عندما تصبح الخيارات غير قادرة على التخلص من الحالة المتشرذمة سياسيا ووطنيا فإن الخيار الأمثل يبقى الاحتكام لإرادة الشعب الذي من حقه أن يقرر مصيره بيده ومن حقه أيضا اختيار الأنسب والأقدر على تحمل أعباء المرحلة والمثابرة على تلبية احتياجاته وتخليصه من معاناة طال أمدها.
إذ أن هذا الخيار لابد بل؛ من الضرورة الملحة العمل على إنجاحه وتهيئة المناخات لتحقيق غاياته ويقع في صلب تلك التهيئة امتلاك كافة الأطراف سواء التي تنوي التنافس في العملية الديمقراطية أو التي أعلنت عزوفا عن المشاركة فيها الإرادة السياسية الكافية إلى حد جعلها عملية تنافسية بطابع ديمقراطي لأبعد مدى، فيها تنأى عن كيل الاتهامات والتراشق الإعلامي وإثبات المصداقية أمام الجماهير بأنها عملية نزيهة وشفافة بكل ما تعنيه الكلمة، فيها تحترم الآراء ووجهات النظر والمواقف السياسية، عملية نقية تخلو من شوائب المزايدة والتعدي على الحريات تضمن مشاركة فعالة للجميع دون تمييز بمساواة وعدالة تنسجم مع مقتضياتها الديمقراطية.
عملية ديمقراطية يتم إجراؤها وقد خلت كافة المعتقلات والسجون من أي موقوف أو معتقل على خلفية الرأي والموقف السياسي أو التنظيمي فضلا عن إفساحها المجال للتعبير عن الرأي والكلمة في إطار الاحترام الجدي والمسؤول للرأي والرأي الآخر.
فلا يجوز أمام حالة الاستعداد التي عبرت عنها الجماهير التي بادرت للتسجيل وقد حققت فيها نسبة كبيرة لم يسبق لها مثيل أن يتم تعكير صفو هذا الاستعداد الذي رافقه استبشار بالتوافق الوطني الذي تم الإعلان عنه من القاهرة في التاسع من هذا الشهر/ فبراير، وقد هيأ الظروف للتشمير عن السواعد لتذليل العقبات وإزالة العراقيل لا لوضعها وجعلها عصيا في الدواليب.
فإن الإخلاص لإتمام هذه العملية الديمقراطية باعتبارها مدخلا مهما لإنهاء حقبة التشرذم والانقسام يجب أن يتمثل بترجمة فعلية لما تم ويتم التوافق عليه وألا تطفو الخلافات في الآراء والمواقف على السطح الذي يجب أن يظل نقيا خاليا من الاستقطاب والتجاذبات السياسية خلافات يجب ألا تنعكس سلبا لتثبيط العزيمة وزعزعة الإرادة، خلافات تستلزم معالجتها بحكمة وبموضوعية في الأروقة المغلقة وبما يضمن بقاء الهمم في شحذ متواصل للوصول بأمان وطمٱنينة ليوم الثاني والعشرين من مايو القادم ليمارس شعبنا حقه الديمقراطي ليعلن في اليوم التالي على مرأى العالم بأنه شعب قادر على قيادة نفسه بنفسه بالطرق والوسائل الديمقراطية التي فيها يحترم الإنسان وتحترم إرادته ويقف بمسؤولية أمام التضحيات الجسام التي قدمها ليشعر بلحظات جدية وهو يمارس السيادة الوطنية والتداول السلمي للسلطة وأنه جدير بإعادة ترميم وبناء النظام السياسي انسجاما وتوازيا مع تطلعاته بصون حقوق مختلف فئاته السياسية والاجتماعية وصون الكرامة الإنسانية والوطنية.
إن حماية العملية الديمقراطية قبل وأثناء وبعد إتمامها مسؤولية الجميع وهنا الجميع مطالب بالحكمة والعقلانية والمرونة والابتعاد عن التصلب والتمترس عند الموقف والامتثال لتحقيق المصلحة العامة وتفويت الفرصة على الاحتلال الذي لم ينفك عن محاولات العبث والتخريب عبر شنه لحملات الاعتقال والتهديد لأبناء شعبنا ومحاولاته الفاشلة لكسر الإرادة، فشعبنا الذي ضحى بمئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى يستحق اليوم وأكثر من أي وقت مضى الاحترام والتقدير بإفساح المجال أمامه لاختيار من يمثله ويتبنى ويدافع عن قضاياه الوطنية والسياسية والاجتماعية؛ شعب يستحق احترام إرادته ليخوض غمار التنافس الديمقراطي أسوة بشعوب المعمورة ليواجه بنتائج تلك العملية تحديات المرحلة ويستطيع من خلالها إعادة الاعتبار للإنسان الفلسطيني القادر على البناء والعطاء لفلسطين وطن الجميع.