السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التطهير العرقي سياسة الاحتلال المتجددة والشيخ جراح الضحية

2021-02-27 09:07:45 AM
التطهير العرقي سياسة الاحتلال المتجددة والشيخ جراح الضحية
أرشيفية

الحدث- سوار عبد ربه

ارتكبت الحركة الصهيونية سياسة التطهير العرقي بمختلف مراحلها ضد المواطنين الفلسطينيين، حيث كان القادة الصهاينة يصدرون أوامر تقضي بتطهير المناطق التي كانت تستولي عليها قواتهم من الشعب الفلسطيني، وترسخت هذه السياسة بشكل بارز بين عامي 1948-1949 واستمرت حتى الوقت الحاضر، لا سيما في مدينة القدس التي تواجه اليوم شتى أنواع الممارسات العنصرية.

ووفقا لدراسة أعدها الباحث الفلسطيني نزار أيوب "عملت سلطات الاحتلال على تغيير الوضع الديموغرافي في شرقي القدس من خلال استهداف الوجود الفلسطيني في المدينة والحد من أعداد الفلسطينيين مقابل الزيادة الممنهجة لأعداد المستوطنين وذلك بانتهاج سياسات وإجراءات تحول دون تمكن أي فلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي في الإقامة والعيش داخل القدس، وبالتالي ترغم الكثيرين من مواطني المدينة، الفلسطينيين على الهجرة القسرية لخارجها".

لعل حي الشيخ جراح في القدس الشاهد الأبرز على السياسة الإسرائيلية الممنهجة  ضد السكان الأصليين والذي ترجع قضيته إلى ما قبل احتلال المدينة بعشرة أعوام، اذ تواصل سلطات الاحتلال هناك الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين، وتصدر قرارات تجيز اقتلاع الأهالي من مساكنهم وسط رفض للعائلات بالخروج والتسليم لأمر الاحتلال.

عادت قضية الحي إلى واجهة الأخبار بعدما أصدرت محكمة الاحتلال المركزية ردا بالرفض على طلبات الاستئناف المقدمة من 4 عائلات مقدسية من الحي وهم (اسكافي، الكرد، الجاعوني والقاسم) ، وكان قد صدر في أيلول من العام الماضي قرار إخلاء4 عائلات من الحي، وتبعه قرار آخر في الشهر الذي يليه يقضي بإخلاء 3 عائلات أخرى وهم (حماد، الدجاني، وداوودي) بحسب ما أوضح المواطن كرمل القاسم في لقاء مع صحيفة الحدث.

وقامت العائلات السبع بتقديم طلب استئناف للمحكمة المركزية العليا، التي بدورها نظرت في القضية ورفضت طلب الاستئناف، وأصدرت قرارا في شباط 2021 بإخلاء المجموعة الأولى من عائلات الحي، وبموجب قرار المحكمة، يتعين على العائلات الأربع إخلاء منازلهم بتاريخ 2/5/2021، وفقا للقاسم.

وأوضح القاسم وهو صاحب أحد المنازل المهددة بالإخلاء أن المحكمة ستعقد جلسة أخرى، الشهر القادم للبت في القضية ذاتها للمجموعة الثانية من العائلات، ومن المتوقع أن يلقوا المصير ذاته لأن العائلات كلها تعاني ذات المشكلة.

وتابع القاسم: "بعدما رفضت المحكمة المركزية طلب الاستئناف، ستتوجه عائلات الحي إلى المحكمة العليا، لتستئنف على قرار المحكمة، خلال 60 يوما، وهي المهلة التي تمنحها المحكمة للاستئناف، مشيرا إلى أنه غير متفائل، لأن محاكم الاحتلال عنصرية وترفض فتح الملفات والدخول في تفاصيل القضية".

ويرى كرمل القاسم أن العائلات تمتلك حجة قانونية قوية وأوراق تثبت ملكتيهم للأرض والبيوت، لكن المحكمة ترفض التعاطي مع الأوراق وهذا ما يثبت صحة أقواله فبحسب قوله "لو كان للمحكمة من الحجج القانونية ما يثبت ملكية المستوطنين للأراضي لما رفصت فتح الملفات والتعامل مع تفاصيل القضية".

وأنشئ حي الشيخ جراح في القدس عام 1956 بموجب اتفاقية وقعت بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والحكومة الأردنية، وفي حينه استوعب الحي 28 عائلة فلسطينية هجرت من أراضيها المحتلة عام 1948.

وفي تفاصيل القضية يقول القاسم إن: "جميع العائلات في الحي لاجئة، وطلب منا تسليم كرت اللاجئ وفقا للاتفاقية المذكورة، مقابل عقود ايجار متجددة، على أن يطوبوا البيوت باسمنا لاحقا، ونحن نمتلك عقود ايجار من وزارة الأشغال الأردنية تثبت صحة القول لكل بيت".

ويردف: "بيوتنا بنيت عام 1956 أي قبل الاحتلال ب 10 سنوات، من قبل الحكومة الأردنية مقابل تسليم كرت اللاجئين، وقامت العائلات لاحقا باسترجاع كروت (الأونروا) لأنها حق  مكتسب لن نتنازل عنه".

وحاولت بعض العائلات أن تطوب البيت باسمها لكن الحكومة الأردنية رفضت، وظلت تجدد الايجار حتى قدوم الاحتلال عام 1967 ما أدى إلى إنهاء وجودها في فلسطين، وبقيت الأرض بلا صاحب.

وبالعودة للعام1967 قام الاحتلال الإسرائيلي بشن هجوم على المواقع الأردنية في حي الشيخ جراح، ثم طوق الاحتلال المدينة من الشمال والجنوب، في حين سقطت الأحياء خارج سوق القدس القديمة، واستمر القتال داخل شوارع المدينة.

وتنتهج  الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، سياسة التطهير العرقي التي تستهدف مواطني القدس الفلسطينيين بصفة خاصة.

40 عاما من المطاردة في المحاكم وتزيد  

في العام 1972 قامت جمعية استيطانية برفع قضية على الحي وادعت ملكيتها للأرض وللمنازل في الحي، وقاموا بتطويب الأرض باسمهم بدائرة الأراضي، بطريقة غير قانونية وغير سليمة، وفقا للقاسم.

وفي التسعينات قامت الجمعيات الاستيطانية ببيع الأرض المدعى ملكتيهم لها، لشركة إسرائيلية مقرها أمريكا، ومنذ حينها والشركة تطالب عائلات الشيخ جراح  بالأرض والبيوت، ولا تزال المحاكم بين الجمعيات الاستيطانية واللاجئين مستمرة.

وعام 2008 استطاع المستوطنون أن يستولوا على أول بيت في الحي يتبع لعائلة الكرد، وعام 2009 تم الاستيلاء على منزلين آخرين لعائلة الغاوي المكونة من 7 إخوة ومنزل لعائلة حنون المكون من 3 إخوة، وفي اليوم ذاته تم تشريد 10 عائلات وإخلاء المنزلين المذكورين.

ويكمن الخوف الأكبر بالنسبة للعائلات بحسب القاسم بأن القرارات ستنطبق على الجميع لأن القضية واحدة ولا أحد يمتلك حجة أقوى من الآخر، وإذا أخلوا البيوت، سيشمل هذا القرار الجميع، وأي عائلة سيتقرر خروجها، ستفتح باب الخروج من الحي للعائلات الأخرى.

وطلبت المحكمة الإسرائيلية من العائلات أن تصادق عقود الايجار التي تمتلكها، لأن العائلات تمتلك صورا غير مصدقة عنها، ومن خلال السلطة الوطنية الفلسطينية ووزارة الخارجية وشؤون القدس، حاولت العائلات أن تمشي بهذا الإجراء، وطالبت حكومة الأردن، بإرسال النسخ المصدقة، لكن العائلات ما زالوا بانتظار الأوراق المطلوبة حتى هذه اللحظة.

ومنذ سنوات وأهالي الحي يحاولون الحصول على هذه الأوراق لكن دون جدوى، كما تواصل محامو العائلات وأهالي الحي مع الجهات الأردنية والجهات الرسمية الفلسطينية للعمل على الحصول على هذه الاتفاقات وما زالت المحاولات مستمرة.

وأشار القاسم إلى أن هذه الأوراق لن ترجع البيوت للعائلات لكنها ستدعم القضية وسيكون دليلهم أقوى أمام المحكمة.

وبحسب اتفاقات القانون الدولي عندما تقوم حكومة بالأخذ من حكومة أخرى بغض النظر عن وجود احتلال يجب أن تلتزم بالقرار.

وكان قد صدر مؤخرا رسالة من رئيس الوزراء الأردني، وتم تسليم جزء من الأوراق لكن القاسم يقول إنها ليست الأوراق المطلوبة والتي ستفيد حي الشيخ جراح بصفة خاصة.

وقامت العائلات بإحضار خبراء محليين معترف فيهم إسرائيليا وأثبتوا بدورهم أن الأرض ليست للمستوطنين، وأن تسجيلهم في (الطابو) مبني على أوراق مغلوطة، ومع ضغوطات كبيرة من العائلات أحضروا رئيسة (الطابو) إلى المحكمة لكنها ادعت انها لا تفهم العربية وليس لديها فكرة عن الموضوع.

وتكمن أهمية حي الشيخ جراح بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي في كونه يشكل مدخلا رئيسا لشرقي القدس، كما أن الاحتلال يعمل على بناء مستوطنة تمتد إلى الجامعة العبرية، لذلك فالحي يشكل موقعا استراتيجيا بالنسبة لهم.

السياسة أقوى من حصن القانون

يعتبر القاسم أن ما يحدث في الحي هو موضوع سياسي بحت، فمن الناحية القانونية العائلات محصنة وتمتلك حججا قانونية قوية، والجانب الإسرائيلي غير قادر على إثبات ملكية الأرض، مشيرا إلى أن الاحتلال حاول استغلال وجود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الحكم ليسارعوا في إصدار قرارات الإخلاء، لما قدمه الأخير من هدايا للاحتلال على حساب الفلسطيين.

الشرطة في خدمة المستوطنين

المسألة لم تتوقف عند اقتلاع المقدسيين وطردهم من منازلهم فبات الحي اليوم قسمة يتشاركها الفلسطينيون والمستوطنون الذين يعكرون صفو العائلات في محاولة منهم لدفع العائلات إلى التسليم للأمر الواقع، والخروج من منازلهم.

وتتعرض بيوت العائلات في الحي لمحاولة سرقة مستمرة من قبل المستوطنين، بالإضافة إلى التضييق عليهم في مواقف السيارات ورمي النفايات أمام منازل الفلسطينيين، بحسب القاسم، الذي أوضح أن أي احتكاك يجري بين السكان والمستوطنين، تهب الشرطة للوقوف إلى جانب أبناء جلدتها، ولأخذ إجراءات تعسفية قد تصل إلى السجن ضد الفلسطينيين، رغم أنهم المعتدى عليهم.

وأشار القاسم إلى أن عائلة الكرد وهي إحدى عائلات الحي المهددة بالإخلاء تتقاسم منزلها مع المستوطنين، الذين استولوا على نصفه عنوة عام 2009، بالإضافة إلى أنه تحول إلى مرتع للمستوطنين الذين يأتون لإثارة الفوضى وللقيام بتصرفات لا أخلاقية في المنزل، هذه التصرفات ليست عبثية بل تأتي في إطار التضييق على العائلة والحي.

وكانت ابنة الحي منى الكرد قد نشرت مقطعا مصورا أوضحت فيه تفاصيل الاستيلاء على نصف بيتها، وجاء فيه: "حاول والدي أن يحصل على ترخيص من بلدية الاحتلال مئات المرات، لبناء غرفة إضافية بجانب المنزل، لكن دون جدوى، فقرر أن يباشر البناء، ليأتي بعدها قاضي محكمة الاحتلال ويغلق الغرفة مدة 9 سنوات، دفعنا خلالها حوالي 29 ألف دولار غرامات بحجة أنه مبنيا بلا ترخيص".

وتابعت الكرد: "نهاية عام 2009 صدر قرار من محكمة الاحتلال يجيز للمستوطنين السكن في المنزل، وطالبت العائلة بهدمه لكن محكمة الاحتلال رفضت، ونهاية العام دخل المستوطنون بحماية من شرطة الاحتلال إلى المنزل واستولوا على الغرفة المغلقة، وسكن فيه شبان تترواح أعمارهم بين 17-25 عاما.

ويتابع كرمل القاسم: "الأجواء في الحي متوترة دائما وغير مريحة ومقلقة بالنسبة لنا، ويوجد خوف دائم وقلق من المعيشة، وإحساسنا بأننا الطرف الأضعف وأننا غير قادرين على التصرف مزعج للغاية".

إلى جانب كل ما سبق، قامت قوات الاحتلال بإبعاد العديد من شبان الحي عنه، وعن أشغالهم في القدس.

ماذا لو أقرت المحكمة بالإخلاء؟

حول هذا يقول القاسم أن العائلات تمر في مرحلة صدمة، ولا تمتلك البديل ولم تتخيل يوما أن تترك بيتها في القدس، ناهيك عن عدم وجود إمكانيات للسكن في مكان آخر، وعن عدم وجود دعم.

وهناك تجربة لعائلة الغاوي التي صدر بحقها قرار إخلاء، وعاشت فترة طويلة في الخيام لأنها لا تملك البديل.

ويتأمل القاسم مساعدة من جميع الأطراف الدولية ومن السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الأردنية  والدول العربية.

من جانبه أوضح محامي العائلات سامي ارشيد في لقاء مع صحيفة الحدث أن المحامون ماضون في القضيةـ، وسيقدمون طلب استئناف للمحكمة العليا وبموجبه سيطلبون تدخل المحكمة العليا كي تلغي قرارات المحكمة المركزية ومحمة الصلح وقرار الاخلاء.

وفي سياق آخر يجمل ارشيد صعوبات القضية بالتالي: "الصعوبة التي تكمن في القضية أن القانون الإسرائيلي مبني على أساسين متناقضين ومبادئ القانون الدولي، ف"إسرائيل" تعتبر أن "القدس الشرقية" أراضٍ غير محتلة، وجزء من أراضيها، لذلك قامت بتنفيذ القانون الإسرائيلي متجاهلة بذلك القانون الدولي في القدس.

ومن جهة أخرى قامت "إسرائيل" بتشريع قانون يقوم بإعادة ما يسمى أملاك الإسرائيليين ما قبل عام 1948 إلى إصحابها الإسرائيليين ويتغاضى عن أي حق لفلسطيني يشغل هذه العقارات أو قام باستلامها بموجب اتفاقية مع الحكومة الأردنية، كما أنها لا تعترف بذلك.

ويوضح المحامي أن هذا التشريع نفسه لا يسمح للفلسطيني الساكن في "القدس الشرقية" والذي أصبح مقيما بدولة "إسرائيل" بأن يطالب بأي ممتلكات فقدها عام 1948 في الداخل الفلسطيني.