ترجمة الحدث - براء بدر
نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، مقالا كتب بواسطة دونا فيرجستون حول روايات الناقد الفلسطيني إدوارد سعيد التي لم تكتمل بعد.
وجاء فيه:
كان إدوارد سعيد واضحًا وحازمًا، فعمل الناقد أهم من أعمال الشعراء والروائيين. ويعتقد أن المثقفين العامين هم الكتاب الأكثر قدرة على تحدي السلطة وتغيير العالم.
لكن وفقًا لسيرة ذاتية جديدة للباحث والناقد الأدبي الفلسطيني إدوارد سعيد الذي يحظى باحترام كبير، كتب سعيد سرًا الشعر والخيال - دون أن يذكره لأصدقائه.
سعيد، الذي توفي عام 2003، ترك وراءه روايتين غير مكتملتين ومهجورتين، إحداهما قصة قصيرة مرفوضة وما لا يقل عن 20 قصيدة، حسبما كشفت سيرة تيموثي برينان لأول مرة.
حصل برينان- وهو طالب سابق لدى سعيد ويعمل الآن أستاذًا للأدب المقارن في جامعة مينيسوتا - على وصول غير مسبوق من قبل عائلة سعيد إلى المخطوطات غير المنشورة.
تسلط السيرة الذاتية ( أماكن العقل: حياة إدوارد سعيد) التي نشرتها بلومزبري، ضوءًا جديدًا على كيفية رفض سعيد للرواية في عام 1992 كشكل أدبي، بعد أن قضى حياته في تدريس الأدب.
ويقول برينان: "أعتقد أنه وجد عيوبًا كبيرة في كتابة الروايات، وجد أن هناك فشلًا في مشروع الرواية إذا كنت تنوي تغيير العالم".
ويعتقد برينان أن استنتاج سعيد؛ "بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالدافع لإحداث التغيير السياسي، فإن الرواية ليست أفضل وسيلة للقيام بذلك" هي نتيجة ولدت جزئيًا من تجاربه الخاصة ككاتب روائي غير ناجح.
وبحلول ذلك الوقت، كان سعيد قد اكتشف عن كثب التحديات التي يواجهها المؤلفون عند محاولة التدخل السياسي من خلال كتابة الروايات - لكنه اختار إبقاء هذه الرؤية الشخصية المحرجة سراً، إلى جانب مخطوطاته غير المنشورة.
وعندما كان أصدقاؤه من الروائيين المشهورين يكتبون إليه رسائل إعجاب، يدعونه فيها إلى كتابة رواية، كان عادة ما يتجاهل مراسلاتهم أو يرد بطريقة مراوغة عما يمكنه الكتابة عنه. ويقول برينان في هذا الصدد: "من الواضح أنه كان يبذل قصارى جهده لإبعاد محاولته لكتابة الروايات عن الناس، إنه يضللهم".
ويرى برينان، أن هناك، ربما، شخصا أو شخصين فقط كانا يعلمان بمحاولات سعيد الروائية . " لقد أجريت مرارا وتكرارا مقابلات مع أناس عرفوا سعيد طوال حياته ولم يعرفوا عن هذا أبدا (محاولات لكتابة رواية)".
ويعلق برينان أن الروايتين ذاتا طابع سياسي وشخصي، وتدور أحداثهما في الشرق الأوسط؛ الأولى، بعنوان "مرثية"، ويبلغ حجمها 70 صفحة وتدور أحداثها في القاهرة في الأربعينيات من طفولة سعيد. وقد بدأ كتابتها في عام 1957 عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، أي قبل أكثر من عشرين عامًا من كتابه "الاستشراق".
وبحسب برينان فإن سعيد كان يحاول جاهدا البحث عن طريقة سهلة لشرح أنه “كمواطن أمريكي يعيش في الولايات المتحدة وجد أن هناك الكثير من الناس لم يفهموا أن هناك ثقافة عربية مستقلة وحاولت بنجاح البحث عن طرق لمقاومة التأثير الأجنبي الذي فرض على أماكن مثل القاهرة”.
ويضيف برينان إن شعر سعيد كان غارقا في العروبة، حيث كتب بعض القصائد في الخمسينيات من القرن الماضي والتي تعبر بشكل واضح عن مواقف مناهضة للاستعمار، مستكشِفةً شعور المرء بأن يعيش "محاصرا بين عالمين" وأن ينشأ في "الشرق"، حيث - كما كتب سعيد في إحدى رواياته - "رأس كل واحد فيهم متجه باتجاه الرياح إلى الغرب".
ويبدو أن البعض الآخر من قصائده "شخصي للغاية، حيث يقول برينان: "قصيدته المفضلة هي قصيدة عن ممارسة الحب وهي جريئة للغاية وأعتقد أنه كتبها عن علاقته المضطربة مع زوجته الأولى، في عام 1962". وكتب فيها "هناك، هذا الوحي المفاجئ بالشعور بالغربة والخوف تجاه الشخص الذي كنت حميمًا معه. إنه يعبر عن الشك الذي يساور المرء بشأن ولاء المرأة التي يحبها".
وفي أثناء البحث في الكتاب، اكتشف برينان أن سعيد كان "مهووسًا" تمامًا بشعر جيرارد مانلي هوبكنز وكان يقرأ الشعر باستمرار لزوجته الثانية. وقد كان عنوان الرواية الوحيدة التي تمكن من إكمالها مأخوذا من سطر في قصيدة هوبكنز، "تابوت للمستمع". وهي قصة قصيرة عن شاب من بيروت أُجبر تدريجياً على التعرف على المعاناة التي تعرضت لها عائلة فلسطينية صديقة حيث أجبرت على ترك منزلها. وقد تخلى سعيد عن كتابة الروايات لمدة 25 عامًا بعد أن رفضت مجلة نيويوركر هذه القصة عام 1965.
ويرى برينان أن الأهم من ذلك أن هذه الأعمال المبكرة غير المنشورة تُظهر أن سعيد لم يكن سياسيًا قبل حرب الأيام الستة عام 1967، كما يُعتقد عمومًا. ويضيف: "هذه خرافة - من نواح كثيرة، قبل ذلك الحين، كان مستثمرًا بعمق في الأشياء التي شكلت حياته الأدبية لاحقا".
وفي عام 1987 بدأ سعيد روايته الثانية، وهي قصة سياسية مثيرة عن الخيانة. تدور أحداثها في بيروت عام 1957، ويصفها برينان بأنها "مليئة بالتجسس، وتشبه إلى حد كبير رواية جون لو كاريه، التي تحدثت بشكل كامل بما يتعلق بالمؤامرات السياسية المحيطة بغزو الولايات المتحدة والقوى المختلفة المتورطة فيه".
وكتب سعيد حوالي 50 صفحة منها، لكنه تخلى عنها للتفرغ لكتابة مذكراته عندما تم تشخيص إصابته بسرطان الدم. وحينها أصبح مقتنعا أكثر بأن المثقفين في النهاية أكثر أهمية من المؤلفين، "إنهم من يغيرون الأجندة ويتحدون السلطة".