"الحدث" ترصد تجهيزات الباب والزينة وتنظيف أزقة المخيم عشية أول أيام رمضان
شوارع المخيمات تشتعل بعلامات الفرح الذي تعكر صفوه الأحداث المأساوية الدائرة في الوطن الأمّ
لاجىء: نستقبل رمضان بأحاسيس اليتيم الذي انتزعوه من حضن أمّه ورموا به في أحضان الغرباء!
تنامي الحركة الشرائية في أسواق المخيمات خلال رمضان، وزبائنها من كافة أنحاء المملكة ممن تجذبهم منتجاتها بجودتها وأسعارها المنافسة
شبهات فساد وشخصنة في توزيع بعض المعونات للأصحاب والأقارب من قبل قائمين على جمعيات جعلت فقراء المخيم نسياً منسياً
لاجئون لا يجدون ما يفطرون به.. ودائرة الشؤون الفلسطينية تفشل في توزيع المكارم الملكية على نحو عادل.. البعض يأخذها مكررة والبعض لا يحصل عليها نهائيا!
عمان– بثينة السراحين
تُلقي الأحداث الدائرة في فلسطين المحتلة بظلالها على المكوّن الفلسطيني في الأردن، لجهة إظهار مشاعر الألم وانتقاص الفرحة، خاصة وأنّ أنباء سقوط الشهداء، والحملة العسكرية الإسرائيلية الشرسة تزامنت وحلول الشهر الفضيل.
اللاجئة الفلسطينية «سمر عواد» تظهر تضامنها مع أبناء جلدتها في الوطن الأمّ بعبارات تجسد الكيفية التي يستقبل بها اللاجئون الفلسطينيون كافة شهر رمضان لهذا العام: «والله لم نذق طعم الفرح، ولم نحسّ بفرحة المناسبة ونحن نشاهد صور الشهداء والأطفال يتساقطون في وطننا، في ظل صمت عربي وعالمي مريب، وأكثر ما يوجعني هو إحساس أمهات وعوائل الشهداء وهم يستقبلون شهر البركات وجرحهم لا يزال نازفاً بحسرة وألم الفراق”.
وبفتور شديد يردّ اللاجىء «محمود لافي» على سؤالنا عن إحساسه بقدوم الشهر الفضيل: «هو كشعور أي يتيم أخذوه من حضن والدته ورموا به لأحضان زوجة أبيه، هكذا نعيش كلاجئين فلسطينيين، ونستقبل كافة مناسباتنا الدينية والوطنية في بلاد الشتات، حيث لا كرامة ولا عيش كريماً لنا، ولا فرح حقيقياً يلامس شغاف القلب بعيداً عن حضن الوطن”.
وأوجاع اللجوء والارتباط الوجداني مع الأهل في الوطن هي جزء من تكوين أي لاجىء فلسطيني، يعايشه في كل وقت وفي كافة المناسبات، إلا أنّ ذلك لا ينفي حقيقة أنّ الفلسطيني أقوى من أن يثنيه شيء عن مواصلة الحياة والاندماج في كافة تفاصيلها بقوة القادر على تذليل العقبات مهما بلغت، والحال كذلك، ينفرد اللاجئون في الأردن بإظهار طقوس فرح ومراسم سعادة لجهة الاحتفاء بالأجواء الاستثنائية للشهر الفضيل، فخلال جولة “الحدث” عشية أول أيام رمضان في كبرى مخيمات اللجوء في الأردن (مخيم البقعة) وقفنا على استعدادات سكانه للمناسبة، من تزيين الحارات والأزقة، وتنظيف الشوارع.
كما وقفنا على تجهيز “باب الحارة”، والذي يتم نصبه للعام الثالث على التوالي في شهر رمضان، وعنه يخبرنا أحد القائمين على تجهيزه، سرحان أبو غنيم: «أقوم ونحو سبعة شبان من أقاربي، كمهجّرين من قرية تل الصافي قضاء الخليل، بتجهيز الزينة والباب قبل أسبوع تقريباً من حلول الشهر المبارك، وعلى الرغم من أن الأمر مكلف لنا (نحو 600 دينار)، إلا أننا نصرّ على تنفيذ هذه الفكرة المُبهجة، والتي تلاقي استحسان الأهالي من خارج المخيم، ويأتون لالتقاط الصور في ظل الفلكلور الشعبي الذي درج عليه الأجداد، ولا يزال حاضراً في حواري القدس الصامدة وبقية مدن وطننا، وأما بالنسبة لاسم الباب (باب الحارة) فقد أخذناه عن المسلسل السوري الشهير، باب الحارة”.
وبالإضافة للأفكار الخلاقة لإشعال شوارع المخيم بالفرح، فإنّ الشباب الفلسطيني في المخيمات ينشطون في مجالات أخرى عديدة في الليالي الرمضانية، عنها يخبرنا أحمد العوضات: «ينظم اتحاد الفرق الشعبية في المخيم طيلة ليالي الشهر الفضيل بطولات بين فرق كرة القدم، وهي مباريات ذات جماهيرية كبيرة، وتضفي على أجواء رمضان مزيداً من المتعة والتسلية، وصحيح أنني كلاجىء فلسطيني أتمنى أن أعود لوطني وأقضي مناسباتي الدينية وأعيادي الوطنية فوق أرضه، إلا أنني أحاول البقاء متفائلاً ما أستطعت لذلك سبيلاً، وهذه الإرادة على الحياة هي التي سنورّثها للأجيال القادمة، تماماً كما ورثناها عن آبائنا هنا في المخيم، والذين واريناهم الثرى وهم قابضون على إرادة التحرير والعودة”.
وللمخيمات الفلسطينية حضورها اللافت كأسواق تجارية تنفرد بتقديم منتجات بيتيّة ذات جودة عالية وبأسعار منافسة، حيث أن أسواق مخيمات مثل البقعة والوحدات، تعتبر من أكثر الأسواق أهمية وحيوية في الأردن، وتعلق الحاجة هنية صافي، بائعة مخللات: «يأتينا الزبائن من جميع أنحاء الأردن لشراء منتجاتنا البيتية التي نعرضها في الأسواق من مخللات وأجبان وجميد وسمن بلدي، وسماق وزعتر بلدي وغيرها من المواد الغذائية التي نتفرّد بطرق صناعتها، كما تتضاعف الحركة الشرائية في الأيام الأخيرة من الشهر المبارك في مخيمنا، وتحديداً على سلعتي الملابس والحلويات، التي تتوافر هنا بكميات كبيرة وبتنوع أكبر».
والفقر وضيق الحال الذي يلازم اللاجئين الفلسطينيين أينما حلوا، يزداد وطأة عليهم خلال شهر رمضان بمتطلباته الكثيرة التي يفرضها غلاء الأسعار غير المبرر، وضرورات التواصل الاجتماعي، وإقامة الولائم والدعوات للأرحام.
ويلوم اللاجىء أحمد نصر: “المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تتعامل مع أبناء المخيمات وفق سياسة الإهمال والتقصير، وأنا لا أستثني أيّة جهة عاملة في هذا المجال لدينا، حيث أدعوهم لإنصاف اللاجئين وشملهم في المعونات النقدية والعينية، وفي كافة الأوقات، وليس في شهر رمضان فقط، والذي يمرّ بالكثير من العوائل الفلسطينية وهم في حالة شديدة من العوز والحرمان، وأدعو هنا لتغيير الكوادر المشرفة على المؤسسات والجمعيات الخيرية، وهي كوادر أثبتت افتقارها للعدالة في توزيع المخصصات والمعونات».
وتذهب الناشطة في العمل التطوعي “زكية كمال» إلى ذات الطرح لجهة كشفها عن أنّ: «المكارم الملكية التي تصرف للاجئين من خلال دائرة الشؤون الفلسطينية لا تُوزّع بعدالة، وهناك عوائل تحصل على المكرمة لأكثر من مرة في العام الواحد، فيما عوائل أخرى لا تحصل عليها نهائياً، على الرغم من أنّها تستحقها. ناهيك عن أن سياسة الجمعيات الخيرية في المخيمات تنتهج توزيعاً غير عادل، فمثلاً المرأة المطلقة أو الأرملة إن كانت تعيش بمفردها ولا أطفال لديها، تُحجب عنها المساعدة المالية، وهذا على الرغم من أنها قد تكون بأمسّ الحاجة إليها، والحُجة هنا أنّ المساعدات تُقدّم للعوائل فقط، كما أنّ بعض الجمعيات تشوبها شبهات فساد، من حيث الاستيلاء على جزء من المساعدات لصالح القائمين عليها، فيما توزع بعض المساعدات على الأصدقاء والأقارب وأهل الودّ أكثر مما تشمل أصحاب الحاجة الفعلية والحقيقة”.
وتعلق زكية: «الوضع غير القويم هذا، أدّى لوجود عشرات العائلات في المخيم أعرفهم شخصياً، وأقسم على ذلك، لا يجدون الخبز ليفطروا به بعد صيامهم لساعات طويلة، ويمرّ شهر رمضان بهذه العائلات الفقيرة المنسيّة كضيف ثقيل الظلّ ينبش آلآم وجراح متخمة بها أوساط اللاجئين هنا، ممّن صاروا نسياً منسياً من قبل كافة الجهات المعنية بتأمين المستلزمات الأساسية لحياتهم، وهم من يتحمل العالم أجمع مسؤولية طردهم عن وطنهم وتحويلهم إلى بشر يعيشون على هامش المجتمعات”.
ما سبق غيض من فيض، عن الأجواء الرمضانية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون هنا، الذين متّعونا وآلمونا، في آن واحد، بحكايا سمعوها من الآباء والأجداد عن ليالي السّمر الرمضانية في قراهم البعيدة، والتي لا تزال أفئدتهم تحجّ إليها في كل مناسبة دينية ووطنية.