الحدث - سوار عبد ربه
في الوقت الذي يجري فيه التحضير للانتخابات الفلسطينية على قدم وساق، لا تزال أسئلة كثير عالقة تتبادر إلى أذهان فئة الشباب، الذين نشأوا في ظل غياب انتخابي استمر لأكثر من 15 عاما، لعل أهمها أين يقع دور الشباب الفلسطيني من هذه الانتخابات؟
يشكل الشباب الفلسطيني ما نسبته 30% وفق آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وتعتبر هذه الفئة اللبنة الأساسية في بناء وتطوير المجتمع الفلسطيني، لكن الواقع المعيشي لجيل الشباب يرسم صورة كئيبة عن مدى فعالية دورهم مجتمعيا وسياسيا وعلى كافة الأصعدة.
واستنادا إلى الإحصائية ذاتها، تشكل نسبة الشباب الذين يشغلون مراكز صنع قرار في فلسطين1% فقط، وحول هذا قال مدير منتدى شارك الشبابي بدر زماعرة إنها "نسبة متدنية جدا بل لا تذكر في مجتمع تشكل القوى الاقتراعية فيه للفئة العمرية الواقعة بين 18 و28 عاما 40.2%".
ويرى زماعرة أن الجدية في إشراك الشباب لم نلمسها حتى تشريعيا رغم تعديلات القرار بقانون لقانون الانتخابات الفلسطيني. معتبرا أن الكارثة تكمن في أنه طلب من مليون و157 ألف شاب أن يقترعوا وفي المقابل حرمهم من حق الترشح.
ويوضح مدير منتدى شارك الشبابي أنه في حال أراد الشباب ترشيح أنفسهم وتشكيل قوائم يجب أن تزيد أعمارهم عن 28 عاما ما يعني أن %40 من المجتمع الفلسطيني فقد حقه في تشكيل قوائم، مشيرا إلى أن الفصائل لم تضغط بالشكل المطلوب واكتفت فقط بمطالبات خجولة هنا وهناك.
وفيما يتعلق بآليات تفعيل دور الشباب للمشاركة في الحياة السياسة قال زماعرة إن "المطلوب هو تخفيض سن الترشح واقتناع الفصائل بضرورة تجديد الدماء من خلال شبيبتها، على أن تقوم بدورها في تأهيلهم داخليا لخوض غمار الانتخابات والمعارك الانتخابية، ضمن برامج تعبر عن مصالح هذه الفئة، قبل الوصول إلى صندوق الاقتراع، إلى جانب ضرورة اقتناع الفصائل والمجتمع المدني بجدوى وجود الشباب بشكل فاعل لأنهم من سيشكلون المرحلة المقبلة".
ويعتبر زماعرة أن هناك غياب للإرادة لدى كل ما هو مكون سياسي في المجتمع ليقدم الشباب خطوة للأمام متسائلا "هل الفصائل لديها الاستعداد والقبول لضخ دماء جديدة في أحزابها؟"
وفيما يتعلق بالتغيير المترتب على إشراك الشباب في الحقل السياسي شدد زماعرة على أن التغيير سيكون إيجابيا عندما نرى الشباب في مراكز متقدمة وهذا يعني أننا نتعامل مع فئة جديدة ذات رؤية مختلفة ومتنوعة تضخ دماء جديدة إلى كل مكونات مراكز صنع القرار وهو مدخل لحياة سياسية أفضل.
وفي استطلاع رأي أعده منتدى شارك الشبابي عام 2015 كشف عن استياء وغياب الثقة في الأحزاب والفصائل الفلسطينية ومؤسسات النظام السياسي الفلسطيني لدى فئة الشباب بالإضافة إلى امتلاكهم نظرة سلبية ونقدية عن إمكانية ممارسة أو تطبيق الديمقراطية.
وأظهر الاستطلاع أن 80% من الشباب وجدوا أن المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات الوطنية كانت غير مرضية، وغالبيتهم فضل البقاء بعيدا عن المشاركة السياسية المنظمة، رغم وجود عدد من الشباب الناشطين مجتمعيا والذين قاموا بمبادرات فردية من شأنها حشد الفعاليات والأنشطة والحقوق، إلى جانب وجود حركة شبابية لا مركزية في الجامعات.
وبحسب مدير المنتدى؛ هذه القضايا المستشرية في مجتمعنا دفعت الشباب خطوة للوراء ما أدى إلى إحجام كبير عن الحياة السياسية.
ويعاني جيل الشباب من حالة غياب عن الحضور العام ناهيك عن وجود فجوة كبير في الوعي السياسي لدى هذه الفئة، فبحسب زعامرة نسب اطلاع الشباب على الحياة السياسية تبدو متفاوتة، وهم بحاجة إلى تغذية من خلال مفاهيم وقيم وتربية حزبية كما كانت أيام الانتفاضة الأولى وما قبلها، مشيرا إلى أن الشباب عندما يعطون الفرصة داخل الأحزاب سيبدون اهتماما أكبر في الشأن العام وسيتصدرون الصفوف الأولى.
بدوره يرى الكاتب والباحث السياسي ساري عرابي، أن عزوف الشباب عن الحياة السياسية جاء نتيجة الظروف التي مر بها الفلسطينيون من بعد الانقسام حتى هذه اللحظة، الأمر الذي تسبب في إحباط للشباب، بالإضافة إلى سياسات تجريف الحالة الوطنية في الضفة الغربية على وجه التحديد بحرف أولويات الفلسطينيين ومحاولة فرض نمط في الحياة الاقتصادية التي تحيّد الجماهير عن الاهتمام بالهم العام، لا سيما وأنه خلال العقدين الأخيرين تفاقمت الحالة الاقتصادية الفلسطينية والبطالة نتيجة الحصار والملاحقة لتفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين عامة والشباب على وجه التحديد.
كل هذه أمور حيدت قطاعا واسعا من الشباب وأشغلتهم في قضايا متعلقة بالعمل والرزق ولقمة العيش، وحوّلت القضية السياسية لقضية نخبوية لفئة محدودة من القيادات الهرمة على حد تعبير عرابي.
ويؤكد عرابي، أن هذا كله لا يعني أن النتائج حتمية وأن الشباب في الانتخابات بالضرورة أن تكون مشاركتهم محدودة.
وفيما يتعلق بموضوع الترشح يعتقد الباحث السياسي أن حركة حماس ستلجأ هي وحركة فتح إلى ترشيح وجوه جديدة "غير محروقة" ولم تشارك في أي انتخابات مضت، مشيرا إلى أنها أحزاب كبيرة وعندها خزان هائل من الشباب وليست عاجزة عن ترشيح أسماء منهم.
في هذا الجانب يقول الباحث السياسي إن المفهوم السياسي في فلسطين يختلف عن أي مفهوم سياسي في أي مكان بالعالم بحكم وجود الاحتلال، أي أن الفلسطيني بالضرورة يجب أن يكون مرتبطا بشكل أساسي وجوهري في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى مستوى جيل الشباب يعتبر عرابي أنه عنصر مركزي في مقاومة الاحتلال والاعتماد الأساسي سيكون عليه، قائلا: بالعودة إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنلاحظ أن الشباب كانوا عامود الأحزاب والفصائل الفلسطينية والأمر ذاته في الانتفاضة الثانية، كذلك الأمر في انتخابات الجامعات الفلسطينية وخاصة جامعة بيرزيت التي حظيت باهتمام مجتمعي بالغ، وظلت مظهرا أساسيا من مظاهر الحياة السياسية عند الشارع الفلسطيني وهي انتخابات شبابية بالدرجة الأولى.
ويضيف عرابي أن الأصل أن يكون الشباب هم العنصر الأساسي في الفصائل الفلسطينية من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والأحزاب الفلسطينية القائمة اليوم أسسها شباب في يوم من الأيام، وبحسب عرابي هذا لا يعني أن الحال ظل على ما هو عليه وكما يفترض أن يكون، فالفصائل الفلسطينية عانت حالة من الترهل بسبب اختلاف الأولويات الفلسطينية، فبدلا من أن تكون الأولوية هي مقاومة الاحتلال صارت الأولوية هي إدارة سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال.
وتابع الباحث السياسي قائلا: "هذه العوامل كلها جعلت الخصوصية الفلسطينية مختلفة في هذه الحالة، وبعض الفصائل الفلسطينية عجزت عن أن تستمر في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي تحولت قيادات بعض الفصائل إلى قيادات هرمة وظل الشباب مجرد خزان انتخابي للاستعراض ووقود لمصالح هذه القيادات الهرمة".
يرى عرابي أن إعادة النظر في الأولويات السياسية الفلسطينية جزء مهم من آليات تفعيل دور الشباب فلو كانت الأولوية هي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي سيعطى الشباب فرصتهم في الحياة السياسية الفلسطينية إلى جانب ضرورة وجود حريات فلسطينية وضرورة تعافي الحركة الطلابية الفلسطينية التي كانت تاريخيا حركة مشرفة ورائدة ومغذية للحياة السياسية، مردفا أنه بعد الانقسام عانت الحركة الطلابية عموما، وشهدت شبه سيطرة على ساحات الجامعات مع استثناءات محدودة.
في سياق مختلف، شكلت مواقع التواصل الاجتماعي عاملا مهما في نقل الحقل السياسي من الميدان إلى الفضاء الافتراضي، ووفرت فتحات ثورية جعلت من مواقع التواصل الاجتماعي منبرا بديلا في ظل تأزم الحياة السياسية الفلسطينية، يقول عرابي إن "فساد الحياة السياسية خلال المرحلة الماضية دفع مواقع التواصل الاجتماعي إلى مساعدة الناس على التعبير عن آرائها، وثقفت الناس سياسيا، لكنها في الوقت نفسه أثرت سلبا لأنها حالت دون الممارسة الميدانية وتسببت بنوع من الكسل السياسي والكسل في الممارسة الوطنية".
وطالب قطاع الشباب في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، الرئيس محمود عباس والفصائل الفلسطينية بتخفيض سن الترشح لانتخابات المجلس التشريعي والرئاسة بما يضمن تعزيز مشاركة الشباب السياسية .
وشدد على ضرورة إشراك الشباب بالعملية الديمقراطية من خلال اعتماد تخفيض سن الترشح إلى 23 عاماً أسوة بسن الترشح لانتخابات المجلس الوطني وبخاصة أن هناك مئات الآلاف من الشباب الذين سيحرمون من المشاركة في الترشح لهذه الانتخابات وسيتم تهميشهم في حال لم يتم تعديل سن الترشح.
وأشار إلى أن الشباب الفلسطيني عانى بشكل مضاعف خلال السنوات الماضية جراء الانقسام السياسي والحصار والعدوان الإسرائيلي، داعين إلى تمثيل فئات الشباب بالقوائم والمقاعد الأولى للقائمة، انطلاقاً من أهمية الدور والنسبة الشبابية بالمجتمع والسجل الانتخابي.
وطالب بضرورة التفاف الشباب أنفسهم حول حقهم في المشاركة في الترشح ورفض تهميشهم من خلال تخفيض سن الترشح وضمان تمثيلهم في القوائم الانتخابية.