الحدث- ضحى حميدان
لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بخطط الضم وتهويد القدس وهدم آلاف المنشآت السكينة وبناء المزيد من المستوطنات لإنهاك الفلسطيني وتثبيط صموده في أرضه، فعمد إلى التضييق عليه بكل الوسائل وصولاُ إلى تشديد الخناق في لقمة عيشه، وبحث في كل الوسائل الكفيلة بجعل اقتصاده هشاً متآكلاً لا يقدر أن يعتمد على نفسه.
ومع أن السلطة الوطنية وقعت اتفاقياتٍ اقتصادية مع الاحتلال، لا تخلو في مجملها من الهفوات التي تصب في مصلحته كمستعمرٍ بالتأكيد، إلا أن الأخير قد مارس كل الوسائل لخرق هذه الاتفاقيات والتنصل منها، وإن كانت الاتفاقيات في بدايتها نصت على خمس سنوات تجريبية تتبعها مرحلة انتقالية، فقد مضت على هذه المرحلة الانتقالية خمسةٌ وعشرون سنة ولم تأتِ حتى اللحظة، وبهذا فقد اخترقت إسرائيل الاتفاقية برمتها سياسياً.
وبهذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي طارق الحج:"إن حاولنا التمعن بنظرة استشرافية على هذه السنوات، سنجد أن الاحتلال استفحل في اختراقاته هذه، بدءًا من منع استيراد النفط من الخارج الذي بالإماكن جلبه بأسعارَ زهيدة، إلى توريد المقاصة في وقتها المحدد، وصولاً إلى التنصل من اللقاءات الشهرية المشتركة، والمفترض حدوثها دورياً ما بين الجانب الفلسطيني والاحتلال، للنظر في أمر المقاصة ،وهذه مجموعة من الأمثلة الواقعية على بعض الاختراقات، وهي للأسف كثيرة".
ويشير الحاج أن مكامن الضعف والثغرات في الاتفاقيات الاقتصادية كاتفاقية باريس كثيرة، ولعل أبرزها، عدم إمكانية التاجر الفلسطيني الاستيراد إلا من خلال الموانئ التابعة للاحتلال، وبتفتيش جمركي تابع له أيضاً، للذلك عندما تأتي البضائع لميناء أسدود مثلاً، ربما تحجزها جمارك الاحتلال على الرصيف بضع شهور، وبالتالي سيتحمل التاجر تكاليف الأرضية التي حجزتها بضاعته طوال هذه المدة، حتى يتم تخليصها، المبلغ الي سيدفعه التاجر سيُحمله للمواطن الفلسطيني، ما يزيد من سعر السلعة وهذه مشكلة جدية تعني المزيد من الأعباء على كاهل الفلسطيني، ومن المفرتض أن تم إنشاء رصيف ميناء خاص بالبضائع الفلسطينية، وألا يخضع جمركياً لتفتيش الاحتلال بل لهيمنة فلسطينية.
ويضيف الحاج أن الاحتلال يأخذ 3% من أموال المقاصة، مقابل جبايته وتوريده لأموالها، علماً بأن هذه أموال فلسطينية ولا يحق له الأخذ مقابل هذه الجباية، والأسوء حين يقوم بمساومة الفلسطيني عليها فيحتجزها وهذا يصيب الفلسطيني في مقتل.
وأما الخطير حسب قول الحاج، أن العديد من أنواع السلع بعض البذور الزراعية وأنواع بعض الطيور، ممنوعة الدخول للأراضي الفلسطينية، إطلاقاً، والاحتلال يعلم أن فلسطين تعتمد على الثروة الزراعية والحيوانية، لذلك فهو يبحث عن شتى وسائل تضييق الخناق عليه، عدا عن منعه للكثير من الآلات المتطورة التي من الممكن أن تدخل في الصناعات الفلسطينية وتطورها.
ولم يقف الاحتلال موقف المخترق للاتفاقيات الهشة بالأصل فقط، فقد استغل كل بندٍ فيها وجَيّره تبعاً لمصالحه الاقتصادية، التي ستصب في نهاية المطاف في مصلحته وإضعاف الاقتصاد الفلسطيني، وإنهاك أصحاب الشركات أيضاً، فقد دار الحديث مؤخراً عن قرار صادر عن وزارة الصحة الإسرائيلية بتوحيد أغلفة الدخان المستورد للأراضي الفلسطينية، الذي يحمل في طياته العديد من التبعات.
وكان مدير عام مؤسسة المقاييس والمواصفات حيدر حجة قد قال للحدث إن منظمة الصحة العالمية أوصت بتوحيد لون علب السجائر باللون البني ك"لون منفر"، بالإضافة لتغيير التحذيرات النصية على علب السجائر لافتاً إلى أن مؤسسة المواصفات والمقاييس خلال الفترة الأخيرة كانت قد عدلت مواصفات علب السجائر، بقوله:"وضعنا نسب النيكوتين و أول أكسيد الكربون على عبوات السجائر التي يتم تداولها في فلسطين"، مشيراً إلى أن هذه التعديلات الأخيرة تتوافق والمعايير العالمية.
وتبعاً لذلك يقول الخبير الاقتصادي الحج:"هناك بنود في الاتفاقيات تنص على أنه بإمكان إسرائيل فرض شروطها ومواصفاتها على سلع معينة، ثم تمنع دخولها للأراضي الفلسطينية، إلا في حالة تلبيتها لهذه المواصفات، والأمر ينطبق على التبغ وحتى على بعض السلع الغذائية والإلكترونية، تبعاً لهذا البند من الاتفاقية."
ولفت مدير عام الجمارك الفلسطينية لؤي حنش أن قضية فرض قرار التغليف الموحد لمنتجات التبغ على الشركات الفلسطينية قد يؤثر ذلك على خزينة الحكومة الفلسطينية، لأن هذا القرار سيعزز عمليات التهريب من الأسواق الحرة التي لم يتغير فيها شكل الغلاف، وبما أن التدخين هو عادةٌ مربوطة بشكل المغلف إضافة لجملة من العوامل التي من شأنها أن تؤثرعلى قرار المستهلك، الذي سيجبر على استخدم الدخان القانوني بالتغليف الجديد، وهذا من شأنه أن يجعله يعزف عن هذا المنتج، ويتوجه لشراء الدخان المهرب.
ويقول حنش:" إن إيرادات الحكومة من التبغ المستورد تبلغ سنوياً بين مليار و ثمانمئة مليون شيكل، إلى مليارين ومئتي مليون شيكل، وفي هذه المرحلة من الحديث عن قرارات التغليف، من المؤكد أنها ستؤثر على الايرادات الحكومية وستعزز الخسائر، ولا نستطيع التنبؤ بحجمها بالضبط ولكن المؤكد أن الأثر السلبي موجود".