إلى أي مدى يتم محاربة عمليات التهريب؟
تبغ مخالف للمواصفات والمقاييس وآخر محلي بأغلفة ماركات عالمية
60% من عمليات التهريب تتم في المناطق المصنفة ج
الحدث- سجود عاصي
شكل إغلاق المعابر والحدود بسبب انتشار فيروس كورونا فرصة للتعرف على آثار تهريب بعض البضائع والمنتجات على الخزينة العامة، فقد بيّنت بعض البيانات التي حصلت عليها "صحيفة الحدث" أن إيرادات السلطة من الرسوم الجمركية المفروضة على السجائر زادت بين (10 إلى 12) مليون دولار شهريا بدءا من شهر آيار ووصلت قيمتها مع نهاية شهر كانون أول 2020 من (80 إلى 96) مليون دولار. هذه الأرقام وهذا الاختبار القسري لجدوى وقف عمليات التهريب يطرح أسئلة مهمة عن دور الأجهزة والهيئات المختصة في محاربة هذه الظاهرة، التي يبدو أن الخزينة العامة أكبر المتضررين منها.
لكن الناطق باسم الضابطة الجمركية إبراهيم عياش يضيف سببا ودافعا آخر يجب محاربة التبغ المهرب من أجله، يتمثل في أنه يشكل خطورة صحية على حياة المواطنين بالإضافة إلى آثاره الاقتصادية، مؤكدا في مقابلة مع "صحيفة الحدث" أنه "يتم متابعة القضايا مع جهات الاختصاص في وزارة الاقتصاد الوطني، ومصدر معظم هذا التبغ معروف بأنه من الدول المجاورة وخاصة الأردن، يتم تهريبه من خلال المعابر والحدود".
ويضيف عياش: "كما أن هناك تبغا محليا تتم مصادرته، بسبب زراعته بدون ترخيص وتصريح من جهات الاختصاص، والذي يتم تصنيعه بعيدا عن المواصفات والمقاييس المطلوبة، من خلال إضافة ألوان وأطعمة تضر بصحة المواطن أو تغليفة بلاصق لماركات تبغ عالمية، ويتم ضبطه وإحالته إلى جهات الاختصاص".
وحول سيطرة الضابطة الجمركية على الدخان الذي يتم تهريبه والمخالف للمواصفات والمقاييس؛ أقرّ عياش أن هذا النوع من التبغ متوفر في مراكز المدن والمناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، وقال: من خلال تواصلنا مع الجهات الشريكة والأجهزة الأمنية؛ كل ما نستطيع الوصول إليه نضبطه.
ويؤكد الناطق باسم الضابطة الجمركية أن هناك تراجعا في عمليات تهريب التبغ بسبب: "الإغلاقات التي فرضتها الحكومات عقب انتشار فيروس كورونا، ونشاط الضابطة الجمركية في هذا الجانب لضبط المهربين والتجار، وحاولنا سد كل الثغرات رغم النقص الذي نعانيه".
وعلى الرغم من ارتفاع كميات التبغ المهرب التي يتم ضبطها سنويا، إلا أن الضابطة الجمركية تؤكد أنه لا يوجد عمليات تهريب منظمة وإنما عمليات فردية "حيث يقوم بعض الأشخاص يقارب عددهم الـ 300، بتهريب الدخان عبر المعابر والحدود مستغلين كبار السن أو السيدات والأطفال، لا يمكن إنكار وجود عمليات التهريب، لكن لا يوجد عمل منظم بالخصوص".
وحول مدى قدرة الضابط الجمركية بالشراكة مع جهات الاختصاص على الحد وضبط عمليات التهريب، أوضح المتحدث الإعلامي باسم الضابطة الجمركية لـ"صحيفة الحدث"، أن معظم المعابر والحدود في الأراضي الفلسطينية تخضع لسيطرة الاحتلال وهو ما يجعل قدرتها على السيطرة في هذا الجانب محدودة بسبب أن الاحتلال الإسرائيلي جزء أساسي من المشكلة وأحد معوقات عملنا في المناطق المصنفة ج والتي تشكل 68% من الأراضي الفلسطينية التي لا يمكن لطواقم الضابطة الجمركية العمل فيها دون تنسيق، "نحن نصبوا إلى القضاء على ظاهرة التهريب بشكل نهائي ولكن ما زاد من صعوبة عملنا خلال الأشهر الماضية وقف التنسيق بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية".
وقال: الاحتلال يستغل سيطرته على هذه المعابر ويعتبر السوق الفلسطيني مكبا لبضائع المستوطنات، "ولكننا نعمل بالشراكة مع الجهات المعنية من خلال العمل الاستخباري في المناطق المصنفة ج التي تشكل نحو 60% من إجمالي عمليات التهريب.
ويعاني جهاز الضابطة الجمركية الذي لا يزيد عدد المنتسبين له عن الألف شخص، من نقص في الإمكانيات اللوجستية، التي تلزم على سبيل المثال لحفظ مضبوطات اللحوم والمنتجات الزراعية التي تحتاج إلى ثلاجات خاصة، بحيث يلجأ الجهاز لجهات الاختصاص لتسليمهم البضائع التي تم ضبطها، بحسب عياش.
ووفقا للناطق باسم الضابطة الجمركية عياش، فإن تهريب البضائع في الغالب يزداد دوليا خاصة خلال أي جائحة أو كارثة "من قبل ضعاف النفوس الذين يستغلون حاجة الناس للمواد" التي تعمل الضابطة الجمركية على الحد منها.
وقال: خلال الستة أشهر الأولى من الجائحة منذ 1 مارس 2020 وحتى 30 سبتمبر 2020، تم ضبط 126 طنا من البضائع منتهية الصلاحية، وتم التعامل مع 1957 قضية توزعت ما بين ضريبية جمركية وقضايا اقتصاد وقضايا زراعية وصحية وبيئية وأخرى في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
وأضاف عياش: بالتعاون مع وزارة المالية تعاملنا مع 916 قضية منها 675 قضية ضريبية جمركية، ومنذ 1 مارس 2020 وحتى 30 سبتمبر 2020، تم تسجيل 179 قضية لبضائع إسرائيلية لا تحمل فاتورة مقاصة، و 62 قضية تبغ ممنوع من التداول في فلسطين ونحو 43 ألف لتر محروقات مهربة ومغشوشة.
وحول قضايا التهريب الجمركي التي يتم تحويلها إلى المحكمة، قال رئيس محكمة استئناف القدس القاضي نزار حجي في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، إن محاكم الجمارك المختصة بالتعامل مع قضايا التهريب تنظر منذ بداية تأسيسها في 45 قضية مدورة في محكمة بداية الجمارك ونحو سبعة قضايا فقط لدى محكمة الاستئناف.
وأعطى قانون الجمارك وزارة المالية، بحسب حجي، الحق في عقد المصالحات في كافة القضايا، حتى في الشق الجزائي منها، وهذا ما عجل من وتيرة الفصل في القضايا، بحيث يحق لوزير المالية بالتوافق مع الطرف الآخر في العلاقة، أن يجري مصالحات في هذه القضايا حتى إقفال باب المرافعة أمام محكمة الجمارك الاستئنافية، وكثير من القضايا تحل مصالحة وهو ما يقلل عدد القضايا الواردة إلى المحاكم، خاصة وأن الجزاءات والغرامات المتعلقة بهذا الشق عالية قد تصل إلى ملايين الشواقل.
وأوضح حجي، أن محكمة الجمارك التي استندت إلى القانون الأردني لسنة 1962؛ لم تعمل بسبب وجود القرار العسكري الإسرائيلي رقم 353، الذي ألغى وجود هذه المحاكم ولم يعد هناك وجود قانوني وفعلي للمحكمة بصفتيها البدائية والاستئنافية، لحين أصدر الرئيس قرارا بقانون عام 2010 بإلغاء الأمر العسكري الإسرائيلي، وبمقتضاه تم إنشاء المحاكم المشار إليها، ولكن تشكيلها بقي مقيدا وفق قانون الجمارك والمكوس.
وقال إن محكمة الجمارك تشكلت في البداية من قاضي وأحد كبار موظفي الجمارك وموظف عن وزارة المالية، في حين تشكلت محكمة الجمارك الاستئنافية من قاضي وموظف جمارك وموظف عن وزارة الاقتصاد، وكانت قرارات المحكمة تتخذ بالأغلبية أو بالإجماع، إلى أن تم الطعن في هذه التشكلية عام 2017، وأقرت المحكمة الدستورية، أن لا سلطان على قاضي إلا القضاء، وتم إعلان بطلان هذه التشكيلة لتتكون محاكم الجمارك البدائية من قاضي فرد، ومحكمة الجمارك الاستئنافية من ثلاثة قضاة فقط يمثل الحق العام فيها النيابة المتخصصة.
ورغم إصدار الرئيس قرارا بقانون رقم (23) لسنة 2018 بشأن تعديل قانون الجمارك لسنة 1929 وتعديلاته وقانون الجمارك والمكوس (1) لسنة 1962 وتعديلاته، أوصى باحثون اقتصاديون ونقابيون بعد أشهر من هذه التعديلات خلال جلسة نظمها معهد السياسات الاقتصادية الفلسطينية "ماس"، بسن قوانين وعقوبات رادعة للحد من ظاهرة التهريب الجمركي خاصة للمحروقات والتبغ، بالإضافة إلى تخفيف العبء الضريبي على الشركات المرخصة، وتوفير مستودعات وأماكن تخزين للمضبوطات، ومختبر متنقل لفحص السولار، إلى جانب تكثيف حملات التوعية للتجار والمواطنين حول مخاطر استهلاك السلع المهربة والإتجار بها.
وأقر الخبراء، أن ظاهرة التهريب في حالة تنامي حيث يصل حجمها إلى 35% من قيمة الاستيراد من "إسرائيل" أي ما يزيد عن مليار دولار أمريكي. وبلغ عدد القضايا الجمركية خلال عام 2017 نحو 5672 قضية، وارتفع العدد خلال العشرة أشهر الأولى من عام 2018 إلى 6300 قضية. في الوقت الذي تقدر فيه قيمة البضائع المهربة من "إسرائيل" وحدها خلال عام 2014 بأكثر من 725 مليون دولار، الأمر الذي ترتبت عليه خسائر مالية للخزينة الفلسطينية بأكثر من 190 مليون دولار، إضافة إلى الخسائر الأخرى غير المباشرة.
وبحسب الخبراء والباحثين، فإن شكل العلاقة التجارية مع الاحتلال أدى إلى تغييب الدور الرقابي، خاصة وأن "إسرائيل" معنية في ضرب الاقتصاد الوطني الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.
ويعرّف الخبراء التهريب الجمركي بأنه إدخال البضائع من دون وثائق رسمية، بينما في حالة التهرب الضريبي تتوفر وثائق ولكن بقيم غير حقيقية أو تكون وثائق مزيفة، أو عندما يتم إدخال البضائع عن طريق تاجر غير مسجل، ولكن بشكل عام فإن الدوافع وراء التهرب أو التهريب هي نفسها.