يتوجه اليوم ممثلو قادة جميع الفصائل و الحركات الفلسطينية لحوار فصائلي شامل يعقد في القاهرة، سواء تلك المهيمنة على المشهد السياسي و صاحبة الولاية الرئيسية على الأزمة الوطنية، أو تلك التي لم يعد لها أي تأثير سوى بالقدر الذي تدور فيه بفلك حالة الاستقطاب الانقسامية، وما يوفره لها نظام الكوتا الفصائلية الذي بات عبئاً على الشعب والمجتمع وأحوال الناس ومستقبلها. في الحقيقة إنهم يجلسون على طاولة حوار يغيب عن اهتمامها المواطن ومصالح الناس المغيبة؛ تماما كما كان الانقسام الذي استمر خمسة عشر عاما على حساب مصالحها ومصادرة الأمل من قلوبها وإضعاف قدرتها الذاتية على الصمود ومقاومة مخططات الاحتلال. فهؤلاء القادة، وبعد أن فقدوا شعورهم بالشرعية التاريخية التي وفرتها مرحلة الثورة والمقاومة، وغياب شرعية الإنجاز حيث تعمقت الهوة بين المتحكمين بمصير المواطنين، وبين الناس وقضاياهم الاجتماعية والحياتية وحتى الوطنية، هذا بالاضافة إلى تآكل شرعية الانتخاب التي حاولوا من خلالها التغطية على احتكار المشهد حتى تآكل وتهتكت معه وحدة النسيج المجتمعي، ومعظم القيم الإيجابية التي راكمها الناس في رحلة كفاحهم الطويلة بحثاً عن الحرية والحياة.
بعد كل ذلك يلتقي هؤلاء القادة مضطرين لمعالجة نقمة الناس عليهم وعزوفها عن مجرد الحد الأدنى من الثقة بهم، ذلك بغض النظر أين وفي أي مدينة فلسطينية أو عاصمة عربية يتم هذا اللقاء، ويبدو أن هدفهم الوحيد التوافق على ترتيبات معينة، ليس من أجل وحدة البلد وإعلاء شأن المواطنين ومصالحهم، وتمكينهم من استعادة دورهم وقدرتهم على الصمود، بل ربما أن هدفهم الحصري هو تشريع الوضع القائم بمضمونه وشخوصه وكل تداعياته الخطيرة على حياة المواطنين دون أي مؤشر لمعالجة مسؤولة لأحوال البلاد والعباد، وبما يفضي لحالة يكون فيها المواطن هو مركز العملية الوطنية في مواجهة الاحتلال والاستيطان و كل مكونات مشهد الاستعمار العنصري الذي يتسارع يومياً بمحاولة ترسيخ منظومة الأبارتايد على أرض فلسطين التاريخية.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا الآن؟! هل هي الصحوة إزاء المخاطر الجدية التي تهدد القضية الوطنية وسؤال المصير الوطني، وما يستدعيه ذلك من استحضار المواطن ومنظومة حقوقه المسلوبة لمعالجتها، أم هو الإمعان في إقصائه ومواجهة تطلعاته، الأمر الوحيد الذي يفسر الحديث عن المحاصصة في قائمة مشتركة بين قوى الانقسام المهيمنة على المشهد وتحتجز طاقاته في دهاليز فشلها و ترفض الإقرار الحقيقي بدورها يبدو مرة أخرى أنه الوهم بإمكانية استعادة مقعدهم في عربة التسوية التي قُتلت وأشبعت موتاً من إسرائيل، ويأس الأطراف الدولية حتى تلك التي كان يمكن أن تكون جادة في البحث عن تسوية غير مرئية التوازن أو المعالم في ظل حالة الاختلال التي تتعمق يومياً لصالح المشروع الاستيطاني بفعل تدهور الحالة الوطنية وتيبس مكونات الحركة الوطنية لجهة علاقتها بالمواطن وحقوقه الاجتماعية.
إذا ً، تلتقي فصائل الأزمة الوطنية دون أي مؤشرات لمعالجة الازمة التي صنعوها ودون أي حضور لقضايا الانتخابات الشائكة والبيئية التي تجعلها مفصلاً للتغيير والمشاركة، فكما كان المواطن ومقومات صموده هو الغائب الأكبر في سنوات الانقسام؛ فإنه وتطلعاته للمشاركة أيضا الغائب والمغيب الأول والأخير عن مشهد لقاءات الفصائل.
أمام هذا الواقع، فإن مشهد اجتماعات الفصائل يحمل احتمالين الأول استحضار المصلحة الوطنية وقضايا المواطن الذي يشكل مرة أخرى مركز أي عملية وطنية أو ديمقراطية، ويبدو أن ذلك لم ولن يخطر في بالهم وغير مطروح على جدول أعمالهم، أو محاولة التوافق على محاصصة سواء بقائمة مشتركة أو بدونها، وهذا الخيار يواجه عقبات جدية في قواعد كلا التنظيمين ومع المجتمع. إذا هي الأزمة المستفحلة وجوهرها إقصاء إرادة وحقوق الناس حتى وهم يتحدثون عن الحاجة لاستدعاء صوته، وبالتأكيد ليس دوره ومتطلبات صموده.
إن معيار جدية الحوار والحد الأدني من متطلبات النجاح، إنما تستدعي البدء من الأمس وليس بعد الانتخابات لإعادة حقوق المواطنين دون قيد أو شرط وفي مقدمتها حقهم في التعبير وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الرأي، كما إطلاق سراح الحقوق المالية المصادرة لأبناء شعبنا في القطاع، ألا يتطلب ذلك حكومة وحدة وطنية انتقالية لضمان بلورة حلول وجدولة تنفيذ القضايا التي تكرست بفعل الانقسام وفي مقدمتها السلطة القضائية التي مزقت ويتم الاعتداء عليها يوميا من قبل السلطة التنفيذية على ضفتي الانقسام وللحديث بقية؛