في بيتي عام ١٩٩٥ وعلى مأدبة العشاء، كنا ثلاثة، أنا وأنت والراحل الكبير بشير البرغوثي، حينها طال النقاش حول الحالة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو وفي نهاية المطاف توافقتم على..
إن نجحنا بإدارة المرحلة الانتقالية (الخمس سنوات) فستكون المحطة الأولى في مشوار طويل، وإن فشلنا ستكون كانتونات ومشروعا استثماريا انتهازيا يستبدل الحقوق والتاريخ بالتسهيلات والامتيازات..
ولإيمانك أنها المحطة الأولى لرسم المستقبل وبناء الوطن الخارج من تكسير الأطراف، والعائد من المنافي من قسوة الترحيل والترحال، بعد أن ضاقت فينا المقابر والمعابر..
دافعت عن اتفاقية أوسلو بكل إمكانياتك الكاريزماتية والنضالية والشعبية وفي كل المنتديات والمحافل، وقد كنت فيها جميعاً تحمل رسالة الشهداء والأسرى وحلم الشهيد الراحل..
اتَذكُرَ الوداع الأخير يا صديقي حين افترقنا بعد منتصف ليل الاجتياح على ناصية الطريق وقلت لك إلى أين..؟ إلى المجهول..!! فرفعت لي إشارة النصر وغِبت معها وغابت معك تسعة عشر عاماً في عتمة السجون..
اليوم أقول لك يا صديقي وبعد ان طالت قسوة الغياب، إن أوسلو انتهت وبقي منها مشروع استثماري مسخ، يُتاجر بعذابات وكرامة شعبنا، ويدُك مضاجع الشرفاء، وسيفاً مسلطاً على رقاب القابضين على جمر تراب الوطن المقدس..
أيها القائد مروان..
هل وصَلتك أخبار الوطن الملوث بدماء الانقسام والفساد وغياب المساءلة، والمحسوبية..؟؟ وهل وصَلتك أخبار الشباب المتسلقين على جدار الهجرة وغياب العدالة والحريات وفقدان البوصلة الوطنية..؟؟
صدر المرسوم أخيراً يا صديقي وإن طال الغياب، وبعد أن انقسمنا حسب رواية المحتل بين وطن للتنسيق ووطن للإرهاب ..
اليوم بدأت ترتفع الهامات وتعلو الأصوات، وعيون الشباب والصبايا ترقب إشارة النصر القادمة من عرينها بعد طول الغياب..
أيها القائد مروان.. إن السواد الأعظم من أبناء شعبك يتطلعون إلى من يقود الجهود المبعثرة على رصيف الوطن، والسير بها إلى حيث عودة الإيمان والاعتزاز بوطنهم.. أنت لا تملك حق الاختيار في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة يا صديقي، فإما استعادة زمام المبادرة وإما العدم..
ماذا يعني اليوم منصب الرئيس تحت حراب الاحتلال..
وماذا يعني منصب الرئيس خلف القضبان..؟؟ لشعب يدفع يومياً ثمن غياب المساءلة والحرية وانتهاك حقوق الإنسان..؟؟
إن عيون الشباب ترنوا كل يوم إلى من يقود معركة التغيير وإعادة صياغة المشروع والوجه المشرق للرواية والتاريخ، من خلال انتخاب مجلس تشريعي يضم رجالات قادرة على حمل الأمانة، أمانة الرقابة والمساءلة السياسية والإدارية والمالية، بعد أن ضاعت في حسابات بنكية واستثمارات عقارية وصفقات سياسية..
أوسلو يا صديقي لم يكن منذ البدايات مشروع الشعب الفلسطيني، بل كانت مشروع حركة فتح أعطتها الكوفية شيئاً من الأمان والكبرياء، وقد دفع المناضلون ثمن هذا الاتفاق وهذا الانكسار، وأن إعادة البوصلة إلى المحطة الأولى من أجل رسم المستقبل، هي مسؤولية من تبقى اليوم من أبناء الحركة الشرفاء..
أنت خير من يحول هذه الانتخابات إلى صحوة وطنية، وأنت الأقدر على قيادة تيار وطني ديمقراطي لا شرقي ولا غربي، تيار فلسطيني الوجه والقلب والمعتقد...
اليوم يا صديقي.. الجميع ينتظرك لتقود قائمة تضم كل أطياف ومكونات المجتمع الفلسطيني الشرفاء، وتحقق معها أحلام الشباب والشابات..
أنا ومثلي آلاف مؤلفة من الآباء والأمهات، نشعر بخيبة وانكسار رهيب ونحن نحدق بأبنائنا وبناتنا الذين يتوقعون منا انتشالهم من هوة الضياع السياسي، ولسان حالنا ناطق بالعجز والمهانة من استمرار الأمر الواقع..
الفشل يا صديقي ليس قدراً ونحن لسنا عبيداً يُنادى على مصائرنا في سوق المحاصصة..
أعلنها يا مروان..أعلنها يا أبا القسام وافرش لنا فرحاً ونحن نزفكم في مسيرة تجسيد إرادة التغيير في أبهى وسائل النضال..
إنها الفرصة للتغيير أيها القائد الكبير