الحدث - ضحى حميدان
خمسة عشر عاماً مضت منذ آخر انتخاباتٍ زارت الدار الفلسطينية عام 2006، ليخرجَ الرئيسُ الفلسطيني محمود عباس على المواطنين، ليزُفَّ إليهم خبر الإعلان عن انتخاباتٍ جديدة بثلاثِ مراحلَ تشريعية ورئاسية، وأخرى للمجلس الوطني، وبين مُهللٍ فرحٍ بالخبر وآخر غير مكترث، جُملةٌ من التساؤولات لاحقت هذا الإعلان، أتُراها تتكرر الوجوه السياسية التي التصقت بالحكم لعقدٍ ونيِّفٍ وأفقدت الفلسطيني اهتمامه بأي حدثٍ سياسي قد يكون "ديمقراطياً"؟ أم أن هناك فرصا أخرى تلوح في الأفق، لوجوهٍ جديدة ربما تعيد ثقة الشعب بحاكميه؟
الحدث سلطت الضوء على مصير المستقلين سياسياً المنضمين للانتخابات، وما سيؤول إليه مصيرهم إن تم الاتفاق على وجود قائمةٍ مشتركة بين الحزبين الأكبرين فتح وحماس، وفي حال عدم التوافق على ذلك أيضاً.
وفق استطلاعات الرأي الأخيرة للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن 20% من أصوات الناخبين لم تقرر لمن ستصوت بعد، لذلك يرى الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب أن فرص المستقلين سياسياً ستكون ضئيلة إذا جرت الانتخابات دون وجود قائمة مشتركة بين حركتي فتح وحماس، وربما يحصلون على نسبة 10% من هذه الفئة، ولكن ذلك يشترط وجود سلسلة من الاعتبارات الواجب توفرها في قوائمهم، كأن تضمّ شخصياتٍ عامة مشهودٍ لها بالنزاهة وقدرتها على الفعل، بالإضاف إلى توحد المستقلين في قائمة إلى قائمتين يعني زيادة فرصة حصولهم على مقاعد في الانتخابات التشريعية القادمة، أما الزيادة في عدد القوائم ستؤدي لتفتيت الأصوات ما سيقلص فرصهم في الوصول إلى المجلس التشريعي.
وفي حال وجود قائمة مشتركة فيقول حرب لـ"الحدث" إن حظوظ المستقلين ستكون أعلى، لأن المجتمع الفلسطيني سينظر إلى القائمة المشتركة باعتبارها تقاسماً للسلطة، واستمراراً للانقسام، ولكن بشكل متفق عليه بين الحزبين الأكبرين، وبالتالي فإن تصويت الناخب الفلسطيني سيكون انتقامياً للجهة المعاكسة للقائمة المشتركة.
وعن الانتخابات الرئاسية المقبلة يرى حرب أن وصول أحد المستقلين لها شبه مستحيلٍ في ظل المعطيات الحالية المتوافرة، فالأمر يتعلق برمته بمن سيترشح، فإن كان مرشح حركة حماس إسماعيل هنية مثلاً، تقول المؤشرات المتوفرة إنه متفوقٌ على الرئيس الحالي محمود عباس، وإن كان مرشح حركة فتح محمد اشتية فمن الممكن أن تحقق الانتخابات الرئاسية التعادل، أما في حالة ترشح مروان البرغوثي فالمعطياتُ تدل على تفوقه على حركة حماس بفارق كبير يتجاوز 20% إلى 25%، وإن ترشح كل من محمود عباس ومروان البرغوثي وهنية فإننا سنحتاج إلى جولة ثانية بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى الأصوات، وهكذا دواليك.
ويشهد الفلسطينيون في 22/أيار المقبل لأول مرة انتخابات تشريعية حسب نظام التمثيل النسبي الكامل " نظام القوائم"، وذلك بعد تعديل الرئيس لقانون الانتخابات المختلط رقم (9)، الذي جرت بموجبه الانتخابات التشريعية عام 2006، وستحصل كل قائمة على عدد مقاعد يتناسب والأصوات التي حصلت عليها بعد وصولها لنسبة الحسم التي انخفضت إلى 1.5%، وبهذا الخصوص يرى رئيس المكتب الإعلامي في التعبئة والتنظيم لحركة فتح منير الجاغوب، أن فرص التكتلات الصغيرة والقوائم المستقلة في الحصول على مقاعد ستكون أكبر، كما اعتبر أن وجود خيار تبادل الأصوات بين القوائم سيشكل عاملاً مساعداً لاجتماعِ حاصل الأصوات الانتخابية سوياً وبالتالي زيادة فرصهم بالحصول على مقاعد.
وشكك الجاغوب في وجود أفراد مستقلين سياسياً بالمعنى الحرفي، بقوله إن التجربة الانتخابية السابقة للمجلس التشريعي طرحت أناساً مستقلين كثر وتبين فيما بعد انخراطهم في أحزاب سياسية.
وعلى النقيض، يرى الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أن وجود قائمة مشتركة بين فتح وحماس سيكون صعباً لاختلاف البرنامج السياسي بين الحركتين، وهذا لن يخلق فرصة نجاحٍ للمستقلين أو الفصائل الأخرى، وهذا مؤشرٌ سيء لأن السيطرة على الحكم السياسي ستكون من قبل هذين الحزبين، اللذين هما الأساس والسبب فيما تشهده الساحة الفلسطينية من عملية انقسامٍ وانفصالٍ جغرافي، ولذلك الفرص ستكون ضئيلة أمام أي قائمة سواء كانت مرشحة للمستقلين أو الأحزاب الأخرى.
ويضيف عبيدات لـ"الحدث": "إذا لم كن هناك قائمة مشتركة وهو الأرجح، ستكون فرصة كبيرة للمستقلين لتشكيل كتل انتخابية وكذلك تحقيق فوز مضمون نسبياً في هذه الانتخابات، خاصة أن حركة فتح تعيش أوضاعاً داخلية غير سوية، بوجود تكتلات وصراعات بين أقطاب ومحاور الحركة، إضافة للحديث المتداول عن وجود عدة قوائم ستمثل حركة فتح.
وتابع عبيدات أن المؤشرات تقول إن حركة فتح لن تكون أمام قائمة موحدة ومشتركة، خاصة بعد فشل الوفد الأمني المصري الأردني بقيادة مسؤولي المخابرات عباس كامل وأحمد حسني، في إقناع الرئيس عباس بحدوث مصالحة داخلية في الحركة مع مسؤول التيار الإصلاحي محمد دحلان، وبالتالي فوجود هذا التيار وعدم الاتفاق مع مروان البرغوثي قد يضعف قائمة فتح إلى حد كبير، وهو ما قد يدفع المحتجين إلى تشكيل قوائم منفردة.
هذه الأسباب مجتمعة، تهيئ الفرصة أمام المستقلين في حالة انضبطوا داخل قوة قوية بشخصيات متوازنة لها حضور مجتمعي وجماهيري، في أن يكون لها مكان بالحصول على مقاعد جيدة والحضور في الانتخابات التشريعية.
وأشار المحلل السياسي عبيدات، إلى أن الأيام القليلة المقبلة ربما ستكون بمثابة تبلورٍ للرؤية الضبابية على تشكيل بعض الشخصيات، فحتى اللحظة لم تعقد اجتماعات واسعة للبحث والتداول في إجراءات الانتخابات، ربما بسبب الانتظار حتى عقد الحوار في القاهرة، بحيث يتوجب الاتفاق على استراتيجية مشتركة وبرنامج وطني متوافق عليه، بقيادة موحدة.
وقال: عندها قد تندفع عجلة الانتخابات إلى الأمام، أما إذا لم يحصل التوافق على هذه المسائل، ستندفع الأمور نحو تأجيل الانتخابات مرة أخرى، خاصة أننا نحتاج إلى إعادة النظر في مجموعة من التفاصيل، حتى يتسنى إجراء العملية الانتخابية، فمثلاً هناك تغول من السلطة التشريعية على السلطة القضائية من الرئيس محمود عباس ونظرته بحق القضاء، بسبب الاعتقاد أن محكمة الانتخابات يجب إجراؤها بالتوافق، ولكن مجلس القضاء مختلف عليه في هذا الاتجاه.
وربما تكون هناك خلافات أخرى حول نسبة تمثيل المرأة وفق عبيدات، فالمجلس الوطني أعطى النساء 30% ولكن الحديث الآن يدور عن 26% فقط لهن، وربما يكون هناك خلاف آخر على نسبة ترشيح الشباب البعض يطالب أن يكونوا بين 23-25 عاماً لأن هذا سيمكن 88 ألف شاب وشابة من المشاركة في العملية الانتخابية، أضف لذلك القضايا المتعلقة في أن المرشح مطالب بالاستقالة من أي عمل يرتبط به، وبالتالي فوز المرشح يجعله مستقيلاً، وقد يكون هذا سبباً لجعل 77 ألفاً من الموظفين يحجبون عن الانتخابات بسبب ارتباط ذلك بضرورة تقديم استقالاتهم.
ويرى المحلل السياسي حرب، أن هناك مجموعة من المعايير الواجب توافرها لوجود بيئة تتيح ضمانات لنزاهة الانتخابات، مثل السماح لجميع الأحزاب والقوائم القيام بحملاتهم الانتخابية دون ملاحقة من المؤسسات والأجهزة الأمنية المختلفة، ودون تضييقٍ من الأطراف الحكومية ووقف الاعتقال السياسي، كذلك بتوفير مساحاتٍ آمنةٍ للقوائم كي تعرض حملاتها الانتخابية، وضمان أن تتوافر مساحات متساوية في الإعلام الرسمي للحملات كي تعرض آراءها ومواقفها، إضافةً لوجود مراقبين مستقلين من مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات خارجية تستطيع أن تصل إلى المعلومات وأيضاً تراقب سير الحملة الانتخابية وكذلك يوم الاقتراع، وتباعاً وجود ضمانات قضائية ومحكمة لقضايا الانتخابات بحيث تكون مستقلة ولا تتأثر بتعليمات أو تدخلات السلطة التنفيذية.
في حين رأى مدير مركز مدى للحريات الإعلامية موسى الريماوي، أن العملية الانتخابية ستكون نزيهة وشفافة خاصة بوجود رقابة محلية ودولية عليها، والواضح أن مختلف الأطراف متفقة على أهمية وضرورة الانتخابات، لأن تفرز قيادات جديدة للمجلس التشريعي، لذلك ستكون الرقابة جدية من مؤسسات المجتمع المحلي والمدني وحتى المؤسسات الدولية، فقد وجهت دعوات للعديد من المؤسسات الدولية بما فيها الاتحاد الأوروبي من أجل إرسال مندوبين للرقابة على الانتخابات، كذلك فوجود ممثلي القوائم للمرشحين سيساهم بمسألة ضمان أقصى حد من النزاهة في موضوع العملية الانتخابية.
ويعيش الفلسطيني في حالةٍ من عدم الثقة النظام السياسي، بسبب الأزمة العميقة التي يعاني منها، ويقول المحلل السياسي عبيدات إن الحالة السياسية الراهنة ليست فقط مهزومة وكذلك مطعون في شرعيتها، بمعنى أن النظام منتهية صلاحيته سواء من جهة السلطة أو على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية، والمواطن صار يعيش أزمة ثقة، وهناك تجربة كبيرة بين السلطتين الحاكمتين، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، لذلك فإن الجماهير التي ملت من طول الحوارات واللقاءات بين هذين الفصيلين، أصبحت مدركة أنهما يبحثان عن المصالح والامتيازات للسيطرة على السلطة لا لأجل البحث عن الوطن ومصالح الشعب الفلسطيني.
بالتالي في حال وجود قائمة مشتركة يعتقد العبيدات أننا سنواجه مشكلة عزوف كبير عن الذهاب إلى الانتخابات سواء في الضفة الغربية أو حتى في القطاع، لذلك فرص المستقلين ضعيفة بسبب تجنب عملية التصويت تفادياً لتكريس ما هو موجود من تقاسمٍ للسلطة بين الفريقين، بدعم من قوى عربية وإقليمية ودولية، وتمهيداً لمرحلة قادمة لإدخال الطرفين في عملية العودة لمارثون التفاوض من جديد.