الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

وعد الفكرة والحاجة الماسة للتغيير!| بقلم: جمال زقوت

2021-03-11 02:11:25 PM
وعد الفكرة والحاجة الماسة للتغيير!| بقلم: جمال زقوت
جمال زقوت

 

 هاتفني د غسان طوباسي قبل مجرد التفكير بالانتخابات وكانت تبدو فكرة بعيدة، كان ذلك حول سؤاله الذي نشره على صفحته على الفيسبوك إزاء الحاجة لاستنهاض حراك مدني ديمقراطي يؤسس للمواطنة؛ لم يكن في باله سوى تخاطر الأفكار حول ضرورة مواجهة القلق والخوف على مستقبل البلد بل ومستقبل وجودنا فيه بفعل حالة الانهيار المجتمعي التي كانت وما زالت تتهاوى كأحجار الدومينو، ولم يكن مفاجئاً لي مئات الردود الإيجابية والاستعداد للانخراط في هكذا عملية، فالأمر لم يعد يحتمل مجرد وصف تداعيات الانهيار؛ بل التقدم بخطوة عملية تقدم نموذجاً مفاده أننا لسنا فقط قادرون على التصدي لأسبابه التي باتت تبدو وكأنها مزمنة، بل إمكانية النجاح في وقف الانهيار، وأن الخراب الذي يُحكم سيطرته على مكونات المجتمع ويتسلل ليهدد جراء ذلك الإحباط مجمل مستقبل القضية الفلسطينية والتضحيات بل و الإنجازات التي راكمها شعب فلسطين منذ أكثر من قرن من الكفاح المتواصل، كان من الواضح أن التصدي لهذا الواقع ليس مجرد أمكانية واقعية؛ بل أن ذلك يرتقي لمستوى الواجب الوطني الذي يستدعي الاستنفار لكل خلايا العقل ولغريزة البقاء الإنساني؛ وإن لم نتقدم من أجل ذلك كله فلا فرق بيننا و بين من يعمم ثقافة الخراب والأنانية من الطغمة التي تهيمن على مشهد ضفتي الانقسام؛ فالساكت على الكفر شيطان أخرس. وقد أتت فيما بعد دعوات الانتخابات وفق قائمة مشتركة لتظهر مدى النزعة التسلطية التي تسعى لترسيخ الوضع القائم وما فيه من احتكار السلطة لمجرد الاستمرار في التنكر لحقوق المواطنين الذين يضعهم توجه ما يسمى بمشتركة حماس فتح وكأنهم المسؤولون عن تبديد حقوقهم المدنية والوطنية وكأن الشعب برمته حالة يتيمة سيما أن الفصائل الأخرى كانت بالممارسة عتلة إضافية لاقصاء الناس والاندماج في دائرة الانقسام الجهنمية وفق المصالح الفئوية الضيقة لهذه الفصائل.

بناء الحركات الاجتماعية بمضمون سياسي ليس مجرد حالة رغائبية و لا هي حالة إيمانية التي تعد الناس بالجنة والمدينة الفاضلة بالدعاء لله ولا حتى بالصلاة كي يضمن تلك الجنة الموعودة، بل هي امتداد لفكرة "وقل اعملوا ..." .

فإذا كان حال بلد الانتفاضة الكبرى حيث كانت قيم المشاركة الواسعة والتضامن الاجتماعي وتحديد جدول أعمال شعب الانتفاضة من الناس ذاتها، قد وصل اليوم ليس فقط لحالة من الانكفاء والإقصاء الذي هو بمثابة وجه المرآة الآخر للتفرد، فإن حاجة الناس تستدعي المشاركة وأن تشعر مجدداً بالفعل أنها تصيغ مستقبلها وتساهم في بناء وتصنع ما تصبو إليه من تغيير حده الأدنى الدفاع عن حقوقها. 

 

 كان سؤال الأسئلة الذي يمتثل على طاولة النقاش الوجاهية الضيقة والتكنولوجية الواسعة لبلورة ماهية المواطنة والحقوق وسبل صون منظومات العدالة والتربية ومبدأ الصحة للجميع وغيرها من الحقوق؛ هو كيف يمكن ضمان تحقيق ذلك دون إحداث التغيير في النظام السياسي المتفكك والذي يتحول يومياً ليس فقط كمرتع للفساد والتغول على حقوق الناس وطحنها بعيداً عن بوصلتها الأساسية، بل الذي بات يتحول كمزرعة فئوية وشخصية للمتنفذين وفي كثير من الأحيان للمنتفعين من حاشيتهم، في وقت أن البلد هي الضحية بناسها ومستقبل أبنائها. لم يكن بالإمكان بلورة وثيقة وعد وبيانها التأسيسي دون تقديم إجابات جوهرية ومقاربات جديدة على مفارقتين أساسيتين، الأولى حالة الانقسام وتمزيق وحدة البلد ومؤسساته السياسية والخدماتية، وما تتطلبه معالجة هذا الأمر من استعادة مكانة المؤسسة الوطنية الجامعة في إطار المنظمة ليس فقط كائتلاف جبهوي لمواجهة الاحتلال؛ بل وحاضنة للتعددية السياسية وتطويرها وليس اجتثاثها بالإقصاء على حساب الوطن وحقوق المواطن الذي لأول مرة يعاقب من حكامه على أساس الجغرافيا الجهوية التي تمزق الكيانية بعد أن كانت رافعتها التاريخية وما يستدعيه ذلك من حكومة ائتلاف وإنقاذ وطنية بعد أن وصل مسار الاتجاهين المصارعين على الحكم والسلطة لطريق مسدود في خياراتهم الاستراتيجية. أما السؤال الثاني فهو كيف يمكن إعادة الاعتبار لحقوق المواطن باعتباره مركز العملية الوطنية وصون قضية شعبنا ومكانتها ومكوناتها. لعلها الحالة المتفردة التي يتقدم فيها حراك اجتماعي بالإجابة على الأسئلة الوطنية الكبرى التي هي جوهر الأزمة الوطنية الراهنة من خلال مقاربة الوحدة التعددية وأيضاً من خلال الربط والدقيق بين الاجتماعي الديمقراطي وبين الوطني الكفاحي، ولاستنهاض الناس من إحباطها يمكن انتقالياً إعطاء الأولوية للحقوق الفردية كي ينطلق الناس لاحقاً لإعادة بناء الحركة الوطنية وتعظيم قدرتها الشعبية في النضال الوطني. هذا جوهر العملية التي أنجزت خلال شهرين تقريباً وكانت عملية تشاركية واسعة النطاق شارك فيها المئات من الشباب والنساء وقادة الرأي والمجتمع المحلي بشكل مفتوح؛ فقدمت نموذجاً ًمتميزاً بأن بلورة الحراكات الاجتماعية تمثل حاجة موضوعية للفعل الاجتماعي والوطني وليس مجرد منتدى للثرثرة وتحيّن فرص القفز لنرجسيات ذاتية تتماهى مع أعراض الأزمة المرضية وتوهم نفسها بأنها الحل. من الطبيعي أن يشكل هذا الإنجاز تحدياً لكل من عجز عن تقديم الجديد أو الذين يرفضونه من حيث المبدأ وقاوموه بكل ما كانوا قد زرعوا من عفن وتسلط وتشكيك، باعتبار أن مثل هذا الحراك وغيره من المبادرات والحراكات الشبابية والنسوية، يمثل رأس الحربة التي ستعري واقع الاستحواذ الإقصائي المنعزل عن هموم الشعب والمواطنين. لعل هذا ما يفسر تكالب أطراف تبدو ظاهرياً أنها متناقضة ولكنها في الواقع متحدة في الدفاع عن مصالحها التي تنطوي على ضرورة إبقاء الحال على ما هو عليه أو استمرار الثرثرة في تشخيصه، في وقت هي عاجزة أن تدرك أن بقاء الحال من المحال وأن السيل قد بلغ الزبى وأن المارد قد تململ وبدأ يخرج من قمقم الإقصاء والتهميش وأن يعود حتى لو استدعيت الدولة البوليسية وكل أركان الطابور الخامس. وعد ليس الرد الوحيد، ولكنه الصرخة التي دوت في طول البلاد وعرضها لمدى حاجة فلسطين وشعبها لحركة سياسية اجتماعية بديلة لحالة الفشل والانهيار والاستبداد، وهذا ما يفسر وحدة الفاشلين ضد صرخة الأمل، واستماتتهم لتحويلها لمجرد صرخة توأد في واد.

 

وعد إلى أين؟

قرار وعد بعدم التقدم بقائمة انتخابية وتأكيده على أن هذا الحراك له أبعاد استراتيجية ليس لمجرد محطة انتخابية عابرة، يمكن اعتباره قراراً حكيماً إذا ما اقترن بتحديد هدف مزدوج الأول يتركز في التأثير للمقاربات التي قدمها للخروج من الأزمة الوطنية من ناحية والربط بين حقوق المواطن والمهام الوطنية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني من ناحية أخرى. والثاني هو أن وعد شرارة وصرخة ضمير تستدعي الانفتاح على مكونات المجتمع الأخرى التي تسعى للتغيير وليس إنقاذ زعامات متيبسة للانطلاق نحو التأسيس لحركة سياسية بهوية اجتماعية تقدمية وديمقراطية تقوم على التعددية في إطار منابر وتنوع؛ حركة قادرة على تحدي الواقع لتنطلق بديلاً عنه، وتعيد في نفس الوقت  للاعبين الآخرين صوابهم وتحفز قواعدهم لأخذ دورهم في مواجهة الخراب بمراجعة استراتيجياتهم الإقصائية، وأعتقد أنه في هذه الحالة سيشكل وعد أحد أركان هذه الحركة بلونه التقدمي ورؤيته الفكرية، وليس الخضوع لحالة الترهيب البوليسية التي تستهدف دفعه مجدداً لبيات شتوي طول في حالة الانطوائية التي هيمنت طويلاً على المجتمع والفاعلين فيه .