في عيون غزة
بقلم: غريب عسقلاني
الأمين العام المساعد لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين
تعيش غزة رمضاناً مختلفاً، لا بهجة على الوجوه، ولا فرحة يمارسها الصغار، غابت الألعاب والفوانيس، وغابت معها الأهازيج، حتى طبل المسحراتي يقتله صوت القصف وصافرات عربات الإسعاف، أضواء الفوانيس ماتت، وظهرت أضواء «الزنانات»، والوقت عتمة وترقب وبيانات تلعلع في الفضائيات، والضحايا أطفال ونساء.
يأتي رمضان هذا العام على موائد حزينة فقدت بهجتها، لكن رمضان الجميل الصابر الصبور يتجمل كما هي عادته بالصبر والدعاء.
فهل يكون الدعاء هذا العام، اللهم ارحمنا من المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون.
اللهم اهدِ أولي الأمر منا سبيل الحق، وقول الصدق، والإفراج عن أموال الشعب، والابتعاد عن كل قول وفعل يزيد الفرقة، ويكرس التناحر والتنابذ والاختلاف.
غزة تحب الصادق الأمين، لا تتاجر بالدين، لا تبيع الوطن لملك أو أمير، لا تتشيع للضالين، ترقص على جرحها، وتدرك بأصالتها أنها بيضة القبان وعدل الميزان.
غزة تعيش أقصى حالات الشد على البطون، تتبارى إلى خيام مناصرة الأسرى، تقيم مؤتمرات اللاجئين، تتمحص في الروايات الإسرائيلية بحثاً وتوثيقاً بالصوت والصورة، وترفض القتل الوحشي الذي يمارسه المتطرفون والعدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
غزة خرجت من أعوام الرمادة مثخنة الجراح، محصنة بالوعي، وقد اكتشفت الزيف والخداع والتضليل، وفرزت الغث من السمين.
غزة تحتضن كل الأطياف بحذر وذكاء، وتبايع القيادة الرشيدة وتصرخ في وجهها عند الخطأ، وتلعن حاملي الأجندات الغريبة، مهما كانت المبررات.
فهل غزة بخير؟
غزة السفلى تعاني الحاجة، فأجلت أحلامها، وغزة العليا تعيش الترقب وأخبار الكساد، وغزة الرسمية تختفي بفعل فاعل، وتظهر متى تريد بقدرة قادر، وغزة الفصائل تمضغ بقايا أسنانها النضالية بخبرة الاصطفاف أو الاستخفاف، وتكتفي بدور حكيم محكوم، وغزة البنوك حائرة، تفتح خياراً، وتغلق إجباراً، وقد باتت المعضلة في الرواتب، وكأن الرواتب هي العصا السحرية لحل جميع المشاكل، وباتت المصالحة إلى جانبها نكتة مكررة، وتحول الأمر بين الأطراف إلى عض الأصابع من يصرخ أولاً، ولأن الصراخ ضجيج المأزومين، يغطي على المنطق المشروع، حول آليات استيعاب الموظفين الجدد وعلى أي الأسس يكون، والأهم هو البحث عن مصادر لتوفير الرواتب، والكل يتناسى أننا ما زلنا على بند كرم المانحين، لذلك يشغل الإعلام مساحاته بتراشقات يندى لها الجبين، في وقت فيه رقبة الكل الفلسطيني تحت السكين، في ظل الحال الذي يعيشه الوضع الإقليمي عند مفترق طرق، قد يسفر عن نتائج كارثية تعيدنا، شعباً وقضية، إلى مرحلة ما قبل الصفر.
أي عبث هذا وأي جنون
وأي كوميديا سوداء يمارسها بعض اللاعبين رغم معرفتهم بكارثية النتائج، مما يؤكد أن أجندتهم خرجت على أجندة الوطن.
لكن غزة تستقبل رمضان هذا العام بصوفية العابد، وصلابة المقاتل، والجنون الحميد بالولاء للشعب والأرض.
غزة بخير وكل عام وأنتم بخير.