يعيش زهاء 5000 أسير وأسير ظروفا اعتقالية صعبة وقاهرة بفعل استمرار إدارات السجون بسياستها الهادفة للمس بحياتهم، والانتقاص من كرامتهم سواء على مستوى تصعيد الإجراءات اليومية التي تمثل بالأساس انتهاكات صارخة لحقوقهم التي أقرتها القوانين الدولية، وبضمنها اتفاقيات جنيف للعام 1949 أو ما يجري من إجراءات أو سلوك بحقهم بعد انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 على وجه التحديد منذ مطلع العام الماضي، وما تلاه بعد فترة من المماطلة إعلان إدارة مصلحة السجون إصابة عدد من الأسرى بالفيروس تزامنت مع تصريحات عنصرية من جهات وأحزاب إسرائيلية مختلفة تطالب بعدم تقديم العلاج لهم، وحتى الآن لا تتوفر معلومات دقيقة، وأمينة يمكن الوثوق بها حول الحالات المصابة بينما الخشية بانتشار الفيروس بسرعة مضيفا أعدادا جديدة نظرا لخصوصية الوضع الذي يقبعون فيه في ظروف اعتقالية لا يمكن وصفها تجعل من استمرارها دربا من المستحيل.
فهناك حسب المعلومات المتوفرة ما يزيد عن 300 أسير مصاب بالفيروس يتوزعون بالأساس بين سجون، ومعتقلات عوفر، ريمون، النقب، هداريم إضافة لمراكز التوقيف، أصيب معظمهم بطبيعة الحال نتيجة الاحتكاك مع السجانين، أو أثناء زيارة العيادات في السجون للعلاج أو خلال التنقلات التي تجريها تلك الإدارات للمحاكم أو النقل لسجون أخرى عبر ما يعرف بين الأسرى ب "البوسطة" التي تجمع عادة أسرى من مختلف السجون، وهي عبارة عن حافلة لطالما عانى منها الأسرى صيفا وشتاء باتت اليوم تمثل (راوتر) ترشح المزيد من الأسرى بإمكانية زيادة الإصابات في صفوفهم، وإمكانية نقلها لعدة سجون أيضا عموما هذه الحالات المصابة إذا لخصنا بعجالة وضعها يمكننا القول إن المعاناة التي يعيشونها لها عدة أوجه أو مستويات بالمعنى المباشر إذا جاز التعبير في مقدمتها ظروف الاحتجاز الصعبة، وثانيا تلكؤ إدارات السجون في تقديم العلاج الطبي اللازم لهم، وحرمانهم من زيارة الأهل بالتذرع بحالة الطوارئ، ومنع الاختلاط، وبالرغم من تقديم اللقاح خلال الفترة القريبة الماضية بعد ضغط العديد من المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية، وبدون أي إشراف لأي جهة دولية ورفض الاحتلال ذلك بالمطلق، ورغم المطالبات بتوفير ظروف اعتقال ملائمة للأسيرات والأسرى مع بداية انتشار الجائحة لكن دولة الاحتلال كعادتها تواصل مسلسل خروقاتها الفاضحة لكل القوانين والأعراف الدولية فهي لم تقم بأي خطوة جدية لحماية الأسرى حيث لم يتم عزلهم، ووقف الاكتظاظ الذي تشهده عدة سجون، ولم توفر ظروفا اعتقالية تخفف من الاحتكاك اليومي مع السجانين، والجنائيين الذين تتم معاملتهم بصورة مختلفة عن الأسرى الفلسطينيين في تميز واضح أيضا تجاههم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
ووسط هذا التلكؤ، والمماطلة من جانب إدارات السجون يزداد القلق، والتخوف بين الأسرى والأهالي، والمؤسسات، وقطاعات، وشرائح الشعب الفلسطيني التي مطلوب منها أن تعلي صوتها قبل فوات الأوان أمام هذه القضية وحجم مخاطرها المحدقة، وأن تتحمل كل المؤسسات مسؤوليتها في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمد وسط الإمعان والإصرار بقرار مسبق على ممارسته، وقوانين رسمية توفر الحماية لكل من يرتكب هذه المخالفات الجسيمة مثلا حالات الأسرى المرضى المسالمة، وسدر، والشوبكي والطفل المريض أمل نخلة، وعدد كبير من الأسرى المرضى في ما يسمى مشفى سجن الرملة إضافة لحوالي 700 أسير يعانون من أمراض مختلفة منها المزمنة والسرطان، وهم لا يتلقون العلاج اللازم حسب ما تكفله القرارات الأممية، ومواثيق حقوق الإنسان كل حالة فيها هي قصة معاناة بحد ذاتها تعج بكل صنوف القهر والموت اليومي البطيء، وقائمة الأسرى الذين قد يسقطوا شهداء في كل لحظة تزداد يوميا للأسف.
أمام كل هذا التوصيف، والتحليل، والمعطيات يبقى السؤال ما العمل؟ حاضرا بقوة ماذا بمقدورنا ان نعمل!! وسط هذا التزاحم، والتداخل في ملفات كلها شائكة، وصعبة ومعقدة فمن مجابهة حملات الاستيطان الاستعماري، وتهويد القدس إلى مصادرة الأراضي اليومية ونهبها، وهدم البيوت مرورا بالقضايا الداخلية من مصالحة، وجلسات الحوار المرتقبة بعد مرسوم إجراء الانتخابات ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القاسية كل هذه العوامل لها تأثيراتها المباشرة على التحركات، والفعاليات، والأنشطة المختلفة، ومجريات الوضع العام لكن بالرغم من كل ذلك بالإمكان عمل الكثير وسط هذا الزحام يأتي في مقدمة ما يمكن عمله تفعيل أشكال المناصرة الشعبية المحلية، وحشد الطاقات للعمل شعبيا ضمن جهد موحد، وفي كل المحافظات والتجمعات باوسع الحملات تحت شعارين لا خلاف عليهما الأول السماح لطواقم، وفرق طبية دولية بزيارة السجون تحت إشراف الأمم المتحدة، والثاني وقف سياسة العزل بالطريقة التي تنتهجها إدارات السجون التي يقبع فيها الأسرى المصابون بالفيروس.
ووفقا لشهادات، وتقارير عدد من المؤسسات التي تؤكد مدى الخطورة التي يعيشها الأسرى، واحتجازهم في ظروف تفتقر لشروط الأدنى من السلامة الصحية في الغرف، والأقسام الخاصة مع استمرار الاحتكاك المباشر مع السجانين، وعدم توفير المستلزمات الطبية للحالات المرضية المصابة. هذان المطلبان المباشران لا يلغيان أهمية العمل على المستوى السياسي، والقانوني، وتفعيل الجهد الدبلوماسي على كل المستويات الدولية للضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال للايفاء بالتزامتها الدولية، وفي هذا الإطار بالإمكان العمل على بناء جبهة دولية واسعة ينخرط فيها أصدقاء الشعب الفلسطيني من قوى، وأحزاب، ومؤسسات، ونقابات عنوانها إطلاق سراح الأسرى المرضى، الأطفال، الأسيرات، كبار السن وهو ما تنص عليه وتكفله كافة الاتفاقيات الدولية كون هذه الشرائح من الأسرى هي الأكثر عرضة للإصابة، ويبقى حجر الزاوية إضافة للنضال المطلبي لتحسين شروط الحياة الاعتقالية هو العمل من اجل اطلاق سراح الاسرى الذين هم نتيجة لهذا الصراع وليسوا سببا فيه .
من هنا يمكن الشروع فورا بحملة وطنية شعبية واسعة تمتد إقليميا، ودوليا بالتزامن مع انعقاد مجلس حقوق الإنسان في جنيف المقرر خلال الأسابيع القليلة القادمة، وإدراج الأسرى وأوضاعهم كبند أساسي على أجندة الاجتماع للخروج بتوصيات واضحة تفضي لإعلان دولة الاحتلال التزامها الكامل، وامتثالها لكل القوانين الدولية، والمطالب العادلة كافة فالشعب الفلسطيني عموما يعيش ظروف خاصة، واستثنائية بفعل الاحتلال، وسياساته العنصرية بينما يعيش الأسرى استثناء الاستثناء في ظروف اعتقالية لا يمكن استمرار الصمت الدولي تجاهها لأن الصمت يشجع الاحتلال على المزيد من الجرائم، وقد يعني الموافقة على هذه المخالفات الخطيرة، اليوم الإرادة الدولية هي محل اختبار حقيقي، وجدي بمصداقية لطالما طالبنا بها من أجل إعادة الاعتبار لمجمل القرارات الدولية أداة القياس الأولى فيها بالنسبة لنا هي حماية دولية من جرائم الاحتلال، وقرارات ملموسة تفضي لإيقاع العقوبات على هذه الجرائم المتواصلة، ورفع الغطاء عن دولة الاحتلال أمام المحافل الدولية.