لا قرار في إشعال أو إخماد انتفاضة يقول صديق، وهذا صحيح جداً، والشارع مجروح جداً، وما ردة فعله، إلا ردة فعل طبيعية على خسة وإجرام المحتل الصهيوني بكل فئاته وشرائحه، وجميعهم مستوطنون عنصريون. ولا اختلاف حول ضعف موقفنا السياسي، وردة فعله غير المرضية أو المقنعة للسواد الأعظم من الشعب، ولكن السؤال، هل المطلوب أرضاء الناس، أم البحث عما ينفع الناس؟
إن كانت الأولى، فالشعارات، كل الشعارات، بما فيها رمي إسرائيل في البحر وما شابهها، جاهزة للقذف دون فعل. وإن كانت الثانية، فعلينا بحث ما يمكن أن يسند ويدعم الفعل الشعبي المشروع بكل السبل والوسائل، وأقول بحث، لا إقرار أو رفض، والفرق شاسع. فأنا كما الكثيرين غيري، لسنا ضد الفعل الثوري بكافة أشكاله وأدواته، بما فيها النضال المسلح كفلسفة ثورية كفاحية مشروعة، ولكن علينا أن نعلم، بأن لكل فعل ثوري هدفاً سياسياً يجب أن يكون واضحاً وجلياً، لنتمكن من استثماره، سواء كان استثماراً آجلاً أم عاجلاً، له علاقة، أو لا علاقة له بشكل الحكم القائم "السلطة" أو بأي شكل آخر يحملنا باتجاه حريتنا.
وأقول أنْ نبحث في السبل والوسائل، بحثاً لا يترك للمستفدين أو أمراء الحروب أو لآخرين يعملون لصالح أجنداتهم على حساب دمنا، مجالاً للعبث بمصائرنا. لا أن نطرح مجرد شعارات عوضاً عن تقديم مشاريع أو بدائل حقيقية ترسم لنا الخط البياني نحو الاستقلال الفعلي، لا الوهمي.
إن استشهاد الفتى محمد أبو خضير تعذيباً وحرقاً، رداً على عملية المستوطنين الثلاثة التي لم تتبناها أية جهة حتى اللحظة، ولم تعلن أية جهة ماذا أرادت من ورائها، ولا النتائج التي حصدتها أو حصدناها -إن كانت هناك عملية خطف فعلاً- هذا الاستشهادلم يكشف ضعفنا وتراجعنا فقط، وإنما كشف الوجه الحقيقي لتخبطنا وعدم اتفاقنا وانحيازنا للمزايدات على بعضنا البعض، كلٌ بما يمكنه من طرح "فيسبوكي" عنتري، مريض بقلة حيلته وفعله، لا لكوننا نختلف أو نتفق معه، ولكن لأن الكثيرين منا لا يعمل سوى على المزيد من تشرذمنا بدلاً عن تلاحمنا.
الإيجابيات القليلة، على قلتها، جاءت كبيرة بحجم فعلها، منها على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع الشعور بالهوية الوطنية لدى شباب شعبنا الفلسطيني في الداخل، والذي انتفض وما زال في وجه محاولات أسرلته وتدجينه وتهميشه وتغييبه أولاً ليُرجعَ أصل الصراع إلى أوله، وربما نحو قلب الطاولة لما يشبه حالة الشارع العربي الداخلي الذي ثار على جلاديه وحكامه، وهو بالمناسبة، الأسلوب الأمثل لإضعاف هذا الكيان المحتل لأرضنا ومقدراتنا.
وكذا الأمر كان فاعلاً باتجاه تحريك المياه الراكدة لدى مجتمعنا المحلي، الذي بدأ يستشعر ضرورة الخروج من حالة الجمود التي نعيشها، وإعادة التفكير في مجمل حالتنا التي باتت تتسم باللاسلم واللاحرب، ولكنها في الوقت ذاته أصبحت على صفيح ساخن، لم يؤد لا إلى إشعال أو تطويق انتفاضة شعبية، لا قرار في إشعالها أو وقفها كما يقول صديقنا ونقر. ولكن القرار الذي نحن في أمس الحاجة إليه، أن نحترم رأي الآخر وما يطرح، ليحترم الآخر بدوره آراءنا وما نطرح. وعليه يجب أن تعلم القيادة ومعها كافة فصائل العمل الوطني، الفارق ما بين الحكمة والمهارة والنجاح، فالحكمة أن تعلم ما الذي يجب أن تفعله، وأظن أن صوت الشارع يقول: إن الفعل هو فعل ثوري نضالي مشروع، لا شعارات أو مزايدات، وأما المهارة أن تعي كيف تفعله، وأعتقد أن ذات الصوت يقول: يكفي أن تكونوا على أقل تقدير، ظهيراً داعماً لهذا الفعل، ظهيراً مشاركاً لا رامياً بالمسؤولية كلٌ على الآخر، لربما لإراحة الضمير، إن كان هناك ضمير وطني، وأما النجاح فهو أن تكون فاعلاً، والفعل المطلوب منكم قادة وساسة وفصائل، وبحسب ذات الصوت ومزاجه العام، إما أن تكونوا إلى جانبنا أو أن تتنحوا جانباً.