بقلم: نبيل عمرو
بينما يشتعل بيته الداخلي، بحرائق خطرة، ويشتعل جواره الفلسطيني الأقرب، بتهديدات مستمرة.
ويشتعل المحيط الأوسع من حوله بنار لا تخبو وإنما تتسع وتتصاعد.
يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمنطق عكسي.. فيقلل من قيمة حرائق البيت والجوار، ليتحدث عن أمن إسرائيل الكامن على بعد مئات الأميال.. إذ يرى الخطر في الموصل، ويضخم التهديد من إيران.
ولا يخلو الأمر من أن يقترح حلولا غريبة.. مثل دفع أمريكا إلى حرب عسكرية تدميرية على إيران، ودعوة العالم من أجل إنشاء دولة كردية في العراق وربما في تركيا كذلك، وإعلان وضع امكانيات إسرائيل للدفاع عن الأردن، وللتدخل في سورية والعراق، واليمن إن لزم الأمر.
في إسرائيل تنبه كثيرون إلى أن رئيس الوزراء، الذي يشبه مالكي العراق في التشبث بالموقع حتى لو كان دون ذلك الطوفان... رئيس الوزراء هذا، ذهب بعيدا في خلط الأوراق، وقلب الأولويات وجر الدولة العبرية إلى اهتمامات وتطلعات مكلفة مستخدما فزاعة الخطر الوجودي الذي يأتي غالبا من بعيد.
لن أتوقف عند تعليقات وتقارير الصحافة والكتّاب الإسرائيليين حول هذا الأمر، لأن الأجدر أن أتوقف في منطقة أخرى.. هي مائدة صنع القرار ومؤثراتها.
وهنا لابد وأن تستوقفنا تصريحات رئيس الموساد، الذي خرق معادلة نتنياهو جهارا نهارا، معيدا الأولويات الإسرائيلية إلى ترتيبها المنطقي، واضعا الخطر الأكبر في مكانه الصحيح.. وهو الصراع مع الفلسطينيين.
وتصريحات رئيس الموساد لا يجوز النظر إليها كوجهة نظر، فقد سبقتها تصريحات أكثر وضوحا من قبل أسلافه في أكثر أجهزة الأمن الإسرائيلية حساسية، ديسكن قال ذلك.. وداجان.. وكثيرون مثلهما لاشك في أهميتهم الشخصية والوظيفية.
وإذا كانت استنتاجات رجال الأمن والمعلومات أصحاب القدرة على ملامسة تفاصيل الواقع وخباياه ومؤثراته، تلاقي تحفظات كثيرة من جانب رئيس الوزراء، فإن ما يجري على أرض الواقع يؤيد وجهة نظر رؤساء الأمن، وينحي جانبا وجهة نظر رئيسهم الأعلى.
فما الذي يجري الآن...
مذبحة متسلسلة في غزة
حرائق متفرقة إلا أنها تغطي الخريطة فيما نسميه بالخط الأخضر، أي قلب الدولة العبرية وأطرافها.
اشتعال إن هدأ شهراً إلا أنه يستأنف بصورة أشد يجتاح الضفة الغربية.
ردود فعل يهودية، تلطخ أهم رصيد إسرائيلي يستخدم في الخارج، وهو الحضارية المميزة في واحة القيم الرفيعة في الشرق الأوسط. جسّدها كرمز قتل الطفل أبو خضير، على نحو أعاد التذكير بقتل الطفل محمد الدرة، وما بينهما من وقائع بشعة بدأ الإسرائيليون أنفسهم يضيقون ذرعا بها ويتخوفون من استفحالها، حتى قيل قول في إسرائيل كلام كثير عن ظهور داعش يهودية!!.
كل ذلك يجري تحت نافذة نتنياهو.. نافذة بيته ومكتبه وكل الأماكن التي يرتادها، وليس لديه ما يعالج به الأمر، إلا المزيد من الحرب، والمزيد من الحديث الساذج عن تهدئة الخواطر، وإدخال بعض التسهيلات، والتخفيف المظهري لإشكال القمع والقتل.
سنظل داخل الدوامة، وستظل إسرائيل معنا فيها، مادام يتحكم في القرار، من يرى خطرا بعيدا وقد يكون مستحيلا، ولا يرى الخطر القريب والفاعل، ليس لضعف في البصر، وإنما بإرادة كاملة بتغييب البصر والبصيرة!!