قررت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المشاركة في الانتخابات العامة، هذا القرار كان متوقعا لسببين؛ الأول أنها شاركت في الانتخابات العامة الثانية ولا يوجد مسوغ منطقي للاستنكاف عن الثالثة، مع أن الأمور ظلت على حالها إن لم أقل تدهورت أكثر، والثاني أن المسجلين في كشوف الاقتراع زادوا عن التسعين بالمائة، وهذا يعني أن المُقاطع يحشر نفسه في زاوية ضيقة، ويخالف الغالبية الأعظم من شرائح المجتمع، والجبهة الشعبية لا تستطيع على الأقل حفاظا على اسمها أن تكون في مكان وغالبية الشعب الفلسطيني في مكان آخر.
ودون التوسع في الدوافع فإن الإجماع الفلسطيني على خوض الانتخابات من خلال النسبة المرتفعة جدا للمسجلين والتي تنافس على أن تكون الأعلى في العالم، هذا الإجماع يمثل ثورة داخلية سلمية وديمقراطية تتخذ من صندوق الاقتراع الوسيلة الأكثر فعالية وجدوى لتنظيم شؤون البيت الفلسطيني الذي هو حجر الأساس للصمود الوطني وهدف الإجماع أي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مع بلوغ حل عادل لقضية اللاجئين على أساس قرارات الشرعية الدولية.
الانتخابات العامة الثالثة من حيث الإقبال والرهانات ينبغي أن تكون مختلفة عن الأولى والثانية ولا بد من أن تكون كذلك.
في الأولى قوطعت الانتخابات العامة تحت حجة أنها من إفرازات أوسلو، وفي الثانية شارك المقاطعون بحجة تدمير أوسلو من داخلها، أما الثالثة حيث أوسلو لم تدمر وبقي منها ما اعتبره المقاطعون الأسوأ مثل التنسيق الأمني وخلافه.
الجديد في الإجماع على الدخول في الانتخابات الثالثة هو حرص القوى السياسية على مواصلة دورها عبر شرعية شعبية متجددة حيث الشرعية التاريخية تآكلت وصار يقال عنها منتهية الصلاحية، ذلك لا يعني أن لا قيمة لها، فالمجد كل المجد للتاريخ، ولكن هذا النوع من الشرعيات بحاجة إلى أن تقف على رجلين اثنتين، الماضي التليد والحاضر الجديد.
الماضي التليد يصلح لتزيين السيَر وكتب التاريخ والتباهي بكل ما حمل من مآثر كانت جديدة في حينه، أما الحاضر الجديد فهو كيف تستقطب أصوات الناخبين بإنجازات باهرة، أولها تحقيق مصالح الجمهور التي لا انفصال بينها وبين متطلبات القضية الوطنية، التي هدفها الحرية والاستقلال.
الجمهور يعتبر أن الصمود على المبادئ والثوابت أمر مفروغ منه ولا يتطلب تغطية كل الإخفاقات بكثرة الحديث عنها، وكأن الوطنية المتأصلة في نفوس وسلوك الناس تحتاج إلى محرضين وحراس وحتى جلادين لمنع الخروج عنها.
الفصائل كبيرها وصغيرها هي أول من يحتاج إلى الحرية والديمقراطية، وهي أول من يتعين عليه تجديد نفسه قبل أن يدعي قدرة مضمونة على تجديد المجتمع والوطن.
الناخبون الذين جاوز عددهم المليونين ونصف، هم من ينبغي أن يؤدوا بنجاح ليس فقط عملية تجديد الشرعيات المتقادمة وإنما تجديد الحياة السياسية من كل جوانبها ببرامج تنموية تُخدم بآليات فعالة وإحياء الرقابة المنهجية المؤسساتية على أداء السلطة في كل مهامها، وحين يُفعل ذلك بصورة متقنة ومقنعة وليس مقنّعة، فبوسعنا الاطمئنان على ثوابتنا وأهدافنا الوطنية إذ لا تناقض بين بيت صحي يعيش فيه الشعب قدر الإمكان وبين هدف وطني لن يهدأ الشعب دون تحقيقه.
أخيرا.. أقول للفصائل كبيرها وصغيرها في أمر الحرية والديمقراطية والتجدد والإبداع، ابدأي بنفسك.