري التخطيط لكي يصبح في الضفة الغربية مليون  مستوطن، أي ما يسمونه بدولة يهودا والسامرة، وهناك من هو فلسطينياً مصاب بالعمى السياسي والانفصال عن الواقع، ويعود لـ"تجريب المجرب" ليس مرة بل عشرات المرات، فبعد ماراثون تفاوضي عبثي ومفاوضات بكل أشكالها وأنواعها عن قرب وعن بعد وسرية وعلنية ومن تحت الطاولة ومن فوق الطاولة، لم يجن شعبنا من تلك المفاوضات التي أصبح لها مؤلفو كتب  ومنظرين ومؤدلجين في الساحتين الفلسطينية والعربية، سوى المزيد من مصادرة الأراضي وضمها وفرض وقائع عليها، حيث بتنا اليوم أمام "تسونامي" استيطاني لم يترك لنا أرضا قابلة للتواصل، وبما يجعل أي حديث عن خيار ما يسمى بحل الدولتين، نوع من "الفنتازيا" الكلامية وإجترار إسطوانة مشروخة باتت لغة العاجزين والمنهارين في ساحتنا الفلسطينية.

الحرب الشاملة التي يشنها المستوطنون وسوائبهم وقطعانهم على شعبنا الفلسطيني،هي شكل من أشكال التطهير العرقي،في ظل حالة ضعف  وتشظي فلسطينية وفجور تطبيعي لنظام رسمي عربي مع دولة الاحتلال، وصل أقصى درجات العفونة والانهيار، بحيث صار أقصى ما يسعى اليه، هو كما عبر عنه مغتصب لجنة القدس ملك المغرب محمد السادس، حينما اشترط على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أن يلبي دعوته بزيارة دولته شرط استئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، وكذلك نحن أمام صراع محتدم على السلطة في دولة الاحتلال مع قرب الإنتخابات التبكيرية الرابعة خلال عامين والتي ستجري في 22/ آذار القادم، صراع على أصوات المستوطنين، بين قوى اليمين واليمين المتطرف، في وقت تلاشى فيه أي دور ووجود لما يسمى باليسار الصهيوني.

ما ترتكبه سوائب المستوطنين بحق شعبنا، هو بمثابة جرائم حرب بدعم وتشجيع من قادة دولة الاحتلال، وبالتالي هذه الجرائم يجب توثيقها ورفعها إلى المحاكم الدولية، ونحن ندرك بأن تلك المحاكم تخضع لسيطرة  حلفاء إسرائيل من أمريكان وقوى استعمارية غربية، ولكن لا بأس من أن نطرق أبوابها لعل وعسى أن يصحو ضمير القائمين عليها، أو أن تتغير الظروف والأوضاع، لكي يتم جلب هؤلاء المستوطنين وقادتهم والداعمين لهم من قبل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية إلى تلك المحاكم، وسكوت المجتمع الدولي على الجرائم المرتكبة بحق شعبنا الفلسطيني، سيبقى وصمة عار تلطخ جبين كل من يدعون بأنهم أنصار الحرية والديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان، تلك القيم والمبادئ التي  يخرسون ويصابون بالعمى عندما يتعلق الأمر بحقوق شعبنا الفلسطيني أو عند الحديث عن قرارات أو عقوبات قد تتخذ أو تفرض على دولة الاحتلال لخروجها السافر والوقح على القانون الدولي.

سوائب المستوطنين تخرج من زرائبها لكي تعيث الخراب والخوف والرعب في صفوف أبناء شعبنا، ولكي تقول لقادة دولتها بأن العرب والفلسطينيين لا يخضعون سوى بالقوة، والمزيد من القوة، ونحن سنمارس كل أشكال القمع والبطش بحقهم، لكي يركعوا وتتحطم إرادتهم ويسلموا بوجودنا وبأن هذه "أرضنا"، وبأنهم  مجرد أغيار سائقين وحطابين عندنا.

علينا أن لا ننتظر لكي يصل إرهاب المستوطنين إلى تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة ضد شعبنا، فلا بد لنا من أن نكون يقظين وحذرين وفي أعلى درجات التضامن والتكاتف من أجل التصدي لهم وإفشال مخططاتهم ومشاريعهم الإرهابية، ولا بد من تشكيل لجان شعبية ولجان حراسة تحمي شعبنا من هذا الوباء.